الثلاثاء 2015/06/23

آخر تحديث: 13:03 (بيروت)

سجن النساء في طرابلس.. "جيدٌ نسبياً"

الثلاثاء 2015/06/23
سجن النساء في طرابلس.. "جيدٌ نسبياً"
"مهما بلغ عدد السجينات وأطفالهن، لا يرتاد السجن سوى ممرضة واحدة ملزمة بمعاينة الجميع" (getty)
increase حجم الخط decrease
تجلس حنان على حافة السرير في الزنزانة التي تتشاركها مع تسع نساء أخريات في سجن طرابلس المركزي للنساء، وبين يديها أدوات الخياطة. تحيك المرأة الخمسينية جوارب زهرية اللون لطفلة صغيرة. تبيع كميات كبيرة منها عبر جمعيات ومنظمات أهلية خارج السجن، وترسل ما تجنيه من بيعها إلى أولادها الأربعة. تسحب من محفظتها صورة تجمعها بهم. تتأملها بصمت، ثم تقول: "من المؤكد أن ملامحهم تغيرت الآن، فهم لم يزوروني منذ زمن، بسبب معارضة والدهم الشديدة للأمر". تضيف: "أشعر بحاجة كبيرة إلى ضمهم، فبهم استعيد حواسي. أريد لمسهم، تقبيلهم، وشمّهم فأحافظ على كل ما تهددني سنواتي الـ11 خلف القضبان بسلبي إياه".


أمضت حنان ست سنوات من محكوميتها فحسب، إلا أنّها تبدو هادئة، وهي تعيد سبب هدوئها إلى طبيعة الحياة داخل السجن. تقول: "هنا يفقد المرء كل ما يميّزه الله به. ببساطة نصبح مسلوبي الفعل والإرادة". وعلى الرغم من قلّة عدد الحارسات المولجات حماية السجن، إذ يقتصر الأمر على مديرة السجن أوديل سعد وثلاث حارسات ومفتشة، يبدو المكان هادئاً وسط حزن السجينات. إلا أنّ سمر، أصغر السجينات، تقول إنّ "الوضع ليس هادئاً على الدوام. فأحياناً تلعلع أصوات النسوة في الزنزانات بسبب خلاف حول كمية المنظفات التي يحظين بها، أو حول توزعهن بين الغرف، أو على خلفية تقاسم مهمات تنظيف الحمامات مثلاً".

يتغير عدد السجينات في السجن داخل "ثكنة أنطوان عبيد" بسبب نقل بعضهنّ إلى سجون أخرى، وقد يصل العدد إلى 180 سجينة في الحالات القصوى، إلا أنه لا يقل عن الـ90 سجينة. وتتوزع السجينات على 12 زنزانة، أعيد تأهيل بناها التحتية منذ خمس سنوات تقريباً، في حين لا تزال الرعاية النفسية والصحية للنساء سيئة. فبحسب أحد العاملين في السجن "استقبل السجن 4 نساء حوامل في أقل من ثلاثة أشهر. أنجبن داخل السجن ولازمن أطفالهن لما يقارب السنتين، في ظل أوضاع غير مناسبة صحياً وغذائياً للرضع". اذ "تعد الرعاية الطبية والصحية من الأمور الإشكالية داخل السجن، فمهما بلغ عدد السجينات وأطفالهن، لا يرتاد السجن سوى ممرضة واحدة ملزمة بمعاينة الجميع"، وفقه.

في حين تجد رجاء (اسم مستعار)، التي دخلت السجن لمدة 15 عاماً بسبب إقدامها على قتل زوجها، أن "الحياة داخل السجن مع كل ما فيها من معاناة، أقل ألماً من الخروج منه". تقول: "داخل الزنزانة يتوقف الزمن ولا يشعر المرء بأي نوع من المسؤولية أو الضغوط، بل يكتفي بمراجعة ماضيه نادماً على كل ما إقترفه. ولا يعرف المعنى الحقيقي للشقاء، إلا لحظة الخروج من السجن، ليحاول إيجاد فسحة صغيرة له وسط أناس حكموا عليه مسبقاً بالموت حياً". وتشير ابتسام (اسم مستعار) التي بدأت العمل عند خروجها من السجن في محل لبيع الخضار يعود لأقاربها، أن "التجربة في السجن مدمرة، ليس على الصعيد الصحي فحسب، بل على المستويين النفسي والاجتماعي أيضاً، حيث يصبح المرء عبارة عن آلة لا يسمح لها بالتنفس من دون إذن مسبق. إلا أن الخروج من السجن يتبعه عقبات كثيرة، خصوصاً للأشخاص الذين لا يملكون من يمد لهم يد المساعدة. ونتيجة هذه الظروف المأساوية التي يواجهونها قد يقترفون جرائم أخرى. والنساء أكثر عرضة من الرجال لهذا الأمر، لكونهنّ في الحب والحقد مسّيرن بعواطفهنّ".

في المقابل قد تخرج من السجن نساء أحدثت تجربتهنّ السجنية تغيراً في حياتهن، مثل رانيا (اسم مستعار) التي إستطاعت أن تتعلم داخل زنزانتها الصغيرة اللغتين الإنكليزية والألمانية، كما كتبت رسالة بعنوان "شهادة سجين/ السجن مقبرة الأحياء"، إهتمت "الجمعية اللبنانية الخيرية للإصلاح والتأهيل" بطباعتها ونشرها. كما انها بصدد إعداد كتاب مفصل عن يومياتها داخل السجن.

وتشير رئيسة الجمعية فاطمة بدرة إلى أن "أوضاع السجن في طرابلس جيدة نسبياً، اذا قارناها بسجون أخرى. لذلك يتركز عمل الجمعية على الناحية القانونية، أي السعي لمساعدة السجينات ممن لا يملكن قدرة مادية لتوكيل محامين، عبر تقديم طلبات إخلاء سبيل، أو استرحام، أو إدغام العقوبات لهنّ. بالإضافة إلى إخضاعهن لدورات محو أمية، وتعليمهن الأشغال اليدوية والعديد من النشاطات الأخرى. كما نقدم لهنّ الهدايا والمساعدات في فترة الأعياد، لإشعارهن بأن المجتمع المحلي ليس غائباً عنهنّ".

من جهتها تركّز جمعية "دار الأمل" عملها على توظيف إخصائيين نفسيين واجتماعيين يتمتعون بكفاءة عالية لزيارة السجينات والتواصل معهنّ، بغية تأمين إعادة إندماجهنّ داخل مجتمعاتهنّ. ووفق مديرة الجمعية هدى قارى "لا يجب ترك السجينات لحظة خروجهن من السجن وحيدات، لاسيما من لديهن أطفال إنقطعن عنهم لفترة طويلة، كما أنه ليس من السهل إقناع النساء بضرورة المواظبة على زيارة المعالجين النفسيين والاجتماعيين، لما لدينا في مجتمعاتنا من إعتقادات سلبية في هذا الإطار".

وتضيف أن "دار الأمل تنطلق في عملها داخل السجون اللبنانية من مبدأ إحترام حقوق الطفل والمرأة، لا سيما تلك التي وقعت ضحية العنف والإستغلال بشتى أنواعه". فـ"عندما تخرج المرأة من السجن تبدأ حياتها من الصفر وتواجه صعوبة كبيرة في إيجاد فرص عمل بغية الإعتماد على نفسها وتأمين إستقلاليتها المادية، فضلاً عمّا تعانيه من رفض لها من قبل المجتمع المحيط". وتؤكد قارى أن "الجمعية لا تهمل النواحي القانونية والصحية في حياة السجينات، كما تسعى إلى تأمين الكسوة والثياب بشكل متواصل للسجينات، بالإضافة إلى الحاجات النسائية الخاصة. ونحن بهذا الصدد نتعاون مع سيدات من المجتمع المدني الطرابلسي، بالإضافة إلى بلدية طرابلس التي خصصت مكتباً للجمعية في المدينة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها