الإثنين 2016/06/06

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

كمال حمدان عن "عودة الطبقة الوسطى"

كمال حمدان عن "عودة الطبقة الوسطى"
مشروع الطبقة الوسطى السياسي لا يمكن أن ينجح من دون ارتباط مع الطبقات الدنيا (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
الرائج منذ تسعينات القرن الماضي، وبعد انتهاء الحرب الأهلية، حديث عن زوال الطبقة الوسطى، واتساع الفروقات بين الأغنياء والفقراء. وهذا ما ينسحب، في مدى أبعد، إلى غياب الطبقة الوسطى عن الفعل الاجتماعي والإقتصادي والسياسي. لكن في السنوات الخمس الماضية، يمكن ملاحظات مؤشرات تحيل إلى عودة هذه الطبقة، إن كان من ناحية القضايا المطروحة أو الحراكات الاجتماعية التي ينتجها، بشكل رئيسي، "أبناء" هذه الطبقة، بدءاً من حملة اسقاط النظام الطائفي وتحركات "هيئة التنسيق النقابية" وحراك صيف 2015، ومؤخراً التجارب البلدية "المستقلة". وهذه العودة "المحتملة" للطبقة الوسطى تناقشها "المدن" في ثلاث مقابلات منفصلة مع الخبير الإقتصادي كمال حمدان والكاتب والأكاديمي فواز طرابلسي والأمين العام لـ"حركة التجدد الديمقراطي" الاقتصادي أنطوان حداد.


التساؤل عن عودة الطبقة الوسطى على مشروعيته لا يبدو بديهياً، بل يبدو الحديث عن طبقات، كما في طرح كمال حمدان، "والطبقة الوسطى في لبنان تحديداً حديثاً شائكاً ومعقداً في ظل وجود أطراف تنكر وجودها، أو تخفيها بالسياسة أو الطوائف". والمسألة، في الأساس، في كيفية تحديد وتعريف كل طبقة، "خصوصاً أن حدودها غير واضحة، وبعضها مخفي، ويمكن الحديث، كما في حالة الطبقة الوسطى، عن طبقات متوسطة، بسبب وجود تفاوت بين مروحة من الفئات".

وإزاء غياب الاحصاءات التي تتيح قياس حجم هذه الطبقة، وغيرها، يمكن اللجوء، وفق حمدان، إلى مؤشرات بديلة أو تقريبية. مثل التعليم، الوضع في المهنة، التخصص والحراك المهني للفرد على مدى سنوات. وهذه المؤشرات تعكس، عملياً، وجود "طبقة وسطى كثيفة". ذلك أن معدلات الالتحاق بالتعليم، في لبنان، "بين الأعلى في المنطقة، ومعدلات الأمية من الأدنى فيها. وسنوياً هناك بين 35 و40 ألف خريج ثانوي، تتساوى بينهم نسبة الذكور بالإناث. أي أن الفئة العمرية الشابة، عندنا، تملك القدرات".

لكن هذه المؤشرات تبقى قاصرة عن تأكيد وجود طبقة وسطى، كما في كلاسيكيات العلوم الاجتماعية. ذلك أن وجود 35 ألف جامعي، سنوياً، وفق أرقام حمدان، وارتفاع متوسط عدد سنوات التعليم للفرد، يقابله تساؤل عن "نوعية التعليم التي يتلقاها هؤلاء". ويمكن لحمدان، في هذا السياق، أن يؤكد أن العلاقة بين ارتفاع سنوات التحصيل العلمي وارتفاع الدخل "ضعفت، بسبب مشاكل في التعليم الرسمي ومشاكل في جزء من التعليم الخاص، وبسبب طبيعة البنية الإقتصادية، خصوصاً سمات الطلب على العمل، فـ91% من المؤسسات الإقتصادية ميكروية، أي تضم أقل من 5 عمال. وهذا ما يضعف هذه العلاقة".

نظرياً، على الأقل، تتشكل الطبقة الوسطى من فئة الأجراء داخل سوق العمل. وهؤلاء، وفق حمدان، يشكلون نحو 50 في المئة من القوى العاملة في لبنان، وهم يعانون من "وجود خلل بنيوي بين تطور كلفة المعيشة وبين تصحيحات الأجور المتعاقبة". وهذا ما يؤكده تراجع نسبة الأجور من الدخل القومي، فبعدما "كانت 35 في المئة في أواسط التسعينات، لا تتجاوز الآن 25 في المئة، رغم أن عدد الأجراء ازداد". إذاً، أين الطبقة الوسطى؟

يقترح حمدان تقسيماً أولياً للطبقات في لبنان. وهو يركن أولاً إلى وجود اجماع على أن نسبة الفقر في لبنان تصل إلى نحو 30 في المئة (20 في المئة تحت خط الفقر الأعلى و10 في المئة تحت خط الفقر الأدنى)، أقله بحسب المعايير المعتمدة من قبل البنك الدولي، وتحديداً القدرة على تأمين السعرات الحرارية اللازمة يومياً. وهذه الأسر تنتج نحو 1200 إلى 1500 دولار كإجمالي دخل للأسرة كلها في الشهر الواحد. وهذا ثلث أول.

أما الثلث الثاني، فينتج ما بين 1500 إلى 4000 دولار شهرياً. وهؤلاء أسر تعيش فوق خط الفقر، "لكن نصفهم هش، أي أن صدمة سياسية أو أمنية يمكنها أن تنزلهم إلى تحت. أما النصف الثاني فهو جزء من الطبقة الوسطى". يلتقي هذا النصف، في تشكيل الطبقة الوسطى، مع نصف آخر في الثلث الثالث، فـ"يمكن اعتبار أن الطبقة الوسطى تشكل ثلث السكان".

على أن هذا التحديد لا يبدو مكتملاً. كما لو أن الطبقة الوسطى اللبنانية تأخذ شكلاً خاصاً. وهذا ما يعززه لجوء حمدان إلى "الشعور" لتأمين تحديد أدق لهذه الطبقة ودورها المحتمل. وهو يشير، خصوصاً، إلى هوة بين قدرات أفرادها (سنوات تعليم، شهادات جامعية، صحة)، كما يرون أنفسهم، وقدرتهم على "التجسيد الحي لهذه القدرات في فرص عمل مجدية. وكلما ازدادت هذه الهوة وازداد معها الشعور بالاقصاء والقهر، ازدادت قابلية أفرادها ليكونوا جزءاً من عملية تغيير مطلبية، تغيير ديمقراطي أو تغيير سياسي". ومشاكل الطبقة هذه تتفاقم بسبب ضعف "شبكة الأمان التي كانت متاحة أمامها، أي الهجرة".

هكذا، يدرج حمدان تحركات السنوات الخمس الماضية في هذا السياق، وهو أقرب إلى "تراكم، حتى على صعيد نفسي. عندي قدرات وأتعولم، لكنني لا أستطيع ترجمتها. والإقتصاد لا ينتج فرص عمل نبيلة، ولا يغطي الاستثمار التعليمي في الأفراد الذي اقدره بـ250 ألف دولار للفرد الواحد". لكن هذه الطبقة لا توجد بمعزل عن الطبقات الأخرى. وهذا دافع إضافي لشعورها بالقهر والاحباط والاستعداد للتمرد والنزول إلى الشارع. فـ"كلما ازداد عند أهل السلطة والمال المكون الريعي، خصوصاً إذا كان هذا الريع يقتطع من الناتج المحلي، كلما ازدادت هذه المشاعر".

على أن هذه المشاعر لا تقتصر على هذه الطبقة، بل هي تشاركها مع ثلث الفقراء، كما في تقسيم حمدان. "فلدى فئة الفقراء أضعاف من الشعور بالاحباط، لكن الفرق بينها وبين الطبقة الوسطى أنها لا تملك القدرات. وعادة ما يكون المحرك لأي حراك اجتماعي هو الطبقة الوسطى. فشدة الشعور بالقهر تكون أقوى إذا ترافقت مع الشعور بالقدرة". وهذه الهوة، تبدو عند حمدان، في ازدياد، ما يعني تراجع دورها في البنية الإقتصادية، وتعرضها لـ"ضغط كبير". وهو يتوقع أن يزداد فعلها عنفاً.

لكن إلى أين يوصل هذا الشعور؟

لا يمكن ضبط ما سيحصل لاحقاً. لكن "غياب الأدوات النقابية والسياسية والحزبية سيتيح المجال لبقاء المسرح مفتوحاً أكثر لحركات متطرفة بالاتجاهين والفوضى. ونحن نأمل أن نجد اطاراً يراكم ويجمع كل هؤلاء الناس على أجندة واقعية تخرق ميزان القوى، وتصير قادرة على انتزاع اصلاحات. متفائل بما جرى منذ العام 2011، الذي كان سيئاً إقتصادياً، لكنه مفيد سياسياً". مع ذلك، يفضل حمدان ألا تقدس الطبقة الوسطى، رغم دورها في حماية الديمقراطية وتحقيق النمو والاستقرار. "ذلك أنني أعتقد أن مشروع الطبقة الوسطى السياسي لا يمكن أن ينجح من دون ارتباط مع الطبقات الدنيا، خصوصاً أن مستويات الاستغلال والحاجة والشعور باليأس فيها أكبر بكثير، وما يخفف من تطلعاتهم أنهم ضعيفو القدرات".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها