الإثنين 2015/10/26

آخر تحديث: 17:04 (بيروت)

..وقد ضُبط يبيع الفول والترمس على "عربة جرّ"

الإثنين 2015/10/26
..وقد ضُبط يبيع الفول والترمس على "عربة جرّ"
لا يملك جميع الباعة القدرة على استصدار التراخيص، التي تحتاج أيضاً، وبطبيعة الحال، إلى واسطة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

شهد مؤخراً الشارع اللبناني خطاباً يستهدف المرافق الإقتصادية ذات الطابع البرجوازي ويطالب بتحريرها من سطوة حيتان المال لكسر إحتكار الأغنياء لها وإتاحة الدخول إليها لمحدودي الدخل. أبرز تجليات هذا الخطاب كانت إزالة عدادات الوقوف على الكورنيش- على إعتبار أن الكورنيش هو آخر الأماكن التي لم تغلق بعد- وسوق "أبو رخوصة" في وسط بيروت، الذي أقيم بهدف رفض غلاء الأسعار في أكثر المرافق برجوازية في بيروت، غير أن الأجدى كان الإلتفات إلى غلاء الأسعار في الكورنيش نفسه. فالمكان الذي يعتبر ملاذ الفقراء الوحيد، ليست أسعاره مناسبة لهم فعلياً.

في جولة على الكورنيش، من عين المريسة إلى الروشة، لرصد أسعار المبيعات من فول وترمس وعرانيس وقهوة، يمكن الإستنتاج والتعميم بأن التسعيرة مرتفعة نسبياً وهي شبه موحدة بين الباعة. ويعود ذلك إلى سببين أساسيين هما إحتكار بيعها من قبل قلة منهم يتحكمون بأسعارها، وثانياً إضطرار بعضهم إلى رفع الأسعار تعويضاً عن الخسائر التي يتكبدونها في دفع الغرامات لعدم عملهم بموجب تراخيص.


فول وترمس بـ5000 ليرة
من "عين المريسة" إلى "المنارة" عربة "فول وحامض" واحدة لا غير. أي أن الخيارات محدودة جداً أمام من يرغب بشراء الفول أو العرانيس، والثمن هو 5 ألاف ليرة. يعي البائع أن السعر مرتفع ولا يناسب كل الناس، ويبرّر "الرخصة غالية، ثمنها 10 ملايين ليرة، وعليّ أن أجددها كل 6 أشهر، ما يضطرني إلى رفع الأسعار". ويشرح بأن الحصول على ترخيص أصبح ضرورياً منذ تولّي المحافظ الجديد لمنصبه، أي منذ حوالي السنتين.

لا يملك جميع الباعة القدرة على استصدار التراخيص، التي تحتاج أيضاً، وبطبيعة الحال، إلى واسطة. في المنارة، يختبئ بائع ستيني مع عربته، وراء الرصيف في موقف أحد المطاعم، "فإذا مر دركي، أقول له أني لست أبيع على الكورنيش". الرجل الذي يعمل على عربته، منذ أكثر من 15 سنة، لا يمتلك ترخيصاً. المفارقة هي أنه يبيع الصحن بسعر أرخص (3 ألاف ليرة) ويقول عن الباعة الآخرين إنهم "حرامية".

لم يستحصل هذا البائع على ترخيص لأنه لا يمتلك واسطة. بالنتيجة، تمّ إقتياده إلى مخفر حبيش عشرات المرات وأجبر على دفع غرامة قدرها 150 ألفاً. وعلى ما يقول "أقف في حبيش في الصف مع المجرمين وتجار المخدرات، وتمت إهانتي من قبل المحقق فقط لأنني أبيع الترمس، ثم غرّموني بـ150 ألف ليرة، فأشتكي بأني فقير ومعتّر، فيخفض الغرامة إلى 25 ألفاً. أُذلّ من أجل 25 ألفاً". ويُسجل في المحضر "ضبط يبيع فولا وترمساً على عربة جر". "هذا جرمي"، يقول الرجل من دون إخفاء سخريته. وكان في كل مرة يرد بالقول "بهذه العربة علّمت أبنائي، هذه العربة خرّجت مواطنين".

إلا أنه منذ سنوات قليلة، وجد مخرجاً لأزمته، حين كان يركض هرباً من الدرك، فاحتمى في موقف سيارات تابع لمطعم، فسأله صاحب المطعم عن السبب فروى له الأمر. منذ ذلك الحين، يسمح له صاحب المطعم بأن يركن عربته في الموقف الذي يعتبر ملكاً خاصاً، خارج صلاحيات السلطة.

على كورنيش الروشة، يوجد عدد أكبر من الباعة. عربتا الفول الموجودتان تملكهما إمرأتان. الأولى تؤكّد أنها حاصلة على ترخيص. بينما تقول الأخرى "عملت لسنوات طويلة من دون ترخيص، فغالباً ما يجبروني على دفع غرامة تصل أحياناً إلى مئتي دولار، أو يأخذوا عربتي". إلا أن الحل الذي وصلت إليه أخيراً هو أخذ إذن بالعمل لأن لديها إبن معوق عليها إعالته. وأقرّت "نعم إضطررت إلى أن ألجأ إلى الواسطة".

والحال أن صحن الفول موجود بأحجام مختلفة تتفاوت أسعارها، لكن إن لم يسأل المرء عن السعر، سيحصل على الصحن الأغلى. يمرّ شاب على عربة المرأة الثانية ويسألها "بأديه الترمس؟"، فتجيبه "الصغير بثلاثة، الكبير بخمسة". يرحل الشاب ولا يعود، فتقول "أعرف أن الأسعار ليست مناسبة الجميع".


بائع القهوة: الواسطة ما فيي أوصلّها
على كورنيش الروشة أيضاً بائع قهوة عربية ونراجيل. القهوة التي يمكن شراؤها في الأماكن الشعبية بمئتين وخمسين ليرة أو بألف ليرة كحدّ أقصى، تُباع على الكورنيش الذي يفترض به أن يكون مكاناً شعبياً، بألف وخمسمئة ليرة بالحد الأدنى. وهذه الأسعار هي للتعويض عن الغرامات التي "يبتلي" بها البائع كل فترة، لعدم حصوله على ترخيص، عدا عن كون بيع النراجيل ممنوعاً أصلاً. وعن سبب عدم تحصيله لرخصة يقول الشاب العشريني "الرخصة بتجي من عند ثلاثة هني: نبيه بري، حسن نصرالله والحريري.. والثلاثة ما فيني أوصلهم".

يضيف الشاب أنه لا يَسمح لأي شخص آخر بأن يبيع القهوة على الكورنيش، اذ "لا أحد ثابتاً هنا غيري، ما يعني أن الدرك يعرفونني وأني الوحيد الذي يتكبد الغرامات، فأضطر إلى رفع الأسعار. أي بائع آخر سيبيع بسعر أرخص ويضرّني، لكنه سرعان ما يرحل".


طرد الباعة والمستهلكين من المجال العام
ليست واضحة آلية الحصول على ترخيص، ولا شروطه، وهناك تضارب في شهادات الباعة فيما خصّ قيمة الغرامات. لكن النتيجة المباشرة هي إرتفاع الأسعار ومنع محدودي الدخل من الإستفادة من أساليب التسلية القليلة التي يقدمها الكورنيش، ما يؤدي إلى تفاديهم المجيء إليه، كما لو أنها محاولة لطردهم من المجال العام.

يقف أب مع ولديه بالقرب من عربة الفول والترمس. إبنته تريد فولاً وإبنه الترمس، لكن شراء صحنين ليس خياراً مقبولاً، فهذا يعني صرف عشرة آلاف ليرة. فيقول لهما "إتفقا على صحن واحد لتتشاركاه". ويقول "أشعر بأنه حتى المجيء إلى الكورنيش صار مكلفاً لأن لدي ولدين، تارة يريدان الكعك وتارة البوظة وتارة الترمس، وكل هذه المأكولات غالية، فكيف الحال للذي لديه ثلاثة أطفال وأكثر؟". وتعلّق إمرأة أخرى "أحياناً لا أحبّذ المجيء إلى هنا، فسعر الفول بسعر سندويش، ما يعني أن ذهابنا إلى مطعم سيكون أوفر". أما الحل الأنسب الذي عمدت إليه في النهاية هو أن "أجلب معي أكياس التشيبس والبزر والعصير، فلا أشتري شيئاً بأسعار سياحية من هنا".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها