الجمعة 2017/02/03

آخر تحديث: 07:28 (بيروت)

شركات المقاولات.. "اللعب" مع السلطة قاتل

الجمعة 2017/02/03
شركات المقاولات.. "اللعب" مع السلطة قاتل
أزمة النفايات فضحت إرتباط بعض المقاولين بالمنظومة السياسية (ميلاد لمع)
increase حجم الخط decrease
يرتبط ملف الانماء- تنفيذياً- بشركات المقاولات. وترتبط هذه الشركات بالسياسيين. لكن أخطر ما في ذلك الارتباط، هو تحوّله إلى منظومة، لاستمرار النمط التحاصصي للمشاريع العامة.

هذا النمط أكثر فائدة للسلطة السياسية بأحزابها كلها. إذ إن إقتناص الفرص واغتنام الأموال من بعض المشاريع الخدماتية، يخدم صاحب النفوذ السياسي في الحيّز الجغرافي الذي يشهد تنفيذ المشاريع. وهذا ما كان يدفع سابقاً كل حزب من أحزاب السلطة، إلى رفع شعار المظلومية في منطقته، لجذب المشاريع والظَفَر بالمكتسبات المالية والسياسية التي تخلّفها. في حين أن منطق الاستفادة اليوم، أصبح يسير وفق إتفاق بين تلك الأحزاب على توزيع المشاريع بدل الإقتتال عليها. أما قنوات الاستفادة، فتتم عبر تلزيم المشاريع لشركات مقاولات ذات ولاء مطلق لأحزاب السلطة.

غير أن حصول الشركات على "غرين كارت" سلطوي، هو سيف ذو حدّين، ما يلبث ان يتّجه إلى أعناق الشركات نفسها، عند أول "غلطة". فما هو واقع شركات المقاولات اللبنانية، وما هي حدود عملها مع السلطة؟

تنقسم شركات المقاولات في لبنان من حيث علاقتها بالسلطة السياسية إلى قسمين، الأول يلتزم بحدود إمكانياته المادية وعلاقاته السياسية التي تتيح له العيش على ما تيسّر من فتات المشاريع، والثاني يطمح لتخطّي حدود إمكانياته، وإثبات جدارته في تنفيذ المشاريع ضمن المواصفات التي تحددها السلطة.

وبين القسمين، يستمر قسم ثالث بمحاولة الحفاظ على عمله الذي يتم أحياناً تحت مظلة أطراف السلطة (بحكم الأمر الواقع) شرط عدم الإنزلاق والذوبان في لعبة تلك الأطراف. لأن الإنزلاق يحرف الشركة عن سكة المقاولات، في اتجاه سكة تنفيذ الأوامر فقط.

عدم الإنزلاق يُرتّب أكلافاً معنوية ومادية على كل من يمتنع عن تقديم الولاء المطلق لمنظومة السلطة. عليه، فإن "الشركات التي تقف ضد هذه المنظومة تُحارَب بطرق كثيرة، كأن لا تقبض ثمن مشاريعها التي نفذتها، أو أن تُستَبعَد من المناقصات. بالإضافة إلى فسخ عقودها القانونية وإعادة تلزيم المشاريع لشركات أخرى، وبأسعار أعلى... والعديد من الأساليب الأخرى"، وفق ما يقوله لـ"المدن" المدير العام لشركة الجنوب للإعمار رياض الأسعد، الذي يشير إلى أن إحدى أساليب مقاومة تلك المنظومة، هو استمرار الشركات المعارِضة، بمحاولة دخول المناقصات والتضييق على المنظومة.

ويلفت الأسعد النظر إلى أن ذوبان شركات المقاولات في مستنقع السلطة السياسية "يخدم الواقع السياسي وليس الواقع الإنمائي". لأن المشاريع التي تقوم بها الدولة "لا تستند إلى برنامج إنمائي يقوم على مؤشرات ومقومات إقتصادية. فلا أحد في السلطة يفكر في طريقة إنمائية". ولو كانت الفكرة الإنمائية هي الأساس، لما كان في البقاع نحو 37 ألف مذكرة توقيف، بل كان هناك مشاريع تحسّن المنطقة، وتخلق فرص عمل لأهل البقاع.

قبول بعض المقاولين دخول منظومة العمل السياسي والطائفي بدل منظومة الإنماء، واستسهال طريق جمع المال عبر التلطّي خلف المحاصصات السياسية والطائفية، ساعد الطبقة السياسية على تشعيب قنوات تنفيذ الصفقات، بصورة أكبر مما كانت عليه فكرة تأسيس صندوق المهجرين ومجلس الجنوب ومجلس الانماء والاعمار، بالإضافة إلى استعمال سلطة وزارة الأشغال، من قِبل الجهة السياسية التي تشغل حقيبتها.

هذا الاستسهال الذي ظنّت شركات المقاولات بأنه سيشبع نهمها للمال، بشكل دائم، سرعان ما انقلب عليها. فضاعت شركات كثيرة واختفت من مشهد الاستفادة المادية من طريق السياسة. ومن لم يختفِ نهائياً، حُجّم دوره، وبات يرضى بأي مكرمة تبقيه حياً. ومن يبحث في سجل الشركات التي كانت تحتل سوق التلزيمات، يرى أن تغيّراً كبيراً حصل، لمصلحة شركات جديدة تملك امكانيات تقنية أكثر، مع إخلاص أكبر للسلطة السياسية.

مقاولات ما بعد العام 2005
لم تقف تأثيرات الواقع الجديد على تلك الشركات، بل أثرت على الشركات التي كانت تعمل وفق الصيغ الإنمائية القديمة، التي كانت تراعي إلى حدّ ما إزدواجية الهدر مع تنفيذ المشاريع. وبذلك، لم تعد سوق المقاولات المرتبطة بمشاريع الدولة، تعرف شركات مثل شركات حليم حمد، أكرم وعصمت صعب، إيلي سلوان، ناهيك بشركة المباني والكات... وغيرها من الشركات التي رأت منذ العام 2005 أن استمرار العمل في ظل الواقع الجديد، غير ممكن.

الإخلاص المطلق للقوى السياسية، جعل المقاولين الجدد جزءاً من الإرادة السياسية لقوى السلطة. ما يعني في المقلب الآخر، أن أي تراجع سياسي سيستتبع حُكماً تراجع حظوظ تلك الشركات التي تُشبه "تُجار الشنطة" وليس الشركات ذات الأرضية الثابتة. ونظراً لإرتباط هذه الشركات بالإرادة السياسية، فإن ربحها لتنفيذ مشروع في وزارة معينة، يحرمها من تنفيذ مشروع لوزارة أخرى تسيطر عليها إرادة سياسية مغايرة. فمن ينفذ مشاريع مجلس الانماء والاعمار، ويملك مجابل باطون في بيروت، وعدد من الزّفّاتات، "محروم" من تنفيذ مشاريع وزارة الطاقة، لأنه "يختلف سياسياً" مع الإرادة السياسية المهيمنة على وزارة الطاقة. وهكذا تجري التلزيمات في الوزارات والإدارات.

إعاة ترسيم قواعد لعبة المقاولات بين أقطاب السلطة، وقبول كثير من المقاولين بأداء دور حجارة الشطرنج، سيُدخلهم في أزمات أكبر من تلك التي أصابت مقاولي الجيل السابق، لأن الجيل الحالي يلعب أدواراً أكبر منه. بالتالي، فإن السقوط سيكون مدوياً أكثر. وما تعقيدات أزمة مطمر كوستابرافا سوى مثال بسيط على الأزمة التي يدخلها بعض المقاولين، حتى وإن حاولوا ترميم الصدع عبر دفع ثمن بعض المعدّات من حسابهم الخاص، كبادرة حسن نية لإنقاذ صفقة النفايات.

الواقع الحالي لقطاع المقاولات، لا يترك المجال أمام تطور شركات مقاولات تنطلق من بنى إقتصادية وإنمائية لتعمل في سوق طبيعية، يحكمها منطق العرض والطلب ومنطق التجهيزات والمواصفات الأفضل. بل يساعد على تطوير شركات- أدوات، تغذي سوق المضاربات التي تديرها أحزاب هدفها إما تغذية كانتوناتها الطائفية، أو كانتوناتها المالية. فتنشط شركات المقاولات لتطوير الفنادق والطرق والكهرباء ضمن مساحة جغرافية معينة، بهدف جذب المال ليخدم الإنتاج النقدي، لا الإقتصاد الوطني.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها