الثلاثاء 2014/06/10

آخر تحديث: 11:18 (بيروت)

جهاد عبده: مع الثورة من هوليوود

الثلاثاء 2014/06/10
increase حجم الخط decrease

الممثل السوري جهاد عبده هو أحد الوجوه الفنية التي ناصرت الثورة السورية. كان داخل البلاد عند اشتعال شرارتها الأولى، ويبدو أن المضايقات التي تعرّض إليها بسبب موقفه، كما حدث لفنانين آخرين، هي ما دفعه للمغادرة. صحيح أن المصادفة وحدها أخذته إلى الإقامة في الولايات المتحدة، لكن لا يبدو أن العمل في هوليوود، حيث شارك أخيراً ممثلاً في فيلمين أحدهما إلى جانب نيكول كيدمان، والآخر إلى جانب توم هانكس، كان محض مصادفة، فهوليوود هي المكان الذي يطمح فنانو العالم في الوصول إليه.

تدريبه المستمرّ لنفسه، واشتغاله على مهارات عديدة، في تعلّم اللغات خصوصاً، كانت محل استهجان زملائه، فهو لم يركن إلى شهادة في دراسة الهندسة، ولا إلى دراسة التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية، ولا إلى كونه عازف كمان محترف، فهناك هذا الولع المستمرّ بالتعلّم.


لدى سؤاله إن كان فعلاً فكّر بهوليوود وهو يقوم بكل ذلك، قال الفنان عبده في حديث لجريدة "المدن": "طوال عمري كنت شغوفاً بالمعرفة. سحرتني الفنون، بما فيها الموسيقى والشعر والأدب، كما استهوتني اللغات عامة ابتداءً باللغة العربية والإنجليزية والإسبانية. يسألني كثر هل كنت تجهّز لما وصلت إليه الآن، وأقول: أنا كأيّ سوري خلقت في بلد لا تقدّر فيه مواهب وتطلّعات الفرد، لطالما حلمت، رغم النجاح الذي حقّقته في سورية، بمكان يقدّر موهبتي وينصفني، ولطالما كان الحلم الهوليوودي يهدهد مشاعري، فما انقطعت أبداً عن متابعة أفضل الأفلام العالمية في أي مكان تتوفر فيه. نعم كانت هوليوود حلماً لي، كما هي حلم ملايين الناس، وخاصة الفنانين من ممثلين ومخرجين ومطربين وموسيقيين. لكنني لم أتخيل يوماً أن أحقق حلمي مرفقاً بألم كبير احتلّ فؤادي بعد أن أرغمت على ترك سورية".


لكن يبدو أنه لا بدّ من مصادفة ما للوصول إلى هوليوود، يقول عبده: "شاءت الصدف أن تكون زوجتي (الفنانة التشكيلية السورية) فاديا عفاش قد حصلت على منحة دراسية قدمت لها عام ٢٠١٠، وسافرتْ بالفعل منتصف عام ٢٠١١ إلى الولايات المتحدة الأمريكية. وحين بدأت أتعرّض لمضايقات أجهزة أمنية في سورية تحاول إرغامي على الظهور في وسائل الإعلام المرئية والمسموعة من أجل دعم الديكتاتور وجيشه، قرّرت أن أغادر سورية لبرهة و كلّي أمل أن تكون عودتي قريبة".


الفنان السوري ظلّ يتابع ما يجري في بلده، من دون أن يتبدّل شيء في رؤيته. "موقفي من الثورة، وما يحصل في بلدي الحبيب لم يتغيّر، إنما بدأ يتبلور وينضج حين وجدت نفسي في أمريكا بجانب زوجتي التي ساعدتني على العمل لدعم أهلنا المنكوبين في الداخل". ويضيف عبده: "لن نكون سعداء بعد اليوم، لكننا نبذل قصارى جهدنا لنحافظ على الإنسان في داخلنا لننجو من كل هذا العنف، ونحافظ على سلامتنا النفسية، فما جرى ويجري في سورية تجاوز العقل والمنطق وكل التصوّرات. إن حجم الألم الذي تعرّض له الشعب السوري لا يمكن أن يمحوه النسيان. لقد أضحينا أناساً جدد، بمفاهيم جديدة، بدأت القيم الإنسانية تتبلور بالعمل. لقد صنع منّا أطفال درعا فنانين حقيقيين".


ولا يفوت الفنان الإشارة إلى ذلك الانقسام الذي حلّ في أوساط الفنانين السوريين، بين مؤيد للنظام وثائر عليه: "الانقسام في الوسط الفني السوري تحدّده مصالح مادية تعوّد الفنان عليها ولا يرغب في ضياعها، عديدون باعوا أنفسهم لمصالح مادية. قلّة هم الفنانون الذين اختاروا طريق الشعب والحرية وضحّوا بالكثير، وما يزالون".


لكن كيف ينظر الفنان السوري، وهو الآن في قلب التجربة الهوليوودية، إلى تجربته السابقة في سورية، وماذا عن تقاليد العمل في هوليوود؟ يقول: "أفتخر بما قدّمت، ولو أن لدي الكثير من الملاحظات. كانت مدرسة حقيقية عملت على نهل ما أمكن منها لأستفيد منها لاحقاً في هوليوود. أما تقاليد العمل في هوليوود فصارمة جداً، وتشعرك بالأمان. هنا القوانين تحمي الجميع، وتشعرهم بالأمان والسعادة".


وعند سؤاله إن كانت أدواره الجديدة في هوليوود تتعلّق بوضعه كعربي في فيلم أمريكي، وهل هناك إمكانية لتجاوز هذا التصنيف إلى أدوار أخرى، قال الفنان: "بالنسبة لأدواري في هوليوود قد تتراوح بين العربي وأي شخصية تتحدّث لغة أو مهارة أتقنها، وقد أستفيد من موهبتي بالعزف على الكمان لتأدية أدوار شخصيات موسيقية".


أما عن تجربته مع نيكول كيدمان فقال: "كيدمان علمتني التواضع. تواضعها واجتهادها رغم نجوميتها الكاسحة صدمني فأنا لم أرَ نجماً أو نجمة مثلها. وكذلك عند لقائي بتوم هانكس علمت كم يلزمنا لنتعلم معنى المسؤولية التي تقع على كاهل الفنان. فالشهرة تجعل من الشخص إنساناً مؤثراً، وما شهدته من ولاء للإنسانية من هؤلاء النجوم جعلني أتفهم أكثر أهمية الفن في الارتقاء بمجتمعاتنا، وعلّمني كيف أكون عوناً لمساعدة المظلومين وإيصال صوت الناس المقهورة".


* يذكر أن الفنان لعب دور فتوح في فيلم "ملكة الصحراء"، وهو المرشد والدليل الذي كانت تعتمد عليه المستشرقة غرترود بل (نيكول كيدمان) والفيلم من إخراج فيرنر هرتزوغ. أما في "تصوير لأجل الملك" مع توم هانكس من إخراج توم تيكوير، فيلعب فيه دور طبيب يجري عملية لهانكس، رجل الأعمال الذي يتعرّض لأزمة مالية، يسافر إلى السعودية ويصاب بمرض قاتل.

increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب