الجمعة 2016/12/09

آخر تحديث: 00:11 (بيروت)

"العباءة الزينبية" في المدرسة الرسمية.. ممنوعة؟

الجمعة 2016/12/09
"العباءة الزينبية" في المدرسة الرسمية.. ممنوعة؟
القانون يلزم التلميذة إرتداء الزي المدرسي الموحد (Getty)
increase حجم الخط decrease
تشكّل العباءة السوداء التي تُعرف بالعباءة الزينبية، مادة للنقاش في شأن وجوب ارتدائها أو عدمه، من الناحية الشرعية. وإن كان النقاش في هذا الجانب يفتح الباب أمام آراء كثير من المدارس الفقهية الإسلامية عموماً، والشيعية خصوصاً، إلا أن حسم النقاش يصبح ضرورياً عندما يدخل السجال في شأن العباءة، المدارس الرسمية في لبنان.

اتساع رقعة التميّز في هذا الجانب، تتجاوز الاختلاف الفقهي في شأن العباءة، لتصيب مسألة الإلتزام بالقوانين، وضرورة تحقيق المساواة بين تلامذة المدارس.غير أن بعض أنصار ارتداء العباءة السوداء "في كل زمان ومكان"، يصرون على أن لها نوعاً من "الحصانة" تشفع لدخول من ترتديها المدارس ومخالفة الزي الموحّد. وهذا ما حصل في مدرسة دير قانون رأس العين الرسمية، في منطقة صور. فقد طلب مدير المدرسة، حسين سقلاوي، من التلميذة فاطمة فاضل (13 سنة) الإلتزام بالزي المدرسي الموحّد (المريول) أسوة بباقي التلاميذ، أو ارتداء مريول طويل فوق العباءة، إذا كانت مصرّة على ارتدائها اثناء الدوام المدرسي.

غير أن طلب المدير سرعان ما تحول معركة دينية على موقع التواصل الإجتماعي "فايسبوك"، بالإستناد إلى ما رواه الشيخ يوسف.س، المقرب من عائلة التلميذة. إذ كتبت صفحة تطلق على نفسها إسم "شياح نيوز أوفيشل" Chiah news official أن سقلاوي استدعى التلميذة فاطمة أحمد فاضل، من بلدة المالكية، "وطلب منها أن لا تأتي إلى المدرسة بالعباءة". واعتبرت الصفحة أن قرار المدير "مخالف للقانون اللبناني"، مشيرة إلى أن "المدير أعطى الأب مهلة أسبوع لتخلع التلميذة العباءة". ما إضطره إلى نقل ابنته إلى مدرسة أخرى. ووضعت الصفحة القضية برسم "كل الغيارى على الدين وأهله"، متذرعة مرة جديدة بأن النظام اللبناني هو "نظام علماني".

لكن الصفحة نفسها، عادت لتؤكد أن "ما ورد في الخبر نقلاً عن الشيخ، عار عن الصحة، ووالد الطفلة هو من طلب مهلة الأسبوع وليس المدير". أضافت الصفحة أن المدرسة "حريصة كل الحرص على أن تكون الفتيات بالتحديد يتمتعن بالإلتزام وبالأخلاق الحميدة، وأن كل ما هنالك هو أن المدير طلب من التلميذة ارتداء الزي المدرسي".

تجدر الإشارة إلى أن سقلاوي لم يطلب نقل التلميذة إلى مدرسة أخرى، مؤكداً أنه كان في الإمكان الوصول إلى حلّ ما، فيما لو أن الأهل ناقشوا الموضوع معه، لكنهم سارعوا إلى إلحاق ابنتهم بمدرسة أخرى.

لم تقف القضية عند هذا الحد، إذ أوصلها الشيخ، بالتعاون مع جهات حزبية نافذة في المنطقة، إلى المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وفق سقلاوي لـ"المدن". وتتالت بعد ذلك الاتصالات، "إلا أن المجلس تفهّم الموضوع". ويشير سقلاوي إلى أن ما حصل، ليس سوى محاولة لتدارك عدم تذرع أي تلميذ أو تلميذة بوجود تلامذة لا يلتزمون بالزي الموحّد، فالسماح لتلميذ بعدم ارتداء المريول، تحت أي حجة، يعني السماح لبقية التلاميذ بذلك، لأن كل تلميذ قد يقدم عذراً منطقياً بالنسبة إليه ولأهله.

قابل حجة سقلاوي تأييد من مدير مدرسة "القليلة" الرسمية، الذي اتصل به أهل الفتاة، في محاولة لنقل ابنتهم إلى المدرسة. لكن المدير وافق على استقبال الفتاة شرط الإلتزام بالزي المدرسي، وليس العباءة السوداء، وفق والدة الطفلة، عُلا حمدان، التي توضح في حديث إلى "المدن" أن "الموضوع إنتقل إلى الشيخ بواسطة أحد الأقارب، الذي علم بالقصة". مع الإشارة إلى أن "فاطمة أبلغتنا بقرار المدير، لكننا لم نظن بأنه جدّي. لكن خلال اجتماع للأهل بعد بضعة أيام من القرار، كرر المدير طلبه. وطلب والد الطفلة من المدير أن يمهله أسبوعاً ليرى ما يمكن فعله، فأعطاه المدير مهلة 10 أيام".

الأم برّأت سقلاوي من التهمة المحصّنة بحجة دينية، لكنها أدانته بأنه يمنع الفتاة من ارتداء "العباءة الزينبية المقدسة".

بين القدسية وعدمها، يقبع رأيان يعمّقان النقاش ويحسمانه في الخلاصة. رأي وزارة التربية ورأي السيد جعفر فضل الله، نجل العلامة الراحل السيد محمد حسين فضل الله.

تشير مصادر الوزارة لـ"المدن" إلى أن الوزارة "تتغاضى أحياناً عن لبس العباءة في المدارس الرسمية، مراعاةً للمجتمع، لكن إذا تخطى الموضوع الحدود الفردية، وشكّل ظاهرة في المدرسة، فيحق للمديرين فرض الزي الموحّد بالإستناد إلى قانون المدارس الرسمية".

ويؤكد فضل الله في حديث لـ"المدن" أن الإسلام "لديه معايير شرعية لشكل اللباس، وهي أشبه بعناوين عامة، تلزم بأن يكون اللباس فضفاضاً، غير شفّاف، ولا يُظهر مفاتن المرأة أو يظهر جسدها بطريقة تثير الغريزة الجنسية". بمعنى آخر، لا يحدد الإسلام شكلاً أو لوناً معيناً للزي الشرعي. فكل ما يرد تحت العناوين العامة، هو لباس شرعي.

لكن في الواقع، يقول فضل الله، "تدخل عوامل كثيرة في مقاربة موضوع اللباس، وأهمها الجانب السياسي والثقافي والإقتصادي، ويصبح اللباس الشرعي حالة تعبير عن الخيارات الشخصية للناس، في حين أن الدين يعطي معايير فقط".

وفي الجانب المتعلق بالمدارس، يوضح فضل الله، أن "علينا النظر إلى تأثير ارتداء العباءة في المدارس على علاقة الطلاب بين بعضهم ونظرتهم لمن ترتدي العباءة. بالإضافة إلى إذا ما كانت العباءة تعبّر عن إلتزام حزبي أو إنتماء إلى جماعة. وهذا ما ينتشر في المجتمع عادة، بحيث تأخذ العباءة أحياناً بُعداً أكبر من البعد الديني". يضيف: "العباءة أحياناً تعكس واقعاً إقتصادياً، من ناحية أن أغلب الناس قد لا تكون قادرة على شراء العباءة، وتكتفي بارتداء الحجاب العادي، غير المكلف".

أما اختلاف وجهات النظر في شأن العباءة، فيعود برأيه إلى أن "الحُكم على ارتداء العباءة يعود إلى المناهج المختلفة في مقاربة الموضوع. فهناك بعض رجال الدين يقاربون الموضوع انطلاقاً من ناحية واحدة، هي الحلال والحرام. في حين أن هناك نواحي عديدة يجب أخذها بعين الاعتبار".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها