الإثنين 2014/12/15

آخر تحديث: 14:08 (بيروت)

إنهم يهينون القضاء المصري!

الإثنين 2014/12/15
إنهم يهينون القضاء المصري!
يحظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية، ويحظر على القضاة اﻻشتغال بالعمل السياسي (أ ف ب)
increase حجم الخط decrease
تاريخياً كان القضاء المصري محتفظاً بهالة من الهيبة والوقار، تظهر في لقبه: "الشامخ"، وتظهر في قوانين صارمة تضبط أفعال القضاة، كما تحميهم من أي إساءة من الغير. ولكن مؤخراً، شهد القضاء المصري تحولاً كبيراً، مع إفراط القضاة في إصدار أحكام مشددة غير مسبوقة، وإفراطهم في التعامل مع الإعلام وإبداء آرائهم السياسية، بشكل يطرح أسئلة حول مخالفة القواعد القانونية والأعراف القضائية.


الإعلام داخل منزل القاضي

وكأنه فيلم "أكشن" أو أحد برامج تلفزيون الواقع، ظهرت مراسلة قناة "صدى البلد" في 27 أيلول/سبتمبر، داخل منزل قاضي محكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك، المستشار محمود كامل الرشيدي، وقالت بابتسامة فخورة "خلال الفترة السابقة تابعتم معنا جلسات محاكمة القرن كاملة على الهواء مباشرة، ولكننا لم نتعرف عن قرب على أوراق القضية!".

القاضي الذي تكررت تصريحاته الإعلامية، سواء حول أحداث المرافعات أو حتى عن تاريخه الشخصي وحالته الصحية، سمح للمراسلة بتصوير غرفة المداولة داخل منزله، والتي تجتمع فيها هيئة المحكمة لدراسة أوراق القضية، واستعرضت الكاميرا المجلدات والأوراق بينما تشرح المراسلة فئات الأوراق ومحتوياتها.

أثارت تلك الواقعة الأولى من نوعها استنكاراً كبيراً. نقلت وكالة "رويترز" عن مصدر قضائي أن نص المادة 3 من قانون المرافعات لا يقبل أي طلب للاطلاع على أوراق القضية لا يكون لصاحبه مصلحه قائمة يقرها القانون، كما لا يجوز لغير الخصوم الاطلاع على أوراق الدعوى، إلا من خلال أسباب وحيثيات الحكم. وأيضاً المادتين 166 و167 من قانون المرافعات تنصان على سرية المداولة واعتبار مكان انعقادها سراً.

عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان جورج إسحاق، قال لموقع "أصوات مصرية": "لماذا تحديداً هذه القناة التي يمتلكها أحد رموز الحزب الوطني؟ إلى جانب أنني أرى عدم قانونية الإجراء نفسه". وبدوره، اعتبر رئيس الشبكة العربية لحقوق الإنسان المحامي جمال عيد، ما حدث "غير قانوني ومقلق"، وتابع: "كنت حزيناً وأنا أرى المذيعة تعبث بأوراق تخص قضية، من المفترض أن يخشى عليها من الضياع".

ومن جانبها، قالت مراسلة صدى البلد هند النعساني، إنها طلبت تصوير هذا "الفيلم الوثائقي" من أجل "إنارة وعي الشعب"، وإنه كان مسموحاً لها بالإطلاع على مجلدات معينة، هي المتداولة بين أيدي الناس، وقد فتحت الملفات أمام الكاميرا بشكل عشوائي دون اختيار.


"دومة ليس الزعيم غاندي"! 

المستشار محمد ناجي شحاتة بدوره، قام باجراء حوار كامل مع صحيفة "الوطن" المصرية، الخميس 11 كانون أول/ديسمبر، تحدث فيه عن حكمه على الناشط أحمد دومة، بالحبس ثلاث سنوات بتهمة إهانة القضاء: "أنذرته قبل بداية الحديث بأن كل كلمة محسوبة وسيعاقب عليها، ولكنه لم يلتفت إلى ذلك وتطاول على المحكمة، ولم ينشر هذا الكلام نصاً بالمواقع والجرائد ظناً بأن دومة أيقونه الثورة، وأنه الزعيم غاندي".

القاضي شحاتة، المسؤول بمفرده عن قضايا غرفة عمليات رابعة، وأحداث الاستقامة، وقضية صحافيي الجزيرة (الماريوت)، وأحداث كرداسة، وأحداث مجلس الوزراء، أصدر حكمه، لأن دومة سأله عن صفحته في موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك".

وكان مستخدمو الموقع قد تداولوا صفحة منسوبة لشحاتة، واستدلوا على مصداقيتها بوجود صور عائلية خاصة به، وتُظهر الصفحة آراء له تهاجم الثورة والرئيس المعزول محمد مرسي منذ فترة طويلة، كما تُظهر إعجابه بصفحات ذات محتوى إباحي. وقد قال المستشار إن الصفحة مفبركة نافياً أي تعامل له مع الموقع، لكنه رفض طلب التحقيق في الواقعة، لأنه "من الأفضل عدم الالتفات لهؤلاء، إعمالاً للمثل القائل: لو كل كلب عوى ألقمته حجراً لأصبح الصخر مثقالاً بدينار، وليس من المعقول الرد عليهم وإلا سيصبح لهم ثمن".

الصحافي القضائي بجريدة "الشروق" المصرية الزميل محمد بصل، أشار إلى حكم محكمة النقض عام 1965 : "مفاد المادتين 313، 314 من قانون المرافعات صريح، في أنه إذا ما كشف القاضي عن اعتناقه لرأي معين في الدعوى، قبل الحكم فيها، يفقد صلاحيته للحكم. لما في إبداء هذا الرأي من تعارض مع ما يشترط من خلو الذهن عن موضوع الدعوى... فإذا ما حكم في الدعوى، على الرغم من ذلك، فإن قضاءه يقع باطلاً".

القاضي هنا كشف بوضوح عن خصومته مع أحمد دومة، فكيف سيستمر في محاكمته؟


"أنا أميل للسيسي!"

واصل المستشار شحاتة مفاجآته في حواره لـ"الوطن"، فقال إنه يعتبر من يهتف داخل الجلسة ضد "قضاة العسكر" مجرد "كلاب تعوي". ورداً على سؤال عن موقفه من رموز المعارضة، قال: "ليست لي علاقة بما يسمى البرادعي أو بردعة هذا!، ولا حمزاوي و6 أبريل، وذلك لسبب بسيط وهو امتناعي عن ممارسة العمل السياسي. وأخيراً ولأني كمواطن مصري عادي، ودون الخوض في السياسة ومعاركها، أميل للمشير عبد الفتاح السيسي".

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: ما الفارق بين هذه الآراء السياسية، وبين تبريرات القضاة المؤيدين للإخوان؟ كان منهم من يذهب إلى مكتب الإرشاد، ومنهم من ذهب لاعتصام رابعة، وكتبوا بياناً مؤيداً لمرسي، ثم بدورهم اعتبروا كل ذلك ليس "اشتغالاً بالسياسة" بل "انشغالاً بها" كمواطنين مصريين. والآن مازال المستشار شحاتة على المنصة، بينما مؤيدو مرسي أحيلوا للصلاحية، ومنهم من فُصل من عمله بالفعل.

المادة 73 من قانون السلطة القضائية تنص بوضوح تام: "يحظر على المحاكم إبداء الآراء السياسية، ويحظر على القضاة اﻻشتغال بالعمل السياسي".

وماذا عن الآراء السياسية التي تبديها المحاكم في حيثياتها؟ لماذا يخبرنا قاضٍ أو وكيل نيابة عن آرائه في حكم الإخوان؟ وما علاقة الحكم في قضية مبارك بتخصيص فصل كامل بالحيثيات بعنوان "السياق التاريخي للحكم"، فيه آراء القاضي حول الثورة ومؤامرة "الشرق الأوسط الكبير"؟.


كيف نُصلح "الشامخ"؟

كان ملف القضاء دائماً من الملفات الأكثر حساسية وارتباكاً منذ الثورة، فمن بين المطالبات الحماسية بانشاء "محاكم ثورية"، دون أي تعريف لمعنى هذا المصطلح؟ ومن هؤلاء القضاة الثوريون؟ من سيختارهم؟ وما هي القوانين التي سيحكمون بها؟ ومن سيحاكم أمامهم؟..إلخ. إلى مطالبات غامضة بـ"تطهير القضاء" كانت ترجمتها لدى نظام مرسي، تعيين القضاة الموالين للإخوان، في أعلى مناصب النيابة، دون أي تغيير للبنية القانونية لهذا النظام القضائي. لقد حاولوا تطويعه لصالحهم لا إصلاحه.

أصل مشاكل المؤسسة، يعود إلى عهد "مذبحة القضاء" في عهد الرئيس عبد الناصر، وهو البنيان القانوني الذي يمنح السلطة التنفيذية أدوات للتحكم في القضاة، كما يمنح القضاة الجنائيين، بدورهم، سلطات غير محدودة.

السلطة تختار قضاة بالاسم، لقضايا معينة. ونذكر هنا شهرة المستشار عادل عبد السلام جمعة، الذي كان مسؤولاً بمفرده عن الغالبية العظمى من القضايا السياسية طيلة عهد مبارك. والقاضي الجنائي بدوره، له حق الحكم بأي شيء "يستقر في وجدانه"، حتى لو كان الإعدام لـ 600 مواطن في جلسة واحدة.

وعلى جانب آخر، السلطة بيدها جمع الأدلة عبر جهاز الشرطة الخاضع لها تماماً، وبيدها إتلاف الأدلة، أو حتى تلفيقها أيضاً، عبر ختم النسر الأسطوري. (نقل ناجح إبراهيم، القيادي بالجماعة الإسلامية، عن مأمور سجن الاستقبال، روايته لكيفية تبرئة ضباط التعذيب في الثمانينات؛ حيث تم استخراج شهادة مختومة لأي ضابط متهم منهم، بأنه كان في مأمورية وقت الواقعة!).

ومن زاوية أخرى، عبر سنوات تراكمت قاعدة تعيين أبناء القضاة بحجة "البيئة القضائية" في المنزل، كما تراكمت قدسية مقولة "لا تعليق على أحكام القضاء"، رغم أنها لا توجد في أي نص قانوني مطلقاً، بل في بيان صادر عن مجلس القضاء الأعلى، ليس له أي إلزام قانوني.
ويبقى السؤال: هل إصدار قاضٍ لحكم بالإعدام على 600 مواطن، أو تصريح قاضٍ بآرائه السياسية هو ما يمثل إساءة للقضاء، أم مجرد تعليق من شاب على أحد هذه الأفعال؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها