السبت 2014/03/15

آخر تحديث: 06:21 (بيروت)

أوكرانيا: فشل موسكو وواشنطن

السبت 2014/03/15
أوكرانيا: فشل موسكو وواشنطن
يترقب العالم فرض عقوبات اقتصادية أوروبية على روسيا يوم الاثنين (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
 مجدداً، يلاحق الفشل محادثات وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره الأميركي جون كيري بعد جولة دارت لقرابة الست ساعات في العاصمة البريطانية لندن يوم الجمعة، بعد فترة أضحت بها الاتصالات الروسية-الأمريكية تجرى بمعدل يومي، لمتابعة تطورات المشهد الأوكراني، وأزمة شبه جزيرة القرم، التي تنتظر استفتاءها يوم الأحد المقبل حول الانضمام لروسيا أو البقاء أوكرانية كما كانت.

محادثات كيري-لافروف في لندن، أدخلت الأزمة الأوكرانية في منعطف جديد، وخاصة بعد إعلان لافروف أن موسكو ستحترم "إرادة" شعب القرم وستنتظر نتائج استفتاء السادس عشر من آذار، الذي وصمته الإدارة الأمريكية والأوربية بأنه يخالف الأعراف الدولية والدستور الأوكراني، وأن هذا القرار كان يجب أن "يقرره البرلمان الأوكراني، لا برلمان القرم" حسب الوزير كيري الذي اعتبره أيضاً انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي ولن يعترف المجتمع الدولي به، وهو ما استنكرته موسكو في حديث نائب وزير خارجيتها غينادي غاتيلوف الذي أكد أن المشروع الأميركي لقرار مجلس الأمن الدولي حول أوكرانيا، الذي يدعو إلى عدم الاعتراف بنتائج الاستفتاء المرتقب في القرم، غير مقبول، وقال فيه غاتيلوف:"هذا المشروع قدمه الأميركيون، وموقفنا منه سلبي للغاية. لن نؤيد هذا المشروع".
 
الوزير كيري أوضح من جانبه أنه كان صريحاً مع نظيره الروسي بأن الرئيس أوباما أكد وجود تبعات إذا لم تجدّ روسيا لتعديل مسارها، منوهاً أن هذا لا يندرج في إطار التهديدات وإنما سيعكس رد فعل مباشر على الاختيارات التي قد تختارها أو لا تختارها روسيا، وقابله لافروف موضحاً أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أرجأ التعامل مع  أي قرار يتعلق بأوكرانيا إلى ما بعد استفتاء الأحد في شبه الجزيرة.
ويتناقض الموقف الروسي مجدداً في شكل طرحه وإعلانه، فتارة يؤكد الوزير لافروف عدم وجود نوايا لدى روسيا لاقتحام الأقاليم الجنوبية الشرقية من أوكرانيا، وعدم إخفاء روسيا لما تقوم به هناك، برغم أن وزارة الخارجية الروسية أصدرت بياناً قبيل بدء محادثات لندن أكدت فيه أن روسيا ملتزمة بالدفاع عن "مواطنيها" في أوكرانيا، وهو الأمر الذي لا يمكن قراءته إلا تلويحاً بتدخل عسكري.
 
وفي ترقب نتائج الاستفتاء يوم الأحد، يتوقع فرض العقوبات الاقتصادية الأوروبية على روسيا يوم الاثنين المقبل، حسب إشارة المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل منذ أيام، ويضاف إليها ترقب انتقال العقوبات الأمريكية لدرجة أعلى بعد فشل المحادثات بين موسكو وواشنطن. اتجاهان يشكلان رعباً لدى المؤسسات المالية الروسية، بعد سقطات كثيرة شهدتها سوق الأسهم، وانخفاض حاد للروبل في وجه الدولار واليورو، وقلق عمالقة الغاز والنفط من انقطاع بحر المال الأوروبي في حال تفاقم الأزمة، مع أن موسكو أشارت في مرات عديدة أنها ستقوم بالرد في حال فرض عقوبات بحقها، مشددة على أنها لا تفيد في حل المشكلة، ولن تنتج إلا مزيداً من التصعيد. 
 
ويقرأ البعض استمرار التعنت الروسي من زاوية أنه برغم كل المخاطر الاقتصادية التي يترقبها الداخل، فقد أرسلت طمأنة على لسان وزير اقتصادها أليكسي أوليوكاييف، لسيفاستوبول، عاصمة القرم، بأن روسيا ستزودها بـ 80 إلى 90 مليون دولار شهرياً بعد طلبها لستة مليارات دولار، منها خمسة على شكل مشاريع استثمارية وواحداً بشكل نقدي لدعم موازنتها، في حال توقف التحويلات المالية من كييف.
 
وفي النظر بعين المراقب لكل ما سبق، سيتحتم على المتابعين في الأيام القليلة المقبلة التركيز على الموقف الأوكراني الرسمي الذي أضحى الغائب الأكبر عن مجريات الأحداث والمباحثات، التي أطلقها الغرب بالنيابة عنه مع روسيا، لإيجاد حلول سياسية للأزمة التي من الممكن أن تتطور بفعل الغطرسة لتدخل عسكري روسي في أوكرانيا، وكرد فعل على العقوبات التي ستفرضها أوروبا، وستدخل موسكو في أزمة حقيقية، بعكس العقوبات الأميركية التي سيكون تأثيرها طفيفاً مقارنة مع غيرها، أما كييف فستبقى في الدرجة الثانية لغاية الانتهاء من أزمة شبه الجزيرة المطلة على البحر الأسود، التي تحمل في حضنها الأسطول العسكري الروسي، المتمركز في تلك المنطقة، والذي يشكل الحفاظ عليه وتأمينه الهدف الأكبر لدى روسيا، مهما كلفها الأمر، إلا أن التبعات من هذه الأزمة قد تنتقل بحملها إلى أراضي الدول المحيطة بروسيا، والتي تفرض عليها روسيا هيمنة بشكل ما، أو قد تنتقل إلى الأراضي الروسية نفسها، وتشكل المسمار الأول في نظام بوتين، بعد أن تتخلى عنه المؤسسات المالية التي ستتضرر بفعل العقوبات.
 
وفي المستوى الخارجي، تكهن البعض أن الفشل الروسي –إن تحقق- في معالجة الأزمة الحالية، والخروج منها بأضرار جمة، سيشكل عقدة في الملف السوري الذي عقّدت موسكو حلحلته منذ ثلاثة أعوام، وستطلق روسيا بعض الأوراق التي كانت تساوم فيها، في رد فعل على تصعيدات الموقف الأوكراني.
 
increase حجم الخط decrease