الإثنين 2017/01/09

آخر تحديث: 00:18 (بيروت)

انتخاب ونسبية أم تكريس أرجحية فئوية

الإثنين 2017/01/09
انتخاب ونسبية أم تكريس أرجحية فئوية
المعلن الانتخابي له مضمر واحد: تأمين الغلبة (علي علوش)
increase حجم الخط decrease

يتصدر نقاش قانون الانتخاب العناوين السياسية التي يتبادلها النسق الرسمي اللبناني، ويستجيب لهذا النقاش جمع من الأحزاب والجمعيات الأهلية، ولأن مسألة التمثيل النيابي تحتل مركزاً محورياً في استنباط الصيغ الأمثل لتأمين استمرار انتظام الحياة اللبنانية عموماً، فإنه من المهم تسليط الضوء على النقاش الدائر ضمن المستويين الرسمي الملقي والأهلي والمدني المتلقي، بما يفيد في الوقوف على الدوافع التي تقف خلف "الطرحين" الانتخابيين الإجمالين، وبما يساهم أيضاً، في تبديد بعض الأوهام التي يشترك في صناعتها وفي بثها، أولئك القابضون على زمام الحكم وأولئك المتواجدون في مطارح الاعتراض أو المعارضة.

من البداية، يجب القول إن من يروِّج للقانون الانتخابي، بكل صيغه المتداولة، يحتل موقعاً أهلياً طائفياً أو مذهبياً، صفته الأولى والأساسية الفئوية. إذن من نقطة الانطلاق: النقاش الانتخابي الفئوي محلي وموضعي. هذا الأمر ليس اتهاماً للقوى اللبنانية التي تتبادل الاقتراحات والمشاريع الانتخابية، بل هو ببساطة وبوضوح تعيين للقوى المشار إليها وتسميتها بالإسم، وربطها بما يحدد إسمها من نعت داخلي، وبما يتم التعرف إليها من ممارسات، هي بالتعريف وحتى تاريخه، ممارسات تتطلب الفوز بحصص داخلية، سياسية ومادية، في ظل آليات التقاسم والتناهب التي آل إليه الوضع اللبناني.

لذلك، ومن زوايا متعددة، صار النظام الانتخابي الذي سيحميه القانون، رهين توافقية داخلية واسعة وواضحة بين قوى "التنابذ"، وصار أيضاً معادلاً لوجود ونفوذ كل قوة أهلية على حدة، على معنى تكريس التفوق والغلبة أو الأرجحية لسياسية طائفية أو مذهبية معينة، أو على معنى تكريس التراجع في التراتبية أو التحجيم أو التهميش، لسياسيات طائفية ومذهبية محددة. هذه الحقيقة التي لا تلغيها كتابات حسن النيات، ولا تبعث على الإطمئنان وسائلها التوضيحية، معروفة من قبل الجميع، وما هو معروف معها أيضاً، هو أن السجال الذي يدور حول الوجود السياسي لكل قوة داخلية على حدة، أي حول معنى الوجود الوازن ذاته، إذ إن كل فريق لبناني يدرك إدراكاً جيداً، أن حضوره في المعادلة الداخلية ليس مرتبطاً فقط بوجوده المادي البيولوجي، بل هو مرتبط أولاً وأساساً، بالقدرة على تغذية المعطى البيولوجي بكل عناصر الديمومة السياسية التي تحيل فوراً إلى الشراكة في الغنم السلطوي وفي عائدات الصيغة اللبنانية المادية والمعنوية.

على ما تقدم، ينبغي القول إن الفئوي اللبناني الذي يحرص على تقديم ذاته بحلته الطائفية والمذهبية العامة، لا يستطيع أن يكون "عاماً" عندما يتعلق الأمر بالقانون الانتخابي، أو بالشؤون الوطنية الكلية. فئوية الفئوي الأهلية تنال من عموميته، فهذه الأخيرة ليست إلا وسيلة توظيفية، وطلبها من قبل من يناوئها إعلام تضليلي، ينضم إلى جملة "الكلام الملتبس" المجاملاتي الذي تتبادله أطراف الحياة السياسية الداخلية.

إذن، وبوضوح، لا يريد الفئوي القانون الانتخابي الذي يتضمن النسبية الكاملة، والذي يعتمد لبنان دائرة واحدة، لأنه يؤمن بالاندماج اللبناني، وبفتح السبل أمام سريان مفاعيله. الحقيقة أن القانون النسبي لا يتواءم وحالة الشرذمة التي كانت "قوى النسبية" اليوم، في طليعة من أدَّى إلى واقع وسيادة هذه الشرذمة، وعليه، فإن اجراءات كثيرة يجب أن تسبق كل قانون في السياسة وفي الاجتماع، وفي مفاصل السيرورة اللبنانية العامة.

هذا يحيل إلى ما يسمى أحياناً بـ"فذلكة" القانون، أي قانون، وبموجباته، ويطل على ظروف البلد التي أملته، أو التي جعلته واحداً من المخارج الضرورية لتطوير السياسة عموماً، أو للرد على معضلات وطنية ما، يرتبط الدخول إلى ساحة حلولها باقتراح وطني عام ذي جدوى وذي ملاءمة، وهذا كفيل بجعله مقبولاً من الأغلبية الكبرى من اللبنانيين. السؤال إذن ما الواقع اللبناني الحالي الذي يطرح عليه اقتراح اعتماد لبنان دائرة واحدة، والانتخاب على أساس النسبية؟ وما هو الانسجام والتداخل والاندماج الذي بات متحققاً بين اللبنانيين وما هي نواقص كل تلك المعطيات المشار إليها؟

على الجواب يمكن بناء القول إن هذا القانون أو سواه، بات ضرورياً، إما لدفع البلد خطوات إضافية إلى الأمام، أي خطوات تطورية وتطويرية، وإما لسد النواقص التي باتت جلية للعيان، وبات تجاوزها شرطاً لتقدم العملية الاندماجية اللبنانية.

كل ما يقدمه المشهد اللبناني يعاكس ما جرت الإشارة إليه، لذلك فإن المعلن الانتخابي له مضمر واحد: تأمين الغلبة وتكريس أرجحية فريق داخلي على فرقاء آخرين، لمرة نسبية واحدة. لماذا واحدة؟ لقد دلَّت التجارب العربية على أن الفئويين، إسلاميين أو ثوريين انقلابيين، يستخدمون الاستفتاء والديمقراطية لمرة واحدة، ثم يتابعون تكريس سيطرتهم بما يشاؤون من قوانين.

الأقرب إلى الصحيح اليوم، رفض منطق تكريس الأرجحية الظرفية بقانون ذرائعي تضليلي، والأقرب إلى الواقع صياغة قانون يراعي الهواجس المشتركة، ويقونن تساكنها... هذا حتى إشعار تساكني أكثر تقدماً، ينزل فيه اللبنانيون بهدوء... وأمان.

خارج النسق الرسمي، لا بد من نقاشٍ خاص، مع الأحزاب التي تأخذ ادعاءات الفئوية الانصهارية، ثم تبادر إلى ترويجها، بخليطٍ من الخطب التي تجمع شبه التحليل السياسي مع كثير من الأوهام.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها