الخميس 2013/10/24

آخر تحديث: 21:07 (بيروت)

عمارعبد ربه:أنسنة فمُحاكمة

الخميس 2013/10/24
عمارعبد ربه:أنسنة فمُحاكمة
الملك عبد الله بن الحسين في المطبخ (من أرشيف عمار عبد ربه)
increase حجم الخط decrease
تسعة موضوعات سورية فازت في المهرجان الأخير لمراسلي الحرب في فرنسا، لا يعود أي منها لمصور سوري واحد. المصور السوري المعروف عمار عبد ربه كان أحد أعضاء لجنة التحكيم في المهرجان، وهو هنا يحاول تفسير هذا الغياب الفادح، من دون أن يغفل الإشارة إلى التطور الهائل الذي تشهده الصورة وفن التصوير في سوريا. إلى جانب ذلك يتحدث عبد ربه إلى "المدن" عن تجربته في التصوير الضوئي، في الحرب وفي السلم. في تغطية الحرب الدائرة في البلاد، كما في الدخول إلى الأماكن الخاصة لبعض الزعماء العرب، كيف وصل إلى هناك، ولماذا سمحوا له بالتصوير دون غيره. وأي علاقة تربطه بهم اليوم.


-شاركتَ أخيراً في مهرجان لمراسلي الحرب، ماذا عن المهرجان وطبيعة المشاركة؟
*كان ذلك في "مهرجان مراسلي الحرب" في مدينة بايو BAYEUX  الفرنسية. خصوصية المدينة التي جعلتها تهتم بموضوعات الحرب ومراسلي الحرب أنها أول مدينة حررت من قبل الحلفاء العام 1944، عدا عن أن الجنرال ديغول ألقى فيها أشهر خطابات التحرير. فيها أيضاً أثر من القرن الحادي عشر معروف بسجادة بايو، سجادة دائرية تروي حرب الفرنسيين ضد الانكليز، وتعتبر من أولى روايات مراسلي الحرب.
منذ العام 1994 تقيم المدينة مهرجانها السنوي الذي يوزع جوائز تحمل اسم "جائزة بايو لمراسلي الحرب"، وقد شرفني المهرجان بأن أكون عضواً في لجنة التحكيم التي بلغ عددها حوالى 40 محكماً. يرأسها هذا العام الأميركي جيمس ناشتوي، اشتغل مع مجلة "تايم"، وله عدد من التحقيقات المعروفة في غزة والضفة الغربية، ويعتبر من أفضل مراسل الحرب في العالم.
وزعت اللجنة عشر جوائز هذا العام، تسع منها ذهبت لمواضيع صُوّرت في سوريا. المهرجان بات يعكس ما يجري في المناطق الساخنة من العالم. في العام 94 كانت الصور الفائزة لموضوعات البوسنة. 2003 و 2004 لموضوعات من العراق. في 2006 من لبنان.
كان مؤثراً التذكير بالمراسلين الفرنسيين المخطوفين في سوريا، حيث حضر والد نيكولا انان وصافح من أسماهم أسرة نيكولا الثانية، أي المراسلين والصحافيين. وعبر ذلك تم التذكير بالرقم الهائل للصحافيين الذين استشهدوا في سوريا من أجانب وسوريين، وهم صحافيون ومواطنون صحافيون.

-كيف تشعر حين تكون الموضوعات الفائزة سورية، ولكن بغياب المصور لسوري؟
*اعتدنا أن تسلط أضواء المهرجانات على موضوعات عربية (فلسطين، العراق، سوريا)، كما على موضوعات الثورات العربية، من دون أن يكون هناك اهتمام عربي مؤسساتي أو فردي. الإعلام يهتم بالعرب فيما العرب لا يهتمون بالاعلام. قلة من المصورين العرب تشارك في المسابقات العالمية. لكني لا ألومهم، فإذا كنت اليوم مصوراً في الرقة أو حلب سيكون لديك عدد كبير من الاهتمامات قبل التفكير بالمشاركة في مسابقة. لقد تعوّدنا غياب العرب، وإذا صودف أن شارك أحد منهم غالباً ما تكون المشاركة عبر الوكالات الصحافية الأجنية المعروفة.

-هل تعتقد أن هناك صورة لمصور سوري جديرة بالمنافسة؟
*من المبكر قول ذلك. لدينا مواهب ممتازة، ولكن لا يمكن أن نخفي ثقافة عشرات السنين من إهمال الصورة، ومن تهميش المصور وتهديده بحياته أو اعتقاله بسبب صورة. سنتان من عمر الثورة لن تكفي لتكوين عقلية يمكن أن تدهش العالم من خلال صورة. تجد مصورين لديهم الجرأة العالية، لكن لغتهم التصويرية ضعيفة، أو أنك تجد مصورين لغتهم عالية لكن جرأتهم ضعيفة ولا يذهبون إلى الخطوط الأمامية والمعارك، الفارق بين الشخصين مع الوقت سيزول ويجتمعان في شخصية واحدة.
يمكن الإشارة إلى الشهيد مرهف مضحي (أبو شجاع) وهو شاب من دير الزور عمره 26 عاماً استشهد منذ شهرين، وهو واحد من فريق "عدسة شاب ديري"، وتعود إليه صورة معروفة لأب وابنته على دراجة يعبران جسراً مدمراً.

التعايش مع إعلاميين غربيين قد يسمح لجيل جديد من المصورين والصحافيين بالتعلم، وفي الوقت ذاته هناك مفارقة مأسوية بأن مسألة الخطف أبعدت الصحافي والمراسل الأجنبي مما أدى وسيؤدي إلى الاعتماد على عناصر محلية. مع الوقت لا شك ستبرز صور وأسماء سورية. فهذا ما حدث أيضاً في العراق ولبنان وإيران. حيث الحروب في تلك المناطق أبرزت أسماء محلية لا زالت مهمة حتى اليوم، رضا دغاتي الإيراني يعتبر من أهم المصورين في العالم، وبرز منذ أيام الثورة الايرانية. اللبناني فؤاد الخوري الذي يعرض أعماله في متاحف عالمية، نشأ وكبر مع الحرب اللبنانية. وكذلك اللبناني باتريك باز مصور وكالة الصحافة الفرنسية. والاخوة جادالله في فلسطين وهم أربعة أشقاء ومصورون صحافيون من غزة . هذه الظاهرة ستتضاعف في سوريا لأن تقنيات التصوير اختلفت وتسمح للناس بأن يصوروا بجودة عالية. كذلك ألفت إلى ظاهرة "عدسة شاب" فهي من دون أي غرور أو شخصنة تنتج صوراً مدهشة تاريخية في سوريا. هذا سيفرز مواهب أكيدة وسيأتي وقت نعرف الأسماء التي وراء هذه العدسات.

لستُ محايداً

-هل تعتبر نفسك مصوراً حربياً؟
*أنا مصور صحافي، وكنت أرفض دائماً أن أكون مراسلاً أو مصوراً حربياً، ذاك الذي يمضي عامه كاملاً من حرب إلى حرب. ليس لدي أي غرام أو ميل إلى الحرب. التزامي هو في السلم ومع الأسرة. صورت حروباً كان يصعب ألا أصورها، في العراق، وليبيا، حيث تربيت، وسوريا بالطبع، بسبب علاقتي الشخصية مع هذه البلدان. أعتبر أنه من المعيب أن يأتي الأجنبي ويصوّر في بلدي ولا أذهب أنا للتصوير. أحب أن أحافظ على صورة المصور غير المتخصص. أحب أن أصور عرض أزياء، ومهرجاناً سينمائياً، وجسداً عارياً، وأصوّر زعيماً، كما أحب تصوير ما يجري في الشمال السوري. أحرص على ألا أكون في خانة محددة.

-ماذا عن تجربتك في التصوير في سوريا؟
*قمت بعدد من الزيارات حول حلب لتغطية عدد من المواضيع، من الحياة اليومية، إلى موضوعات قد لا تجد لها مكاناً في الإعلام. في حلب هناك مجموعة نذرت نفسها لحماية الآثار، أحببت أن أوثق عمل المجموعة التي تحمي الآثار وتبني الجدران وتنبه الكتائب لأهمية الأماكن الأثرية. صورت المدارس، وكيف يأكل الناس وكيف يعيشون في غياب الماء و الكهرباء، أشياء قد لا تبدو اليوم ذات أهمية. أصور الأشياء التي أجدها بشكل عفوي، الحياة ضمن الموت، الأولاد يلعبون في الحارة، إلى جانب جبهات القتال هناك حياة. أمهات ينتبهن لأولادهن، آباء حريصون على مستقبل أبنائهم. أحب تصوير ما يكتب على الجدران، الذي هو تعبير حرّ ومختلف عن الحقيقة التي تقدم بأن الثورة كلها جهادية أو ذات لون واحد. أحب صورة لشاب وأبيه يحرسان شارعاً في المدينة القديمة. كل ذلك لوحة موازييك من أشكال مختلفة. أحاول أن أعكس الوضع في شمال سوريا الذي يشغل المسلحون فيه حيزاً بسيطاً.
في النهاية هو عمل يحاول أن يدحض رواية النظام الذي يعمد إلى تصوير المقاتلين والمعارضين على أنهم اجانب، والحقيقة هي أنهم من السوريين، وإذا وجد مقاتلون أجانب فبأرقام بسيطة.

-كمصور أمام موضوع، حدث يجري في بلدك، كيف تشعر؟ هل يمكنك أن تكون على الحياد؟
*لا أستطيع أن أكون محايداً. حين ترى كمية النار المسلطة على الشعب السوري، فقط لأنه رفض الخضوع لواحد من أشرس الأنظمة في التاريخ المعاصر. مهمتي أن أكون أميناً، أن أتأكد من المعلومات التي أنشرها، أن أكون بعيداً عن التزييف. ليست الحيادية أن تعطي وجهة نظر الجلاد مقابل نظرة الضحية، ذلك مشاركة في الجريمة. بعض الإعلاميين العرب يدعون الحياد ويعطون مجالاً أكبر لأكاذيب النظام التي تساعد في النهاية إلى مزيد من القتل. "لوفيغارو" كتبت منذ حوالى الشهر أن "الجيش الحر" يعمل جنباً إلى جنب مع عناصر من الموساد، من دون أي دلائل، وكلنا يعرف أن أكبر تابو لدى السوريين وجود الأعداء على أرضنا. هذا يعطي ضوءاً أخضر للنظام للقضاء على المعارضين. ما يجب أن يتوخاه المرء بدقة هو المسؤولية الإعلامية.

الصورة الأخيرة

-كان آخر معرض لأعمالك في دمشق قبيل الثورة السورية بأيام، وقد احتوى بشكل أساسي صوراً لرؤساء أطاحت الثورات بهم، أو على الطريق؟ كيف تنظر اليوم إلى ذلك الحدث؟
*هناك من يسيء فهم دوري كصحافي، هناك من يعتقد أنك إذا صوّرت بشار فأنت جزء من من البروباغندا الخاصة به. لقد اتهمت بأنني أعطيت هؤلاء الرؤساء ميزة إنسانية، لكن إذا صورت زين العابدين مع عائلته أو بشار مع عائلته، أعتبر ذلك جزءاً من المحاكمة التي عليها أن تنظر إلى المُحاكَم كإنسان، فإذا انتشلنا منه صورة الإنسان وقدمناه على أنه وحش كيف يمكن لنا محاكمته؟؟ على اي اساس؟؟  هذه الأنسنة كانت ضرورية حتى للثورة، فعليه أن يمثل أمام الشعب ليقول لماذا تحول من إنسان إلى وحش. هذه الأسئلة كانت دائماً موجودة في التاريخ، الشعوب لا تزال تسأل: هل كان هتلر إنساناً أم وحشاً غير عادي؟ والاسئلة نفسها تطرح بالنسبة إلى ستالين وغيره.

AAR_102013_523-(1).JPG
الرئيس زين العابدين بن علي وزوجته (من أرشيف عمار عبد ربه)

-هل فاجأك أن الشخص الذي صورته، وكنت قريباً منه إلى هذا الحد فعل كل ما فعل؟
*فاجأني كثيراً وفاجأ الكثير. ربما القذافي لم يفاجئني، فلديه جنون العظمة، وأنت تشعر بذلك عند تصويره،  تدرك غروره ومشاكله النفسية. بشار الأسد فاجأني. هو شخص من عمري، لدينا هواية مشتركة هي التصوير وتحدثنا فيها. عنده عفوية في الكلام والتصرف. كان عندي نوع من الاعتقاد، وقد يكون نوعاً من السذاجةن بأنه مع أول التظاهرات سيحاول تغيير عدد من آليات النظام ويعتمد على نوع من شعبية حقيقية لدى بعض الشباب، مؤسف أنه أثبت أني كنت على خطأ.

-كيف وصلت إليه؟ كيف تمكنت من تصويره؟
*قلائل من المصورين العرب الذين يعيشون في الغرب وعندهم مصداقية في وسائل الإعلام الغربية. لدي عشرات الأغلفة لمجلات كبرى، وعدد هائل من الصور، من نيلسون مانديلا إلى ساركوزي وسواهما. حين أطلب من شخصيات قيادية تصويرها يوافقون، أولاً لأن الزعيم أياً كان يحتاج إلى صور، وقد يأتي وقت يقولون فيه لنجرب هذا المصور أو ذاك. أحد الزعماء قال لي إن مصوّريه المحليين يخافون أن يطلبوا تصويره في أوضاع معينة، كان ذلك حين طلبت منه تصويره أثناء الرياضة. لم يقبل ذلك في النهاية، لكنه عوضني بجولة تصوير مع أولاده. الزعماء يحبون أن تعطيهم نظرة مختلفة.
بالنسبة إلى بشار الأسد كنت أرى أخاه باسل حين يأتي إلى باريس. إثر موته التقطت صوراً لامني عليها كثيرون، لكنني أعتبرها اليوم ذاكرة ضرورية. كان هناك شيء غريب، سوريالي في جزء منه، كتلك الصور التي تجدها لجموع الناس يبكون الزعيم الكوري. وهنا فإن الجنود المدججين كانون يبكون ويضربون رؤوسهم بالقبر.
حين عاد بشار من لندن إلى دمشق وأخذ اسمه يتداول كخليفة لأبيه وبدأوا يتحدثون عنه طلبت من شخصية مقربة منه تصويره فوافق. وعدوني بربع ساعة، لكني بقيت معه ساعتين. كان ذلك في العام 1994 في الذكرى الأولى لوفاة باسل.  فاجأني بمعرفة كبيرة، بل هائلة في التصوير. لاحقاً حكى لي عن شغفه صغيراً بالتصوير، حتى أن أباه عمل له في البيت غرفة تظهير. بقينا على علاقة بسيطة بعد ذلك، إلى حين زيارته باريس قبل أن يصبح رئيساً، حيث التقيت به بسرعة. وهكذا إلى أن التقطت صورته في لندن مع زوجته وابنه. بعدها كنت في دمشق ودعاني أحد المسؤولين عن الإعلام الرئاسي وأنّبني على تلك الصورة التي نشرت في "الشرق الأوسط" وعملت ضجة كبرى. قال لي لا يجوز أن أصور الرئيس حاملاً ابنه مثل كل الناس. حينها فهمت لماذا بقي حافظ الأسد يظهر في الصورة نفسها على الكرسي.
لا أدري إن كانت لديه رغبة في التغيير في طبيعة الإعلام الرئاسي، وإن كان اصطدم بهؤلاء، فهو يؤمن أن هكذا صور فيها تلقائية وتحبب الناس به. البعثيون التقليديون كانت لديهم صورة مختلفة كيف ينبغي أن يصوّر رئيس الجمهورية.

-هل وصلك أي لوم على موقفك؟
*وصلتني تهديدات بمعني "كفى مواقف دعم للثورة فقد نعرف كيف نصل إلى أفراد أسرتك".


نيكول كيدمان لحظة وصولها إلى مهرجان "كانّ" الـ66 (من أرشيف عمار عبد ربه)
428048_10152787903505332_1475876671_n-(1).jpg


ينتحبن الرئيس السوري حافظ الأسد (من أرشيف عمار عبد ربه)
AAR_102013_516.jpg


increase حجم الخط decrease

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب