الإثنين 2019/03/18

آخر تحديث: 00:28 (بيروت)

"المدن" تكشف تفاصيل أزمة مصروفي "المستقبل": "حلو الوفا"!

الإثنين 2019/03/18
"المدن" تكشف تفاصيل أزمة مصروفي "المستقبل": "حلو الوفا"!
كيف استطاعوا إطلاق موقع جديد قائم على انقاض جريدة وأكثر من 100 عائلة مشردة (Getty)
increase حجم الخط decrease

يبدو أنّ قضيّة المصروفين من جريدة "المستقبل"، تذهب نحو التأزم، في منحى قانونيّ لا رجوع عنه. وحسب ما علمت "المدن"، فإنّ هؤلاء المصروفين، يخططون للتوجّه هذا الأسبوع إلى وزارة العمل، من أجل تحريك الدعاوى التي رفعوها في المجلس التحكيمي، منذ الأسبوع الأول لقرار صرفهم من الجريدة إثر إغلاقها بتاريخ 31 كانون الثاني 2019.

تلاشي الأمل
هذا التوجه القانوني، يأتي بعد أن نكثت إدارة الصحيفة بوعدها، من دون الالتزام بتنفيذ الاتفاق الذي أبرمته مع المصروفين، رغم البدء بالأسبوع الثالث من شهر آذار. ووفق "الوعد" المطعون به من الإدارة، كان من المفترض تحويل أول دفعة من أشهر الإنذار في بداية شهر آذار، ثمّ تقسيط المستحقات المتبقيّة على أربع دفعات، يكون آخرها في شهر أيار 2019، وهي تشمل الآتي: 17 شهرًا من الرواتب غير المدفوعة، 12 شهرًا بدل تعويض لكلّ مصروف، أربعة أشهر إنذار، مع احتساب نحو شهرين من الإجازات والمخصصات المدرسيّة.

قرار سلك مسارٍ قانوني بالتوجه إلى وزارة العمل، لتحريك الدعاوى لدى المجلس التحكيمي، من دون انتظار "وفاء" إدارة المستقبل بوعدها، ليس خطوة استعجالٍ غير محسوبة، حسب رؤية "لجنة المتابعة عن المصروفين" الموكلة متابعة القضيّة. فهذه اللجنة، بادرت بتاريخ 11 آذار 2019، إلى توجيه نداءٍ خطيّ إلى رئيس الحكومة سعد الحريري، عبر السراي الحكومي، يحمل عشرة تواقيع، يناشدونه الضغط على مجلس إدارة "الشركة العربية المتحدة"، المسؤولة عن الجريدة، وحثّها على الوفاء بالتزاماتها والمبادرة الفوريّة إلى دفع مستحقات المصروفين المالية كاملةً. مضت أيام ولم تلقَ اللجنة صدىً لندائها يخرج من السراي، علمًا أنّها حصلت على رقم إيصال يؤكد تسلم المكتب للرسالة. وهذا "التجاهل"، أدى إلى تلاشي آمال اللجنة بالإفراج عن مستحقات المصروفين، الذين يعيشون أوضاعًا اقتصادية وإنسانيّة قاسيةً جدًا، بانتظار فرجٍ غير مسمى الأجل.

"إذلال" ما قبل الإغلاق
ينقسم مصروفو جريدة المستقبل إلى دفعتين. الدفعة الأولى، وهي مؤلفة من 13 موظفًا، أصدرت إدراة الجريدة قرار صرفهم قبل عامٍ ونصف، بالطريقة نفسها، وقد وعدتهم بدفع مستحقاتهم على ثلاث دفعات، من دون أن تلتزم بوعدها، وهم ما زالوا ينتظرون تحصيل حقوقهم. هذه الدفعة، انضمت إلى  الدفعة الثانية، المؤلفة من نحو مئة موظف، صُرفوا من الجريدة عند إغلاقها "المفاجئ" في 31 كانون الثاني 2019.

ينقل عدد من الموظفين المصرفين لـ"المدن" ما حصل معهم، أثناء تبلّغهم العزم على إغلاق الجريدة بالتاريخ الآنف ذكره، قبل ستة أيامٍ فقط (!)، حين "لعبت" الإدارة على مصطلح "تحويل الجريدة إلى موقع إلكتروني"، بدل "إغلاقها". كان نهار الجمعة في 25 كانون الثاني، حين تبلغ الموظفون قرار صرفهم. قبل ذلك، كان هناك نوع من تواتر للأخبار غير المؤكدة عن نيّة إغلاق الجريدة. في ذلك اليوم "المشؤوم" بالنسبة للمصروفين، أيّ يوم الجمعة، أبلغتهم الإدارة رسميًا، ومن دون سابق إنذار، الإستعجال بتسليم كلّ شيء قبل نهار الخميس في 31 كانون الثاني. أصيب الجميع بالذهول، وصاروا يقفون بالدّور لتوقيع براءة الذمّة التي تثبّت حقوقهم، في مشهدٍ يصفه أحد المصروفين بـ"المذل" بحقهم، من دون أن يتلقوا كلمة شكرٍ واحدة، على جهودٍ ناهز بها بعض المصروفين 20 عامًا من عمر الجريدة.

تواطؤ بكاسيني
يُحمّل المصروفون من الجريدة مسؤولية ما أصابهم، إلى مديرها العام جورج بكاسيني، الذي أغلق هاتفه، حسب المعلومات، ولم يردّ على اتصالات المصروفين ولم يقبل الاجتماع بأحد منهم في حينها. وعليه، تسلم مدير قسم المحاسبة فوزت عاكوم متابعة الملف، بدلًا من بكاسيني، الذي كان "يستعجل" إطلاق المنصة الإلكترونية: "مستقبل ويب" لرئاسة تحريرها، قبل تاريخ 14 شباط 2019، من دون النظر إلى وضع المصروفين  تعسفًا.

سلّم المصروفون موجودات الجريدة من مكاتب وكمبيوترات ومحتويات، بغضون أربعة أيامٍ فقط. عاشوا صدمةً كبيرة، ولم يستوعبوا معادلة "ترك عملهم من دون تقاضي حقوقهم". وحين أظهروا غضبهم، حصلوا على وعدٍ بدفع مستحقاتهم، بالطريقة الآنف ذكرها، على أربعة دفعات. لاحقًا، وحسب المعلومات نفسها، جاء جورج بكاسيني إلى هؤلاء المصروفين، من صحافيين وعمال خدمات، وقال لهم حرفيًا: "تلقيتُ وعدًا من سعد الحريري أنّكم ستتقاضون مستحقاتكم بوقتها". طلب المصروفون منه تعهدًا خطيًّا من الرئيس الحريري، فغضب بكاسيني واعتبر الأمر معيبًا (!) بحقّ دولته، بمعنى كيف يتجرأون على طلب تعهدٍ خطيّ وهو أعطاهم كلمة؟ لكن، مضت الأيام، ولم يحصل فيها المصروفون على تعهدٍ خطيّ، ولم يفِ الحريري بوعد كلمته، لجهة الالتزام بمواعيد دفع المستحقات، الذي كان مقررًا أن يبدأ من أول آذار.

الكتاب الموجه إلى الحريري، والتحرك القانوني، يلقيان اعتراضًا كبيرًا من بكاسيني شخصيًا. وتشير المعلومات، أنّ الأخير يرى في الأمر تهديدًا لمشروعه "مستقبل ويب"، قبل أن يثبّت أقدامه فيه، لا سيما أنّه يُحكى عن "عدم رضى" مستقبلي على أداء الويب، وطريقة برامجه، التي جاءت دون الوعود والتوقعات، بل بالغة السوء. وبصرف النظر عن المستحقات المالية، يتداول المصروفون النقاش عن شقٍّ أخلاقي ويتساءلون: "كيف استطاعوا إطلاق موقع جديد قائم على انقاض جريدة وأكثر من 100 عائلة مشردة لم تنل حقوقها ولم تتقاضَ مستحقاتها؟".

ومن جملة الامتعاضات الكثيرة التي يتناقلها المصروفون، هو أنّ بكاسيني الذي ضحى بهم وبالجريدة، لم يسعَ لتأمين وظائف بديلة لهم في الموقع، بما أنه حمل شعار "تحويل الجريدة إلى موقع إلكتروني"، باستثناءٍ عددٍ قليلٍ من "المقربين منه". على العكس، جاء بنجله وأعطاه منصبًا في الموقع، مع أصدقاء لهذا الإبن، ووظّف أشخاصاً جدداً اختارهم من خارج طاقم المستقبل والمصروفين، علمًا أنّ هناك معلومات عن عدم تقاضي موظفي الويب الإلكتروني أجورهم مع مرور شهر على انطلاقته.

شهادات حيّة
الهاجس الأكبر لدى المصروفين، هو أنّ يتم التسويف بحقوقهم، والمماطلة بقضيتهم لسنوات مقبلة تحت حجة "ما في مصاري" وغياب المال السياسي، كما حدث للبعض من المتعاملين مع تلفزيون "المستقبل" الذين ينتظرون منذ قرابة العشر سنوات دفع مستحقاتهم. كثيرون منهم تعرضوا لنكساتٍ صحية مؤلمة، والبعض كان حرمانه الاقتصادي سببًا لخراب بيته وتفكك أسرته. اثنان من بينهم، تواصلت معهما "المدن"، كشهادتان حيّتان، وهما يتحفّظان عن ذكر أسمائهما، قبل ضمان المضيّ بالاجراءات القانونية، وخدمةً لقضيتهم الجامعة.

الأول، ليس لبنانيًا، يعاني من مرض السرطان، ولديه أطفال. يوجه شكرًا على عدم حرمانه من التأمين الصحي، للتخفيف من وطأة تكاليف العلاج، لكنّه يحكي عن وضعٍ لم يعد قادرًا على تحمله. فـ"أنا الحلقة الأضعف لأنني أجنبي، أشعر أنني متروك لقدرٍ مظلم، أعيش على الديون لتأمين قوت عائلتي وأطفالي، الذين حُرموا من أبسط مقومات العيش الكريم نتيجة عجزي عن تأمين حاجاتهم". 

الثاني، وهو لبناني، من مؤسسي الجريدة بدأ العمل فيها قبل 20 عامًا، يتوجه إلى الرئيس الحريري بغضبٍ: "أنت المسؤول الأول عن ظروفنا وحرماننا من حقوقنا". هذا الموظف المصروف، يحكي عن "منطق الاستقواء" الذي ساد في الجريدة، إذ "درج أن يقوموا بصرف الموظفين المجتهدين والضعفاء الذي يتقاضون أجورًا قريبة من الحدّ الأدنى، رغم أنّ الجريدة قائمة على أكتافهم وجهدهم، بينما المنتفعون يضمنون البقاء، لا سيما أنّ هناك موظفين لا يعرفهم أحد في الجريدة، يقبضون أول الشهر فقط من دون عمل"، يقول: "كنّا ننتظر منهم تقديرًا على تعب سنواتنا والمرحلة السياسية التي كنّا فيها إلى جانبهم من دون أن نهرب أو نتخلى عنهم، بدءًا من اغتيال الرئيس رفيق الحريري في العام 2005، مرورًا باجتياح مبنى الجريدة في 7 أيار 2008، حين واجهنا الخطر بأجسادنا، وكثير من المحطات المفصلية التي كنّا فيها أوفياء".

يسأل: "يحكون عن الوفاء؟ طيب حلو الوفا بحقنا كمان".

أين أرشيف المستقبل؟
"الفضيحة" الموصوفة، بالنسبة للمصروفين، تجسدت باختفاء أرشيف المستقبل عن الانترنت، معتبرين أن في ذلك نكرانًا لهم، ولمرحلة سياسة طويلة. وحسب مصادر "المدن"، فإنّه أثناء إغلاق الجريدة بطريقة خاطفة وسريعة، سلّموا المبنى ومحتوياته كلّها، إلى تيار المستقبل، بما فيها أرشيف الجريدة. هذا الأرشيف، وفق المصادر نفسها، هو عبارة عمّا يقارع مليون مقالة ومادة، ومئات الآلاف من الصور. تقنيًا، كانت الجريدة تتعامل مع إحدى الشركات للحفاظ على أرشيفها على الانترنت، مقابل بدل مالي شهري يبلغ حوالى 3 آلاف دولار أميركي. وعند اتخاذ قرار اغلاقها، عرضت عليهم الشركة أن تُخّفّض المبلغ إلى النصف، مقابل الاستمرار بالحفاظ على الأرشيف إلكترونيًا، فرفضت الإدارة بسبب أزمتها المالية.

وعليه، قام مسؤولو الأرشيف في الجريدة بحفظه عبر Hard Disk، وكان هناك اتفاق أن يقوموا بربطه بالموقع الجديد "المستقبل ويب"، لكنه اختفى. حاليًا، الشركة المسؤولة عن شؤون الموقع، هي شركة الحاسب، أبرز شركاؤها وليد سبع أعين، وهو المسؤول المالي، وعلى علاقة قريبة من الرئيس الحريري، واثنين آخرين هما عدنان الدمياطي ووسام الحريري.  أمّا الأخير، فهو متكفل بشؤون الـ IT في الموقع، وكذلك أرشيف الجريدة. وغياب الأرشيف، يبدو متعلقًا بطلب شركة "الحاسب" لمبلغ مالي، مقابل إعادة تنزيله وربطه بالموقع، وهو أرشيف يقدّر بمئات آلاف الدولارات، يخشى كثيرون من هدره. ويشير أحد التقنيين لـ"المدن"، أنّ معظم الصحافيين في المستقبل قاموا بمشاركة روابط مقالاتهم في الجريدة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومعظها منشورة في مواقع أخرى وعلى GOOGLE. وحتى يستمر الأرشيف بالحفاظ على قيمته، ويتيح للناس فرصة الوصول إليه، "يجب أن يستمر تشغيل هذه الروابط وتنشيطها كي لا تُتلف".

إذن، وبانتظار الخطوات اللاحقة، التي ستعقب الخطوات القانونية للمصروفين في وزارة العمل، لتحصيل مستحقاتهم، وبانتظار الإفراج عن أرشيفهم الذي يؤرخ مرحلة عملهم في الجريدة، اتصلت "المدن" برئيس تحرير "المستقبل ويب" جورج بكاسيني، للردّ واستيضاح وجهة نظره من كلّ ما سبق، وسؤاله عن موعد دفع المستحقات للمصروفين، رفض التعليق قائلًا: "عفوًا ما في تعليق، وما عندي شي قولو عن الموضوع".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها