السبت 2018/03/17

آخر تحديث: 08:32 (بيروت)

العمالة لإسرائيل... من يُسخّف التهمة؟

السبت 2018/03/17
العمالة لإسرائيل... من يُسخّف التهمة؟
تهمة العمالة لإسرائيل تحرق المتهم سياسياً وإجتماعياً (Getty)
increase حجم الخط decrease
لم تكن تهمة العمالة لإسرائيل تحتاج إلى هذا الكم من النقاش إبّان الاحتلال الإسرائيلي للبنان، أو حتى قبل ذلك. لا لأن التهمة كانت مقبولة اجتماعياً، بل لأنها لا تقبل النقاش في مجتمع يعاني من ظلم الاحتلال وعملائه الذين كانوا يفوقونه إجراماً في كثير من الأحيان.

وعدم القبول بالنقاش بشأن العمالة، لم يعنِ استسهال إطلاق هذه التهمة على أي إنسان. مع الاعتراف بوجود اتهامات ومحاكمات صورية كانت تجريها بعض الأحزاب قبل تصفيتها معارضين لها سياسياً أو دينياً، لكن الجمهور كان يميّزها عن المحاكمات الفعلية لعملاء حقيقيين.

بعد تحرير المنطقة التي سمّيت الشريط الحدودي، في العام 2000، وفرار عدد من العملاء الى فلسطين المحتلة، وإطلاق أحكام قضائية مخففة بحق كثيرين من العملاء الذين سلّموا أنفسهم للقوى الأمنية اللبنانية ولحزب الله في الجنوب، بدأت تهمة العمالة لإسرائيل تهتز عند جمهور عريض من اللبنانيين. ازداد الاهتزاز مع ترشيح أشخاص في الجنوب الى الانتخابات البلدية والاختيارية، وهم ممن كانوا معروفين بانتسابهم إلى جيش لبنان الجنوبي المتعامل مع إسرائيل، وبعضهم كان مشهوداً له بالوحشية في تعذيب المقاومين والتنكيل بأهالي القرى المحتلة.

تعاظم تغيير صورة العمالة لإسرائيل بعد إنقسام البلاد بين فريقي 8 و14 آذار، إثر اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري. فتلك المرحلة، حتى اليوم، تشهد صراعاً حاداً بين القوى السياسية، وتفرز أغلب اللبنانيين إلى معسكرات سياسية وطائفية تستعمل في كثير من الأحيان تهمة العمالة لإسرائيل للنيل من المعارضين السياسيين، ولإثارة الرأي العام ضد أحدهم.

استسهال إطلاق تهمة العمالة وإدخالها في التجاذبات السياسية، أضاف الى لائحة الاتهامات، تهمتان جديدتان، هما "عميل سفارات وعميل أميركي"، وبات كل فريق سياسي يعمل على تسخيف التهمة الموجهة إلى أعضاء فريقه، فيما يسلط الضوء على التهمة الموجهة إلى أعضاء الفريق الآخر. أما في حال ثبوتها على المتهم، فيعمد فريقه السياسي إلى اختراع قضايا أخرى، تُشغل بيئته الشعبية وتزيح أنظارها وتساؤلاتها عن مسألة العمالة.

أسماء كثيرة أُدخِلت في دوامة الاتهام بالعمالة لإسرائيل، وخرجت منها ببراءة صادرة عن القضاء اللبناني. لكن، رغم ذلك، فإن أطرافاً سياسياً مازالت تروّج لتلك الأسماء على أنها عميلة لإسرائيل. وليس الممثل المسرحي زياد عيتاني آخر تلك الأسماء. ولعلّ ملف عيتاني هو أبرز الملفات في هذا الصدد، ذلك أنه يعكس الصراعات بين الأجهزة الأمنية اللبنانية، بالإضافة إلى حجم نفوذ الأحزاب السياسية التي باتت توزّع شهادات بالوطنية لمن يؤيدها، وبالعمالة لمن يعارضها، وهذه الصراعات تسهم بتسخيف تهمة العمالة.

ولا يُستبعد وجود هدف آخر غير النيل من سمعة بعض الأشخاص، وإحراقهم سياسياً واجتماعياً، وهو تنظيف صفحة العملاء الفارين إلى فلسطين المحتلة، وتسهيل عودتهم والتقليل من حدة رفضهم في بعض البيئات والمناطق اللبنانية. فهؤلاء هم حجر العثرة الأخير أمام إقفال ملف العملاء اللحديين. أما العملاء الذين يتم اكتشافهم تباعاً، فتتكفل الصراعات السياسية بتخفيف الحكم القضائي والاجتماعي تجاههم. ومن المتوقع في ظل الاتهامات المتبادلة بالعمالة، أن تسكت غالبية المواطنين عن العمالة، بفعل الملل من تسخيف التهمة، ومن مقاربة أحزاب السلطة لها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها