فشل مفاوضات وزارة العمل: إدارة "المستقبل" تتنصل من تعهداتها

جنى الدهيبي

السبت 2019/04/06

مثلما كان متوقعًا، لم تنته على خير جلسة التفاوض التي عُقدت في وزارة العمل، بين "لجنة المتابعة عن المصروفين" من جريدة المستقبل، ومديرها السابق ورئيس تحرير "المستقبل ويب" الحالي جورج بكاسيني. الجلسة التي عقدت يوم الجمعة في 5 نيسان 2019، جاءت بهدف تقديم "الشركة العربية المتحدة للصحافة" (الناشرة لجريدة "المستقبل") عرضًا حول آلية دفع المستحقات المترتبة عليها حيال المصروفين منها تعسفًا، إلى اللجنة، بعد أن باتت وزارة العمل هي جهة الوساطة بينهما، وبتوصية شخصية من وزير العمل كميل أبو سليمان، الذي أعطى وعدًا للمصروفين أن يتابع قضيتهم إلى حين نيل حقوقهم.

المهزلة مستمرة
في تحقيقين سابقين لـ"المدن" حول القضية، كشفت التفاصيل الكاملة لأزمة مصروفي جريدة المستقبل، البالغ عددهم على دفعتين نحو 113 مصروفًا، بعد أن تخلفت إدارة الجريدة عن وعدها بتسديد مستحقاتهم على دفعات متتالية، بدءًا من أول شهر آذار الماضي. وبالطبع، لم ينل المصروفون شيئًا من مستحقاتهم حسب الاتفاق المبرم - تشمل 17 شهرًا من الرواتب غير المدفوعة، 12 شهرًا بدل تعويض لكلّ مصروف، وأربعة أشهر إنذار، مع احتساب نحو شهرين من الإجازات والمخصصات المدرسيّة - فسلكوا المسار القانوني الأسبوع الماضي، عبر تحريك الدعاوى التي رفعوها في المجلس التحكيمي، واللجوء رسميًا إلى وزارة العمل.

ورغم أنّ "لجنة المتابعة عن المصروفين"، كانت تعبّر عن رفضها وساطة بكاسيني، بوصفه جزءًا أساسيًا من أزمتهم بعد أن نفذ مشروعه "المستقبل ويب" على حسابهم، بدل أن يقف إلى جانبهم كواحدٍ من "المصروفين"، لم يكترث مجلس إدارة الجريدة لهذا الاعتبار، فأرسل بكاسيني يوم الجمعة إلى وزارة العمل، برفقة محامي الجريدة وليد النقيب.

وقبل أن تعرض "المدن" مجريات الجلسة، التي حصلت عليها، كان لافتًا قبل يومين، في 3 نيسان 2019، أن إدراة الجريدة المغلقة صرفت راتب شهرٍ واحدٍ "للمصروفين" (بكاسيني أخذ راتبه أيضًا!)، خلافًا للمتفق عليه في أول دفعة للمستحقات. وهذا الراتب "اليتيم"، حسب وصف عددٍ من المصروفين، جاء على هيئة طُعمٍ لقطع طريق المفاوضات، على قاعدة "تهدئة النفوس" قبل الاجتماع في وزارة العمل، لكن هذا بالضبط ما أثار غضبهم بدل أن يهدئ روعهم، إذ فهموا من خلاله السيناريو المحضر ضدّهم!


فماذا حدث في المواجهة داخل وزارة العمل بين بكاسيني والمحامي وأعضاء "لجنة المتابعة عن المصروفين"؟
بعد تأجيل 10 أيام لعقد هذه الجلسة، التي انتظرها المصروفون على أحرٍ من الجمر، جاء بكاسيني مع المحامي وليد النقيب، بتفويضٍ رسمي من مجلس إدارة الجريدة. لكنّ المفارقة المضحكة المبكية بالنسبة لأعضاء اللجنة عن المصروفين، هو أنّ المحامي الذي لديه أيضًا مستحقات لدى الجريدة، لم يأتِ للانضمام إلى جبهة المطالبين بحقوق المصروفين؛ كذلك بكاسيني، الذي كان مديرهم، وهو أيضًا يشغل منصب عضوٍ في مجلس نقابة المحررين. وهنا بدأ المصروفون يطرحون سؤالًا موجهًا إلى النقابة. إذ كيف تقبل نقابة المحررين أن يذهب عضو منها بصفة مفاوضٍ باسم أصحاب مالكي الجريدة، بدل الوقوف إلى جانب المصروفين للمطالبة بحقوقهم، من دون أن تحاسبه أو حتّى تفصله عن النقابة؟ 

في بداية الاجتماع، وفق معلومات "المدن"، الذي حضرته رئيسة الدائرة المختصة في وزارة العمل مارلين عطا الله،  بدأ بكاسيني والمحامي يتحدثان بالمصطلحات القانونية، تحت شعار "هذا أجير وهذا موظف". تدخلت عطا الله، وطلبت منهما الدخول في صلب الموضوع المتعلق بعرضهم حول آلية دفع المستحقات للمصروفين، بعد أن أوحى الجو أنهما جاءا من دون آلية، ويسعيان لشراء مزيدٍ من الوقت، وهو ما تبيّن لاحقًا. كما أنّ الحديث بالمصطلحات بين أجير وموظف، بدا نوعًا من محاولة خلق الشرخ بين المصروفين، كي يفصلوا بين الموظفين المنتسبين للضمان، والموظفين المتعاقدين.

تحجج بكاسيني أنّه لا يعرف التمييز في لائحة أسماء المصروفين بين أجير وموظف، وأنّ ليس في يده جدول حول مستحقات كلّ واحد منهم، ثمّ رمى الكرة بملعبهم، متمنيًا أن يخبروه ما لديهم من حقوق! وهنا، اعترض أعضاء اللجنة وعطا الله معًا، مستغربين مجيئه للتفاوض باسم مجلس الإدارة، من دون أن يكون على اطلاع حول حقوق المصروفين، وأنّ هذا التنكر غير منطقي ولا يمكن قبوله. وبناءً على الكتاب السابق الذي وجهته اللجنه إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، أشار بكاسيني أنّه لا يحقّ لجميع المصروفين 12 شهرًا طردًا تعسفيًا، فأخبروه أنّهم يعرفون ذلك، نظرًا للتبيان في سنوات الخدمة بين مصروفٍ وآخر.

التلاعب
حاول بكاسيني أن يدخل في عدة أبواب. أولًا، سعى إلى الفصل بين موظفٍ ومتعاقد. ثانيًا، طلب من أعضاء اللجنة الحصول على جدول بأسماء المصروفين المفوضين لهم، لكنهم رفضوا، كذلك تحفظت عطا الله، لأنّ "النوايا لم تبدُ بريئة بهذا الطلب"، وفق ما نُقل عنهم، لا سيما أنّ أعضاء اللجنة، رفضوا رفضًا قاطعًا تجزئة الملف، وأصروا أن تشمل مطالبهم حتّى حقوق المصروفين الذين انتقلوا للعمل في "المستقبل ويب". ثالثًا، طرح بكاسيني سؤالًا صريحًا كان صادمًا لأعضاء اللجنة، وقال: هل تقبلون التفاوض والنقاش حول الـ 12 راتب شهري، وشهور الإنذار الأربعة؟ تدخلت عطا الله، وذكرته أنّه لا يحقّ له طلب التفاوض للتراجع عن الحقوق والمستحقات التي سبق أن وقّع عليها. رابعًا، سأل بكاسيني مجددًا: هل يمكن أن نقسم المصروفين إلى فئتين بين "معاشات مرتفعة" و"معاشات منخفضة" نبدأ بها؟ رفض أعضاء اللجنة هذا الطرح من أساسه، باعتبار أنّ فصل الملف إلى مجموعتين، يُراد منه شقّ صفّهم "بطريقة غير نظيفة"، وفق أحدهم، بعد أن اعترضوا جميعًا على أنّ بكاسيني جاء للحديث بغير المتفق عليه.

عادت وتدخلت عطا الله، متوجةً إلى بكاسيني أنّه بعد تأجيل للموعد ثلاثة أسابيع، وتأخر بالدفع ثلاثة أشهر، يُفترض أنه جاء بآلية دفع واضحة ومحددة، كما وعد الأسبوع الماضي. إلا أنّ المحامي النقيب قاطع متسائلًا: لماذا تستغربون أننا لا نقدم لكم آلية للدفع، وأنتم تعرفون أنّ الرئيس الحريري واقع في أزمة مالية؟

المحامي لا يعرف!
حين توجهت عطالله لأعضاء اللجنة طالبةً تعليقهم، أشاروا أنهم متمسكون بوساطة وزارة العمل، لكنهم مجبرون أن يتوجهوا نحو التصعيد، وهم مكلفون رسميًا من 70 موظفًا مصروفًا، لا يستطيعون ضبط غضبهم بعد اليوم. وهم يتجهون الأسبوع المقبل لعقد مؤتمر صحافي، بعد أنّ تبيّن لهم، أن مجلس إدارة الجريدة لا يقدم حلًا لقضيتهم، ولا اقتراحاً حول آلية الدفع.

حتّى المحامي، كان يتحجج، أنّه لا يعرف شيئًا حول جداول مستحقات المصروفين! لكنّ مصادر "المدن" في الجريدة، تؤكد أنّ النقيب على علم كامل بكل تفاصيل الملف وخفاياه. أحد أعضاء اللجنة، ذكر بكاسيني أنه سبق أن أعطى وعدًا باسم الرئيس الحريري لجهة دفع مستحقاتهم، وأنّه غضب منهم حين طلبوا منه تعهدًا شخصيًا مكتوبًا من الحريري، ومع ذلك، لم يفِ بوعده. لكنّ المفاجأة، أنّ المحامي تدخل للقول أنّ الرئيس الحريري لا علاقة له بالجريدة، وأنّه قانونيًا ليس مسؤولًا عنها (!). فمن المسؤول إذن؟ هذا الجواب، اعتبرته اللجنة دافعًا للتصعيد، فتوجهوا بكتابٍ مفتوحٍ شديد اللهجة إلى الرئيس الحريري، طالبين منه "تبرئة ذمته" تجاههم.

هذا، وقد استمهلت وزارة العمل بكاسيني أسبوعاً إضافياً، "على أمل أن يأتي ومعه آلية للدفع". قبلت اللجنة بهذه المهلة، مع علمها أنّ الوعد بطرح آلية لن يتحقق، وأنّ مؤشرات التهرب بشراء الوقت لتمييع القضية باتت واضحة. لكنها، حرصت أن يبقى باب التفاوض من خلال وزارة العمل مفتوحًا، لأنّ إغلاقه يعني إغلاقًا كليًا لباب المفاوضات. 

يقول أحد المصروفين لـ"المدن": "هذه قضية حقّ، وقضية موظفين تُهدر حقوقهم بأبشع الطرق وأكثرها إذلالًا، من دون الاكتراث لأوجاعهم. وهنا، نذكر أنّ ثمّة مسؤولية دستورية على الرئيس الحريري، وعليه أن يبرئ ذمته. إذ ليس منطقيًا، أن يشغل هذا المنصب على رأس السلطة التنفيذية، وهناك من يرفعون ضد جريدته المغلقة دعاوى وشكاوى في مجلس العمل التحكيمي لنيل حقوقهم المهدورة".

والمفارق، أن إغلاق "المستقبل"، تلاه على الفور إطلاق موقع الكتروني يديره بكاسيني ويضم موظفين جدد! فبدا التحجج بالأزمة المالية واهياً، طالما أنها لم تقف حائلاً أمام المشروع الجديد. كأن ثمة أموالاً في مكان ولا أموال في مكان آخر.

تجدر الإشارة، أن الذين مازالوا يعملون في مؤسسات الحريري الإعلامية، هم بدورهم يعانون منذ سنوات من تراكم الرواتب غير المدفوعة، كما يعانون من عدم الاستقرار الوظيفي، والخوف الدائم من الصرف التعسفي الجماعي.

©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024