السبت 2015/07/18

آخر تحديث: 13:57 (بيروت)

خبايا العهد -1: الأسد لسليمان.. العبسي قتل و"إنسى القصة"

خبايا العهد -1: الأسد لسليمان.. العبسي قتل و"إنسى القصة"
الأسد حاول رسم خط أحمر للجيش في البارد (علي علوش)
increase حجم الخط decrease
سريعاً إنتقل ميشال سليمان من الميدان العسكري إلى القصور والمجالس السياسية، في المنزلتين كانت الأوضاع في لبنان تفرض مبدأ التسويات والمساومات، ارتقى من قيادة الجيش إلى الموقع الأول في الدولة، وما بين الموقعين محطات وانعطافات أمنية كان أحد المشاركين فيها أو ربما أحد صانعيها.

على حلقتين تحاول "المدن" العودة إلى عهد سليمان من اليرزة إلى بعبدا، في محاولة باحثة عن خبايا العهد وما قبله، لا سيما الأمنية منها بعيد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، وتظاهرة 14 آذار في العام 2005، وأحداث نهر البارد، وأحداث 7 أيار 2008، إلى السياسية (الحلقة الثانية) المجبولة بالأمن وخصوصاً العلاقة ببشار الأسد و"حزب الله"، التي توترت في منتصف عهده بعد أن إندلعت ثورات الربيع العربي الذي لفح سوريا.

يستعين سليمان بدفتر مذكرات صغير لتذكر المحطات التي مر بها من الجيش إلى رئاسة الجمهورية. يقلب الصفحات لتذكر التواريخ والأحداث، ينتقي ما يريد منها، لكن صفحة العام 2005، تبدو الأكثر دسامة في مشواره الأمني – السياسي.

في هذه المرحلة، تغير الحراك السياسي في البلد، كان الجيش صمام أمان وعلاقته ممتازة بالسوريين، على عكس فريق لبناني بدأ يتكون في "البريستول". المحطة الفصل كانت 14 شباط 2005، يقول سليمان لـ"المدن" عنها أنه بعيد إغتيال الرئيس رفيق الحريري تقلّصت العلاقة مع الأسد، وقلّت الإتصالات، لكنها بقيت مبنية على الاحترام. وفي توصيفه للإغتيال، يقول: "كان هناك خلاصة قوية، واتجهت الأنظار إثرها باتجاه النظام السوري، لا سيما أننا سمعنا الكثير من التهديدات بحق الحريري، مع إبقاء إحتمال ضئيل باتهام المتطرفين الإسلاميين، لأن الحريري وقف وقفات داعمة للجيش بمواجهتهم، وأبرزها قضية الضنية".

في العودة الى الضنية وأحداثها، يستذكر سليمان أن "حزب الله" لم يعط أي موقف داعم للجيش، وحينها توجه إلى الحزب بسؤال عن عدم الدعم، طالما أن الحريري دعم الجيش، فكان الجواب أن الحزب لا يحبذ الدخول بهذه المسألة حرصاً على الحساسيات وكي لا يتحول الأمر إلى "سني – شيعي".

تسارعت الأحداث بعيد الإغتيال، استقالت حكومة الرئيس عمر كرامي، "شباب المعارضة" في الشارع ضغطاً، والجيش يسير بين النقاط حفاظاً على الأمن. كانت المحطة الفصل في تظاهرة 14 آذار من العام 2005، "استطاع الجيش خلالها حماية لبنان"، كما يقول سليمان، على الرغم من "أوامر السلطة السياسية برئاسة الرئيس السابق اميل لحود كانت تملي علينا قرارات بمنع التظاهرة، مهما كلّف الأمر". يكرر سليمان ما بات معلوماً: "تلقيت اتصالاً من لحود قال فيه، إن لم تستطعوا تفريقهم بالحسنى فليتم التفريق بأعقاب البنادق"، لكن سليمان أجابه: "فخامة الرئيس، هذه خبرية قديمة، عمرها مئة سنة، لا وجود اليوم لهذا الأسلوب في قمع التظاهرات".

ثمة شيئ لم يكن مفهوماً بالنسبة لقائد الجيش حينها، وهو طريقة تعاطي المخابرات السورية مع الأمر، وعلى رأسهم رئيس جهاز الأمن والإستطلاع في لبنان اللواء رستم غزالي، الذي كان من أكثر المتحمسين لمنع التظاهرة بالقوة، لكن الغريب أنه بعد انتهاء التظاهرة، تلقى سليمان اتصالاً من غزالي، باسم القيادة السورية، وقدم له الشكر باسمها على حماية لبنان وسوريا، حينها استغرب سليمان الأمر، وتساءل سراً: "هل يمزح معي؟"، خصوصاً أنه "طوال اليوم كانت تأتي الإتصالات إلى مكتب مدير المخابرات تطالب بالقمع واستخدام القوة"، يضيف: "كان الإتصال كثير الغموض".

يكرر سليمان مراراً في حديثه عن تلك الحقبة أن "الجيش نجح بحماية لبنان وسوريا معاً". يقول ذلك محاولاً الإضاءة على المخاطر واللحظة الدقيقة التي كان لبنان يمر بها، وسوريا أيضاً، يقول في تعبير أقرب الى المعلومات: "لو فشل الجيش في حينها كانت الفانتوم (طائرة عسكرية) هي التي ستنفذ القرار 1559".

بعيد إعادة انتخاب الأسد في  العام 2007، أجرى سليمان اتصالاً بالأسد لتهنئته، عاجله الأخير بالسؤال عن أحداث نهر البارد، فأوحى له وكأنه "لا لزوم لتكبير الأمر"، وقال له إن "الجميع متكل على حكمة قائد الجيش"، فسر سليمان سريعاً "الحكمة" بضرورة عدم استخدام القوة أو العسكر، وبمعنى آخر حاول الأسد رسم ما يشبه الخط الأحمر، لكن سليمان شرح وجهة نطره قبل إنتهاء المكالمة، وطلب بضرورة ضبط العناصر الفلسطينية الموالية لسوريا داخل المخيمات كي لا يتحركوا، لكن الأسد رد بالقول: "حين يقومون بأي عمل سأتحرك"، قبل أن يعود سليمان ويلح بضرورة التحرك "قبل أن يفعلوا شيئاً"، وبالفعل بقيت المخيمات هادئة.

ولكن ماذا عن شاكر العبسي وأين أصبح؟ وكيف انتهت قضية البارد؟ ينتقل سليمان من سرد الوقائع الى التحليل. يقول إن هناك إحتمالين إما أن يكون قد قتل في المخيم ولم تعرف جثته أو استطاع الهرب والتوجه إلى سوريا. ولكن كيف استطاع الهرب؟ يرجح سليمان إنه ربما استطاع الهرب بين نقاط التقاء الأفواج خصوصاً أنهم حفروا خنادق تحت الردم، جازماً أنه "لم يكن هناك مؤامرة لتهريبه خصوصاً أن قادة الأفواج في حينها معروفون". ثم يعود سليمان إلى الوقائع مشيراً إلى أنه سأل الأسد بعد المعارك عن العبسي فأجابه بأنه قتل، وحين طلب تفاصيل قال له: "خلص انسى القصة .. قتل".

وحدها أحداث 7 أيار 2008، التي ولد سليمان من رحمها رئيساً للجمهورية، تبدو الأكثر سوداوية في دفتر ذكريات سليمان. يحاول قدر الإستطاعة التجنب الدخول في دهاليزها. يرفض أي حديث عن تهديد ضباط في حينها بالإستقالة، ويحصرها بضابط فقط عاد عن قراره. وسط كل ذلك تبقى هذه الأحداث فق توصيف سليمان  كارثة إجتماعية"، لأن "أي جيش في العالم لا يمكنه توقع حصول ما حصل"، ويعترف على الرغم من محاولات "ضبط الوضع"، أنه "في الأيام الثلاثة الأولى كانت الصدمة أكبر من أي شيء".

ملاحظة: في الحلقة الثانية التي تنشر غداً الأحد في 19 تموز يتحدث سليمان عن علاقته ببشار الأسد و"حزب الله".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها