إطلاق تحالف الدفاع عن حرية التعبير اللبنانية..والجيش على الباب!

المدن - ميديا

الإثنين 2020/07/13
لم تستدعِ السلطات اللبنانية، منذ شهرين حتى الآن، أي شخص من المعتدين على الناشط والصحافي بشير ابو زيد في كفر رمان. الملف النائم في أدراج القضاء، لا تتعاطى معه المؤسسات الرسمية كقضية عاجلة تستحق الملاحقة والمتابعة، شأنها شأن ملفات أخرى مرتبطة بالفساد، كشفها الزميل رياض قبيسي في برنامجه، واستُدعي بدوره بناء على دعوى مدير عام الجمارك بدري ضاهر بحقه. 

آزر الشارع أبو زيد، وقدم له الحماية.. وآزرت مجموعات الناشطين والمنظمات الحقوقية إعلاميين وناشطين تم استدعاؤهم. وفي مقابل الفشل الذي أبدته السلطات اللبنانية في حماية المتظاهرين والصحافيين، وتعسفها في حقهم عبر الاستدعاءات غير القانونية والضغط عليهم، اندفع حقوقيون وصحافيون الى تشكيل "تحالف للدفاع عن حرية التعبير في لبنان"، يقف في وجه السلطات، ويؤازر الشارع الذي أثبت أنه قادر على حماية حرية الأفراد، والدفاع عنهم.

ولاحظ منظمو المؤتمر الصحافي لإطلاق التحالف، اليوم الإثنين، وجود أربع "ريوهات" للجيش خارج المبنى الذي استضافهم. وبحسب إحدى المشاركات، حين سأل أحد حراس المبنى، عن سبب وجود الجيش هنا، أجابه أحد العناصر: "للحماية"! لكن، للحماية ممّن ومن ماذا؟ لا أحد يعرف. بل لاحظ بعض المنظمين أيضاً، أن ثمة مَن كان يصوّرهم لحظة تجمعهم لالتقاط الصورة التذكارية في ختام المؤتمر، ولم يكن صحافياً يغطي الحدث ولا تابعاً لأي من المنظمات المجتمعة. وهذا ما أضاف على الحدث "سوريالية" لبنانية مدهشة، باتت "مُعتادة" هذه الأيام في ظل العسكرة والقبضة الأمنية المهيمنة على الحريات في البلد وبشكل غير مسبوق منذ سنة تقريباً، لكنها ما زالت مُستَنكَرة ومرعبة، وتؤكد الضرورة المُلحّة الآن في لبنان لمثل هذه التحالفات والتنسيقات بين الناشطين والإعلاميين والعاملين في منظمات حقوق الإنسان والحريات.

والعينة السابقة من التجارب، رواها أبو زيد نفسه، ومعه الصحافي في قناة "الجديد" آدم شمس الدين، خلال مؤتمر إطلاق التحالف الذي عُقد في مبنى "أنتوورك" في منطقة الحمراء، والذي ظهرت فيه أرقام صادمة لأعداد الاستدعاءات التي أعلنها محمد نجم من "منظمة سميكس" في ختام المؤتمر، كاشفاً عن 4000 حالة استدعاء بدعوى القدح والذم امام مكتب مكافحة الجرائم المعلوماتية منذ العام 2015، الى جانب أعداد كبيرة من الأشخاص تم استدعاؤهم أمام مؤسسات أمنية مختلفة. 

والخطير في الواقع، ان ما تنتهجه السلطات ليس محاكمة الناس الذين تعتبرهم السلطة مخلين، بل معاقبتهم عبر إجبارهم على التراجع عن تغريداتهم وآرائهم، أو التعهد بعدم تكرارها، في "سرقة" لحرية اللبنانيين، حسبما قالت آية مجذوب، الباحثة في "هيومن رايتس ووتش".
 
ملفان يظهران تقصير السلطات، واستنسابية القضاء في القضايا الحقوقية، فنّدهما المتحدثون. فقد تناول أبو زيد ملفين، الأول مرتبط بحجز مصرف لبناني لأموال التبرعات العائدة لـ"جريدة 17 تشرين" المتوقفة عن الصدور منذ آذار/مارس 2020، ما اضطرها لأن تتحول الى النشر الالكتروني فقط، في حين ما زالت المصارف تقدم الدعم لشاشات تلفزيونية تلمّع صورتها. كما تحدث عن ظروف الاعتداء عليه قبل شهرين، مؤكداً انه لم يلقَ كفرد حماية من مؤسسات الدولة، مطالباً بتحالف بديل "يحمي وينسق وينظم بين المجموعات". 

أما شمس الدين، فتحدث عن الاجراءات القضائية وتنوعها، انطلاقاً من تجربته حين ادعى عليه القضاء العسكري بدعوى جهاز "أمن الدولة". وقال إن القضاء العاجل Fast track هو حصراً في يد السلطة، ويتحرك بناء على دعواها بشكل سريع وتلقائي بمجرد أن يتقدم احد الزعماء بدعوى قدح وتشهير، بينما لا يتحرك بصورة عاجلة في الملفات الأخرى مثل قضايا الفساد. 

هذا الواقع، دفع باتجاه اعلان التحالف القادر على تشكيل قاعدة بيانات كبيرة تخول اي مواطن أن تكون له وسيلة للدفاع عن نفسه وتحويل قضيته الى قضية رأي عام الى حين تعديل القانون وكي "لا نتحول كلنا الى ضحايا مزاجية السلطة"، حسبما قال شمس الدين.

بذلك، تتحول قضية كل فرد الى قضية رأي عام، بحماية من أوسع مروحة من 14 منظمة لبنانية ودولية هي "سمكس"، و"مؤسسة سمير قصير"، و"منظمة إعلام للسلام (ماب)"، و"مؤسسة مهارات"، و"تجمع نقابة الصحافة البديلة"، وموقع "درج"، و"ألِف – تحرّك من أجل حقوق الإنسان"، و"المركز اللبناني لحقوق الإنسان"، "حلم"، و"الجمعية اللبنانية من أجل ديمقراطية الانتخابات"، و"نواة للمبادرات القانونية"، و"المفكرة القانونية"، و"هيومن رايتس ووتش"، و"منظمة العفو الدولية". 

وتلخص لمة ليال بهنام من "مهارات"، مطالب التحالف، للنيابات العامة والأجهزة الأمنية في لبنان، بوقف الاستدعاءات إلى التحقيق على خلفية ممارسة حرية التعبير وكشف الفساد، وعدم تجاوز صلاحياتها عبر إلزام المُستمَع إليهم بإزالة منشوراتهم أو توقيع تعهدّات غير قانونية قبل حصولهم على محاكمة عادلة.

كما طالب التحالف، مجلس النواب، بإلغاء السرية عن مناقشات القوانين في اللجان النيابية، ومن ضمنها مناقشة اقتراح قانون الإعلام. وطالب مجلس النواب بتعديل اقتراح قانون الإعلام لملاءمته مع التزامات لبنان بموجب القانون الدولي، بما في ذلك:

- إلغاء تجريم القدح والذمّ والإهانات، بحيث تقتصر على المسؤولية المدنية ولا تترتّب عليها أي عقوبات سجن.
- عدم منح الشخصيات العامّة، بمَن فيهم الرئيس، حماية خاصّة من القدح والذمّ أو الإهانة. إذ لا يكفي مجرّد اعتبار أشكال التعبير مهينة لشخصية عامة لتبرير فرض العقوبات. جميع الشخصيات العامة عرضة للانتقاد والمعارضة السياسية بشكل شرعي، ويجب أن يعترف القانون بصراحة بالمصلحة العامة في انتقاد الشخصيات والسلطات العامة.
- منع المؤسسات الحكومية، بما فيها الجيش والأجهزة الأمنية، من رفع دعاوى قدح وذمّ.
- النصّ على أنّ الحقيقة ستكون الدفاع الفاصل في قضايا القدح والذمّ، بغضّ النظر عن الشخص المستهدف. ففي قضايا المصلحة العامة، يكفي أن يكون المدّعى عليه قد تصرّف بالعناية الواجبة لإثبات الحقيقة.
- إلغاء تجريم التجديف والقدح والذمّ أو الإهانات ضدّ الدين.
- حصر التجريم فقط بالتصريحات التي ترقى إلى التحريض على العنف أو الكراهية أو التمييز على أساس قومي أو عرقي أو ديني. كما أن يحدّد القانون بوضوح معنى كلّ من هذه المصطلحات، مستعيناً بـ"خطّة عمل الرباط" كدليل توجيهي.
- إلغاء جميع متطلّبات ترخيص الصحافيين، والحصول على الإذن المسبق للمنشورات. كما يجب ألا تكون الرسوم والشروط لتخصيص الترددات لوسائل البث شاقة ومكلفة، وأن تكون معايير تطبيق هذه الشروط والرسوم معقولة، وموضوعية، وواضحة، وشفافة، وغير تمييزية.
- إخراج المدنيين، وجميع القاصرين، من صلاحية القضاء العسكري.

 
©جميع الحقوق محفوظة لموقع المدن 2024