الخميس 2014/05/01

آخر تحديث: 23:55 (بيروت)

هاني عباس: ما زلت في اليرموك

الخميس 2014/05/01
هاني عباس: ما زلت في اليرموك
مع ملصق المهرجان الذي يحمل رسمه
increase حجم الخط decrease
حاز فنان الكاريكاتور هاني عباس أخيراً، جائزة الكاريكاتير Press Cartoonist Award، التي تعتبر الأهم عالمياً، وتنظمها مؤسسة "رسامو الكاريكاتور من أجل السلام". كما تمنح كل سنتين إلى رسام "ممن أبدوا الشجاعة والموهبة والالتزام بقيم الإنسانية والتسامح والسلام والكفاح من أجل حرية التعبير".

عباس، وهو رسام "المدن" الرئيسي منذ تأسيسها، سيتسلم جائزته في الثالث من أيار الجاري، مع رسامة الكاريكاتير المصرية الحائزة على الجائزة أيضاً دعاء العدل، في جنيف، حيث يفتتح معرض المئة رسم بمقاسات كبيرة على طول بحيرة جنيف، ويستمر شهراً. ومن اللافت اختيار كاريكاتير لعباس يصوّر "جندياً يستنشق وردة الحرية" ليكون ملصقاً للمهرجان والفعاليات المرافقة.

عباس قدم نفسه كفنان فلسطيني سوري، ولعلّ هذا الوصف أجمل هدايا الثورة السورية، إذ درج مثقفون فلسطينيون ولدوا وعاشوا في سوريا على استخدامه، اعتزازاً بثورة البلد الذي شاركوه في كل شيء، بما في ذلك ثورتهم، وتعبيراً عن هوية، ربما لم تكن بهذا الوضوح عشية اندلاع الثورة. لذلك لم يتردد عباس في أن يهدي الجائزة إلى "الشعب السوري والفلسطيني، الشهيد والمعتقل والمحاصر والمهجر. لمخيم اليرموك وكل المخيمات المحاصرة، لرسام الكاريكاتير السوري المعتقل أكرم رسلان، وللشهيد الصحافي السوري مصعب العودة الله، والشهيد الفنان الفلسطيني السوري حسان حسان".

برز اسم الفنان الفلسطيني مع الثورة السورية. وعن الهوية، يقول في حديث إلى "المدن": "أنا ولدت في سوريا وعشت طوال عمري فيها، ولم أشعر في أي وقت بأي تمييز لكوني فلسطينياً أو لكونهم سوريين. وقع عليّ، ويقع، ما وقع عليهم  في كل شيء. كذلك  كنت عضواً في كافة الفعاليات السورية للكاريكاتور وعضو لجنة تحكيم مهرجان سوريا الدولي ثلاث مرات، وبالتالي لا يوجد أي فرق. ما قمت به بعد اندلاع الثورة، هو أنني وقفت إلى جانب الشعب والإنسان السوري المطالب بحقوقه وحريته.  هؤلاء هم أهلي  وأصدقائي. عبّرت من خلال رسومي عن المعاناة والقمع بصفتي الإنسانية وكوني أعيش في قلب الحدث، ولا يمكن لي أن أكون بعيداً في رسومي وأفكاري عنه. في الوقت نفسه، لم يكن هنالك تمييز في القتل أو القصف والحصار  والاعتقال والخطف والتعذيب حتى الموت بين سوري وفلسطيني".

عباس (مواليد 1977)، غادر مخيم اليرموك إلى لبنان، ثم انتقل منذ شهور للعيش لاجئاً في جنيف، لكن لا يبدو أن هذا التنقل بدّل شيئاً من عمق التزامه بهذه المتابعة اليومية والدؤوبة للحدث السوري: "كلما كان الانتماء إلى المكان قوياً فإن الزمن والوقت والتبدل الجغرافي لا يستطيع تغيير هذا الانتماء . ومع أني تنقلت كثيراً خلال  السنتين الماضيتين إلا أنني، وبصراحة، لا أشعر بأي مكان إلا مكاني الحقيقي في مخيم اليرموك. ما زلت أشعر أني باق هناك، في اليرموك، ويصلني كل ما يصل أهله الآن من وجع وحصار وألم يومي".
هي رحلة أخرى من أجل صراخ آخر، ففي الأمكنة الجديدة، الصرخة نفسها بلغات أخرى: "المهم في الأمر ألا تبعدنا الأمكنة عن مكاننا الأصلي، وألا تغيرنا العادات الجديدة عمّا تعوّدنا عليه، وألا يتعبنا تعلّم اللغات الجديدة، فنحن في صرختنا لا نحتاج إلى تعلّم لغة جديدة. أعتقد أن الصرخة هي نفسها في كل اللغات، ونحن لا نستطيع إلا أن نصرخ".

لكن حجم الدمار ومأساوية القتل والتهجير تطرح تحدياً كبيراً على رسامي الكاريكاتور. إذ كيف تستوي كل تلك الفجيعة والدم على الأرض، مع رسم يتوخى السخرية ويقوم على التهكم؟ يقول عباس" "هنا تكمن الصعوبة، في تحويل مسار الكاريكاتور ليكون معبراً عن المعاناة والحزن، المفارقة المؤلمة لا المضحكة، البحث في أعماق الفكرة وتجسيد المعاناة، الكاريكاتور المبكي، المفارقات اليومية الصادمة والحادة، وإعادة اكتشاف العقل البشري عندما يوضع على المحك. أحاول أن أوصل الفكرة إلى العمق، أن يحس بها المتلقي في أي مكان في العالم ويجد نفسه في الصورة، أن تحاكي الفكرة شيئاً بداخله، ويعرف أن هنالك من يذبح شعباً كاملاً هنا، وتستمر الصورة والفكرة لأكبر وقت في وجدانه وذاكرته".

وعن وسائله في التواصل مع الحدث على الأرض، وكيف يبحث عن فكرته، وما إذا كانت هناك عادات يومية في البحث عن اللوحة، يقول الفنان: "الفكرة لا تأتي بقرار، هي نتيجة تأمل مستمر وملاحظة دقيقة للاشياء والأحداث. مع الوقت تصبح عملية لا إرادية، أي أنني لا أجلس لأبدأ البحث عن الفكرة، فهذه غالباً ما تأتي وحدها، بعد ذلك يمكن العمل على تكوينها وكيفية إخراجها ونشرها. عادة أسجل الكثير من الأفكار على أوراق صغيرة تنتظر أن أبدأ برسمها. لا أعرف أياً منها سيكون الرسم الجديد بالتحديد، لكني أتصور أن عليّ تقديم ما هو أعمق وأصدق وأقوى في كل مرة. في الحقيقة لدينا مخزون كبير من القهر يظهر على شكل أفكار وتحديات، ناهيك عن الكثير من الأحداث والتصريحات والتحليلات الغبية التي تكون بحدّ ذاتها فكرة جاهزة  للتهكم".

لا مناص لفن الكاريكاتور من الالتزام بالواقع، بيوميات الحياة ومجريات السياسة، هذا ما يجعله فناً لصيقاً بالصحافة. فكيف ينظر الفنان إلى هذه العلاقة، وهل يتمنى مساراً آخر للوحته؟ ثم ألا تزعجه هذه العلاقة اليومية (والضرورية ربما) مع الحدث؟ يقول: "الكاريكاتور والصحافة متلازمان بشكل كبير.  لا صحافة بلا كاريكاتور، لكن يمكن أن يكون هناك كاريكاتور من دون صحافة بفضل وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة. غالباً لا أهتم بالحدث اليومي، أرسم عن الحدث بمجمله، الحدث المستمر، العلاقات المتناقضة في هذا العالم، الوجع، الإنسان".

ويضيف عباس: "في الفترة الأخيرة  بدأت أنتقل إلى صياغة  كاريكاتور هو أقرب للوحة التشكيلية، أو ربما عملية دمج. ظهرت هذه التجربة واضحة في لوحة "صرخة سوريا". تعرضنا خلال السنوات الثلاث الأخيرة لجرعات ضحمة من الموت والحزن والفجائع انعكست بالضرورة على اللوحة، وأعطت شكلأ جديداً وصورة حقيقية عرّت الكثير من المفاهيم التي كنا نؤمن بها سابقاً، وكشفت عن الوجوه الحقيقية السوداء لمن كانو يعتبرون أنفسهم رموزاً للحرية. مفارقات وصدمات لا بدّ أن تنعكس في الكاريكاتور وفي إعادة فهمنا للكثير من القضايا، ومعرفة من هم أصحابها الحقيقيين".

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب