الخميس 2016/06/09

آخر تحديث: 13:40 (بيروت)

فواز طرابلسي عن "عودة الطبقة الوسطى"

فواز طرابلسي عن "عودة الطبقة الوسطى"
"المشكلة التنظيمية" تنسحب من الحراك إلى تجربة الانتخابات البلدية (ريشار سمور)
increase حجم الخط decrease
الرائج منذ تسعينات القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، حديث عن زوال الطبقة الوسطى، واتساع الفروقات بين الأغنياء والفقراء. وهذا ما ينسحب، في مدى أبعد، إلى غياب الطبقة الوسطى عن الفعل الاجتماعي والإقتصادي والسياسي. 


لكن في السنوات الخمس الماضية، يمكن ملاحظة مؤشرات تحيل إلى عودة هذه الطبقة، إن كان من ناحية القضايا المطروحة أم من ناحية الحراكات الاجتماعية التي ينتجها، بشكل رئيسي، "أبناء" هذه الطبقة، بدءاً من حملة إسقاط النظام الطائفي وتحركات "هيئة التنسيق النقابية" وحراك صيف 2015، ومؤخراً التجارب البلدية "المستقلة".

هذه العودة "المحتملة" للطبقة الوسطى تناقشها "المدن" في هذه الحلقة مع الكاتب والأكاديمي فواز طرابلسي، وفي حلقة أخرى مع الأمين العام لـ"حركة التجدد الديمقراطي" الاقتصادي أنطوان حداد. وكانت افتتحت الحوارات مع الخبير الإقتصادي كمال حمدان.


تبدأ التباسات "الطبقة الوسطى" عند فواز طرابلسي من الاسم. فهي ليست طبقة وسطى بل طبقات متوسطة، وهي "فئات تتراوح بين العاملين الذهنيين وأصحاب الأعمال المتوسطين". وهؤلاء يشكلون، وفقه، بين 50 و60 في المئة من اللبنانيين. لكن هذه الطبقات لم تكن قد انهارت على ما يشيع عنها، "إنما هي التي قادت السياسة في لبنان. الذين يحكمون لبنان، يحكمون بناءً عليها، في تشكيلها الجمهور الانتخابي وكوادر الأحزاب وأعضاء البلديات".

لا يعني ذلك أن لا جديد في داخل هذه الطبقات. فهي إذا لم تكن قد عادت، فإننا "أمام بدء تأزم قطاعات منها، مع الفئات الشعبية وذوي الدخل المحدود، وهي تعبر في الراهن عن نفسها بطرق احتجاجية". وهذه ترجمة لوجود أزمة معيشية في البلد، وليست أزمة الطبقات المتوسطة فحسب. غير أن مَن يحتجون، من هذه الطبقات، هم أولئك "الذين يريدون الحفاظ على مستواهم المعيشي، ويخافون من تراجعه. فربع مليون من العاملين في القطاع العام ليسوا قادرين على التوفيق بين مصروفهم ومدخولهم في الحد الأدنى".

والحال أن هذه الأزمة ليست بلا سياقات عامة. ويمكن لطرابلسي أن يسجل ثلاثة متغيّرات. أولاً هناك أعطاب جديدة في تركيبة السلطة. فـ"قدرة الزعيم على تقديم خدمات مقابل تحصيله الولاء (الزبائنية) انتهت من زمان. وما يحكمنا اليوم أحزاب عندها فكر وجمهور، ولا تركن إلى الخدمات فحسب". ثانياً، ومن ناحية اجتماعية- إقتصادية محضة، "لم يعد عند هذا النظام ما يوفره من تقديمات لجمهور واسع، والطوائف والأحزاب هي التي تقدم، لكن في مستوى أقل من حاجات المجتمع، كما حصل في السبعينات. وهذا أدى إلى الحرب. ذلك أن نوعية الخدمات المقدمة ما عادت تغطي تعقيد المشكلات".

والمتغيران السابقان يتموضعان، ثالثاً، في إطار الاصلاحات النيوليبرالية التي انجزت في عهد رئيس الحكومة الراحل رفيق الحريري "ومَن تشارك معه من الهيئات المختلفة. وهو نهج قضى على الخدمات الأساسية التي تقدمها الدولة عبر خصخصتها. ثم أضيف إليها نمط جديد من ترييع الإقتصاد، أنتج أزمة سكن استثنائية، إذ صار في الامكان شراء شقة لكن لا يمكن استئجارها. ما عنى تهجيراً فعلياً لمتوسطي ومتدني الدخل إلى خارج بيروت". لكنه عنى أيضاً، في المجمل، وجود "متضررين جدد، وضغوط فعلية على كل مستويات الطبقات المتوسطة. هؤلاء قرروا التعبير بطرق مختلفة، كما في حراك صيف 2015". لكن كيف يمكن التعرف إلى هؤلاء؟

يقول طرابلسي أن لا دراسات حول هؤلاء. لكنه، في التعرف إليهم، يركن إلى دراسة أنجزها طلابه في الجامعة بالاعتماد على عينة من المقابلات التلفزيونية. "هم خليط من كل شيء". شباب، ريفيون، من أوساط اليسار القديم، وهناك فئة منهم تشارك للمرة الأولى في تظاهرة، "وهم مدفعون بالحاجات المعيشية وبكرهم السياسة، التي يقصدون بها الفساد، وكانت النفايات حافزهم الأول. والمشترك بينهم أنهم فئات متضررة من هذا النظام".

وفي الانتخابات البلدية، خصوصاً تجربة "بيروت مدينتي"، تقدمت إلى المجال الاحتجاجي فئة الاختصاصيين والخبراء والفعاليات الفنية. وهم "فئة من الطبقات المتوسطة متعلمة ومتخصصة، تشجعت ببيئة من منظمات المجتمع المدني للعلب دور في الحقل العام".

ويمكن للانتخابات البلدية أن تفهم بالسياسة الاجتماعية. فهناك تحالف جديد بين كتلتين، هما زعيما الشيعة وزعيما المسيحيين. "وهذا التقارب ليس ناتجاً من قوة، بل من ضعف وخوف من المنافسة وتدمير الطائفة في نتيجتها، وخوف من ولادة بدائل أيضاً". في مكان آخر، خصوصاً في ما لم يكتمل في العالم المسيحي، الأحزاب تقضم من الزعامات التقليدية الفردية، "وهذا ما يعني صعود الفئات المهمشة". وفي طرابلس، لا يمكن فهم ظاهرة أشرف ريفي إلا باعتبارها "تمرد أحياء طرابلس المهملة على زعمائها. وهذا سبب سياسي". وفي انتخابات بيروت "سُجلت انقسامات في كل أحزاب السلطة، وهناك 1600 ورقة بيضاء وآلاف الأوراق المتلفة. الناس نزلوا ليقولوا ما بدنا. لكن هذا الاعتراض الشعبي، المشجع، لا يمكن اختزاله بالطبقات المتوسطة".

وإذا كان طرابلسي لا يستبعد، بالركون إلى تجارب عالمية في المرحلة التالية على الحرب الباردة، دوراً فعلياً للطبقات المتوسطة في الاحتجاج والتغيير، إلا أنه يسأل: "هل تدخل في إطار تنظيمي أم لا؟". فالحراك، الذي يصفه طرابلسي، بـ"الانفجار العفوي" حمل معه "عظمة ومأوساوية كل انفجار عفوي، حيث فوتت فرصة تحويل شهرين من الحضور في الشارع إلى حركة اجتماعية تجسد ما طرحه الناس. وهذا ما كرر أوهام تظاهرات العام 2011، في الاعتقاد أن النظام آيل للسقوط ولا يلزمنا غير النزول إلى الشارع".

وهذه "المشكلة التنظيمية"، وفق طرابلسي، تنسحب من الحراك إلى تجربة الانتخابات البلدية، بسبب "غياب قطب يمكنه أن يجمع". وهذا ما تعززه، في الأساس، "نزعة عميقة ضد السياسة عند هؤلاء، وإن كانت هذه النزعة عميقة القبول في النظام اللبناني. ففي الوعي العام السياسة هي تقاسم مصالح، وليست تدبيراً لشؤون المجتمع. ما يعني أن المطلوب ليس كره السياسة، بل سياسة أخرى". وهذا الكره تحول "رفضاً لأي شكل من أشكال التنظيم وعداءً للأحزاب". لكن هل تريد "الطبقات المتوسطة" تغييراً فعلياً؟

يرى طرابلسي أن هذا السؤال لاحق على انضواء الفئات المحتجة، من الطبقات المتوسطة أو غيرها، في إطار تنظيمي. لكنه يعتقد أن التفاوت بين جذرية المطالب الشعبية وإصلاحية مطالب الطبقات المتوسطة، يمكن أن يظهر في "زئبقية الطبقات المتوسطة، التي يمكن أن تحكي عن البيئة مثلما تحكي عن تغيير النظام".

لكن توليف تنظيم "قادر على توظيف زخم من الطبقات الوسطى في عمليات التغيير"، وإنتاج نقاش حول "نسبة التغيير" يبقى، وفق طرابلسي، أمام تحدي وجود أشكال من التنظيم اسمها "NGO’s"، التي "سحبت قسماً كبيراً من طاقات الشباب الذين يريدون تقديم خدمة لكنهم ملوا الأحزاب، فتحولوا إلى المؤسسات التي أنهت العمل التطوعي". وهذه المنظمات غير الحكومية التي تملك "برامج إيمانية" تطرح إشكالية حول علاقتها بالسياسة، خصوصاً أن "العمل السياسي بالمعنى الاجتماعي أبيد، رغم أن جمهوره مازال موجوداً، إلا أنه شبّك مع المجتمع المدني، إلى درجة أن لغة اليسار صارت لغة NGO’s". على أن الإشكالية هذه لا تمنع طرابلسي من القول "إننا أمام مسار جديد، لا يمكننا التكهن بما سيتولد عنه، لكنني أعتقد أنه لن يتوقف، لأنه ليس ابن صدفة. فالناس لم تنزل من أجل النفايات، بل نزلوا ليقولوا قضاياهم، لكننا لم نقرأها".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها