الإثنين 2014/02/10

آخر تحديث: 05:12 (بيروت)

جنيف وإعادة تشكيل السلطة في سوريا

الإثنين 2014/02/10
جنيف وإعادة تشكيل السلطة في سوريا
من احتفالات السوريين بعد الاستقلال عام 1947 (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
 عرفت سوريا في تاريخها الحديث، بعد اتفاقيات سايكس – بيكو، عدداً لا بأس فيه من الحكومات المدنية والعسكرية، لكن يمكن تصنيفها إلى نموذجين رئيسيين، وفقاً لطبيعة السلطة أولاً، ولطبيعة المرحلة التاريخية ثانياً. 

حسب المفكر الراحل إلياس مرقص: " إن لكل دولة بالضرورة سلطة، هي سلطة الدولة. لكن ليس بالضرورة أن يكون لكل سلطة دولة". النموذج الأول: هو النموذج الذي ظهر في المرحلة الكولونيالية، وفي مرحلة الاستقلال الوطني التي تلتها، وشكّلت امتداداً لها. حيث كان يتكّون في سورية "جنينٌ" للدولة/ الأمة، وكانت السلطة، حينذاك، تعبر عن سيرورة هذا التكّون، فازدهرت الحياة السياسية والثقافية والاقتصادية، وبدأ السوريون يتشكلون كشعب بالمعنى الحديث للكلمة. 
 
كانت سورية تتقدم في مسار ثلاثي الأبعاد: بعد "الدولة الوطنية"، وبعد تبرعم نويات المجتمع المدني، وبعد الانتقال من رعايا في ظل السلطنة العثمانية إلى مواطنين في ظل دولة الاستقلال. 
 
هذا المسار كانت تقف في خلفيته  روح الدساتير الفرنسية، بعدما توقفت الثورات المسلحة الفلاحّية ضد الفرنسيين في الأرياف، وأصبحت المدن الكبرى (دمشق وحلب وحمص) وبورجوازياتها الوطنية هي الحاضنة لفكرة "الدولة الوطنية". 
 
بكلام مختصر: لقد اشتق السوريون سلطتهم السياسية التي هي سلطة "جنين- الدولة الوطنية"، بالاتكاء على معاهدة 1936 مع الفرنسيين، الذي تضمن ملحق من ملاحقها على سبيل المثال: قانون علماني للأحوال الشخصية.
 
النموذج الثاني: هو النموذج الذي تبدى في مرحلة " الانقلاب الثوري"، أي نموذج "الدولة- التسلطية". فكما أن تفاعل روح الدساتير الفرنسية مع الروح الوطنية السورية في مرحلة الاستقلال، أنتج مفهوم الدولة الوطنية، كذلك، إن مناخ الحرب الباردة وتفرعاتها الإقليمية والدولية، وهيمنة الروح الستالينية على الحركات القومية والاشتراكية في مرحلة ما بعد الحرب الثانية، كانت المناخ العالمي، الذي تشكلت في سياقه "سلطة- البعث"، التي أجهضت "جنين الدولة"  الوطنية الاستقلالية، ودمرت القوى المنتجة في المجتمع، ونزعت براعم الحداثة الثقافية والسياسية، فانحطت إلى مجرد تسلط عارٍ، يجمع  بين البنى والتشكيلات ما قبل الوطنية، وبين الشعارات فوق الوطنية الجوفاء، فكانت "سلطة البعث" أي شيء غير السلطة السياسية، أي سلطة الدولة.
 
مع مؤتمر "جنيف 2"، يقف السوريون للمرة الثالثة في تاريخهم الحديث أمام  بداية مسار طويل وغير معروف النتائج، يسير باتجاه إعادة تشكيل السلطة في بلدهم، كذلك تتداخل هذه المرة، أيضاً، العوامل الدولية والإقليمية والمحلية في إعادة التشكيل هذه، ولكن في سياقات مختلفة تتميز: بمزيج من الحيطة والحذر والتردد الأميركي في التدخل في المنطقة العربية، وعجز أوروبي عن لعب دور مستقل عن أميركا، و عجز النظام العربي وجامعة الدول العربية عن التدخل في المأساة السورية، وخاصة مع انشغال مصر في مشاكلها الداخلية، وملء الفراغ الذي تركه التردد والانكفاء الأميركي في سوريا، من قبل روسيا وإيران وقوى ما قبل الدولة المختلفة ذات الطبيعة المذهبية.
 
 كذلك، تراكب الصراع الداخلي في سورية مع الصراع السني – الشيعي المنفجر هنا والمحتقن هناك. يترافق ذلك مع وضع داخلي سوري يتسم: بانهيار لمرتكزات السلطة الأيديولوجية والإعلامية، وانقلاب مجتمعها "الجماهيري" ضدها، وانهيار بعديها الوطني والعربي، وانحدارها إلى مجرد قوة تسلط أمنية وعسكرية ذات بعد مذهبي. 
 
استدعى هذا الانحدار تكّون تنظيمات مسلحة من طبيعة مذهبية مضادة، مما أدى إلى "تطفيش" قوى الحراك المدني والقوى الديموقراطية والفئات الوسطى والعليا، أي حوامل المشروع السياسي، يضاف إلى ذلك، عملية التدمير السوسيولوجي، التي أحدثها النهج الأمني- المذهبي للسلطة، في "مجتمع" منقسم عمودياً أساساً. 
 
يقف الوضع السوري، في خضم هذه التعقيدات، أمام احتمالات شتى، واحد من هذه الاحتمالات: هو ما يفكر فيه راعيا مؤتمر جنيف، بإعادة تشكيل السلطة، عبر حل سياسي، يكون عماده مؤسسة عسكرية، تنتج من دمج بعض الفصائل العسكرية المعتدلة المعارضة مع تشكيلات من الجيش النظامي، لكن الأمر الخطير الذي تشي فيه تصريحات السياسيين الروس والأميركان، هو تصورهم لنموذج المحاصصة الطائفية والإثنية لموضوع إعادة تشكيل السلطة، وهذا ما ينبغي على السوريين الوقوف بحزم في مواجهته، وذلك لأن منطق الغلبة الفئوي والتحاصص هما وجهان لعملة واحدة.
 
increase حجم الخط decrease