الأربعاء 2014/10/22

آخر تحديث: 14:30 (بيروت)

الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة: الحاجة إلى تغيير فهم المجتمع

الأربعاء 2014/10/22
الأطفال ذوو الاحتياجات الخاصة: الحاجة إلى تغيير فهم المجتمع
increase حجم الخط decrease

لا يلقى عادة ذوو الاحتياجات الخاصة اهتماماً من قبل المجتمع اللبناني. أو أن هذا الاهتمام يقتصر على حضورهم في اللوحات الإعلانية في الأعياد الدينية وغيرها من "المناسبات الانسانية التجارية"، على ما تلفت رنا قاروط حرب، وهي أم لطفل متوحد. ذلك أن "المجتمع اللبناني بفكره السائد يعمل على تهميش هؤلاء الأطفال واستخدامهم كوسيلة للتسول بعرض صورهم بهذه الطريقة". على أن هذه الملاحظة، المُعاشة يومياً، لا تنفي أن لهؤلاء الأشخاص حقوقا وحاجات للتعلم. وهذا ما أدى إلى بروز مؤسسات متخصصة في هذا المجال.

على أن ملاحظة حضورهم، في مدرستهم، تبدأ بضجيج غير معروف المصدر. كأن لا مكان للهدوء في "مدرسة الزورق" في الفنار. لكن بعد مرور بعض الوقت يبدأ الأطفال بالظهور، فينكشف مصدر الضجيج. أطفال يركضون، ويقومون بحركات طفولية غير مألوفة. لم يعد للضجيج مكان في المشهد، بل أخذت الحركات العشوائية تستحوذ على جميع الحواس. تؤكد رندى الحويك، وهي منسقة قسم الأطفال في المدرسة، على أن "ذوي الاحتياجات الخاصة هم أفراد قادرون على التواصل مع الآخرين بشكل طبيعي، الا أن الحاجة الى وضعهم في مدارس خاصة تنبع من صعوبة حالتهم". وتضيف "تهتم المدرسة بالأطفال الذين يعانون من تأخر عقلي، الصرع، التوحد واضطرابات مرافقة، حيث يتفرع من قسم الأطفال ثلاثة صفوف، وفي كل واحد منها خمسة أطفال".

ترى الحويك كما ليندا مكتبي، وهي مديرة المدرسة الإنجيلية للمكفوفين والتربية المختصة، أن عامل الخبرة مهم بالنسبة للأساتذة والمعلمين المختصين. "معظم أساتذتنا خريجو علم نفس وعلم اجتماع ومن أصحاب الخبرة في هذا المجال"، وفق مكتبي. وفي مدرسة الزورق اختصاصات أخرى، على ما تضيف الحويك، مثل أن "تكون المربية حاصلة على شهادة في التربية التقويمية. لكن بما أن هذا الاختصاص قليل الوجود نسبياً نلجأ الى الاختصاصي النفسي، الذي من مهماته توزيع الأطفال بحسب أعمارهم وقدراتهم الذهنية وحاجاتهم". على أن هؤلاء الأساتذة يخضعون لبعض الدورات ليكونوا "مستعدين لاستقبال الحالات"، وفقها. كما أن الطاقم التعليمي يشتمل على معالجي نطق، معالجي حس حركي، إضافة إلى منسق البرامج في كل قسم.

والحال أن مستقبل هؤلاء الأشخاص، رغم دراستهم، يرتبط بشكل كلي بتقبل المجتمع لهم. وهذا ما يُفتقد. ففي أبسط الأمثلة، يستولي الناس على الأمكنة المخصصة لذوي الاحتياجات الخاصة في المجال العام. وهذا القلق هو ما تعبر عنه حرب. "أخشى على طفلي ومستقبله، وكيف سيعامل ونحن نعيش في بيئة لا تتقبل كل شيء مختلف. أفكر في الخروج من البلد اذا كان هذا ما يضمن مستقبله". وتلفت مكتبي إلى ملاحظة عكسية. اذ ان "أطفالنا مدربون على تقبل الآخرين. فنحن نستقبل زواراً من مدارس مختلفة ونراقب ردة فعل الأطفال الزوار الذين يخافون، في الغالب، من أطفالنا. وهذه مشكلة لا يعاني منها أبناء مدرستنا".

تحول ذوو الاحتياجات الخاصة الى عناصر منتجة في المستقبل، في الحالات المتوسطة والبسيطة، أمر مؤكد عند مكتبي. "لذا ندخل ضمن مناهجنا التواصل الاجتماعي، اللغات، العلوم، الرسم والموسيقى، الى جانب المواد المهنية مثل صناعة الحلويات وأشغال القش، النجارة والموزاييك". أما الحويك فتقول "نستقبل حالات صعبة ويكون هدفنا الأساسي تحقيق استقلالية الطفل من خلال منهجنا الذي يتضمن علاج النطق، الذي يتعامل مع المشاكل الشفهية وغير الشفهية، علاج الحس الحركي وغيرها من المواد".

يعاني المتوحد من صعوبات تعليمية، ومنها "صعوبة التواصل والتعبير اللفظي. فهم يعبرون بأفعالهم، وان عبروا لفظياً فلا يكون كلامهم بهدف التواصل. ولا يكترثون لكل النشاطات، وعندهم حركات متكررة. لذا نحاول أن نساعدهم على اكتشاف أشياء أخرى تبعدهم عن التكرار وتنوع نشاطاتهم"، وفق الحويك. على أن هذه الصعوبات لا تُجيز، وفق حرب، وصف أطفال التوحد بـ"المرضى، بل هم بشر مختلفون".

أما الصعوبات التي تواجهها مكتبي في مدرستها مع أطفال التأخر العقلي والحالات الأخرى، تكمن في كونهم "يعانون أحياناً من بطء في تلقي المعلومة وهم يحتاجون الى أساليب مبسطة لعرض الأفكار. ففي مادة التاريخ مثلاً نعرض فيلماً يحتوي على الفكرة التي نريد ايصالها، هذا الى جانب القيام برحلات بشكل مستمر الى مناطق طبيعية". وتضيف مكتبي الى معاناة الطفل معاناة أساتذته. "اذ تنقسم هذه الى قسمين. أولهما معاناتهم مع الأهل الذين لا يثقون بقدرات أطفالهم لجهلهم حقيقتهم، فيطلبون منهم ما لا طاقة لهم عليه". أما القسم الثاني فـ"يرتبط بالمجتمع الذي يستند على فهم خاطىء لحالات هؤلاء الأطفال. فمثلاً يقلق أصحاب أماكن معينة، في حال الزيارة، من أن تتعرض مقتنياتهم للتدمير من قبل الأطفال".

وبحسب كارين مهاوج، وهي أختصاصية نفسية في الزورق، فان "الصعوبات التي يواجهها الاخصائي الاجتماعي والنفسي والمربي نابعة من ذاته، وبمدى قدرته على تحمّل فكرة عدم تقدم الحالة التي يتابعها. فهذه مسألة شخصية ونفسية". لكنها شخصيا ليس لديها معاناة حقيقية، "اذ انني أتعامل عادة مع الأهل ولكن شعور الأسى عند بعض الأهل، الذين يجهلون مشاكل أبنائهم، يقلقني. فهم بحاجة للتوجيه والمتابعة الدائمين، وتزويدهم بالمعلومات الحقيقية عن حالة أبنائهم". وتشرح مهاوج أهمية متابعة الأهل لأبنائهم منذ الصغر اذ أن "الطفل يبدأ بارسال الاشارات بوجود ما هو مختلف في عمر الستة أشهر، وهي المرحلة التي تبرز فيها عادة قدرة الطفل على التركيز على الأشياء التي تمر أمامه، وفي حال ملاحظة العكس يتوجب على الأهل متابعة الموضوع مع اختصاصي".

رغم غرابة التوحد، في تجربة حرب الشخصية، الا أنها لم ترفضه. "لم أقع تحت تأثير الصدمة الدراماتيكية، لكنّه كان شيئاً جديداً وغريباً علي خصوصاً أن ابني كان طفلي الأول". وقد بدأت تجربتها مع ابنها عندما كان عمره سنتين وسبعة أشهر. "أخذته عند الطبيب الذي بدوره حولنا الى جمعية لم أكن أعلم بماذا تهتم، حتى اكتشفتُ أنها تُعنى بحالات التوحد". على أن نكران المشكلة، عندها، لا يُعد حلاً. "الصعوبات التي نواجهها لا تختلف كثيراً عن الصعوبات التي يمر بها أهل الأطفال العاديين. تقبلنا أنا وزوجي الفكرة، ونحن نرى في طفلنا ما لا يراه أحد. اذ أن أطفال التوحد هم أطفال فائقو الذكاء".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها