الثلاثاء 2014/09/30

آخر تحديث: 21:33 (بيروت)

تجارة السلاح: تاريخ لبناني ..يتجدد

الثلاثاء 2014/09/30
تجارة السلاح: تاريخ لبناني ..يتجدد
السلاح اليوم أداة الراكضين إلى الموت من الجهات كافة (المدن)
increase حجم الخط decrease

لم تكن البنادق بهذه الكثرة أول الحرب الأهلية في لبنان قبل أربعين عاماً.. لم تكن متنوعة بهذا الشكل كما هي الآن.. ومن كانوا يحملون السلاح من غير الجيش اللبناني لم يكونوا قليلي العدد، ولكن أسلحتهم لم تكن بقوة وحداثة أسلحة هذه الايام.

 

هذه الأيام تدور أحاديث حول ضرورة تسليح عدد من المناطق اللبنانية المواجهة لمحاور تمدد تنظيم داعش. المتحمسون للفكرة لديهم أسبابهم المتعلقة بحماية ارواح الناس ومنع قتلهم وكذلك الحاجة إلى "قوى شعبية" تساند الجيش في عملياته الأمنية والعسكرية.

 

الرافضون للفكرة لديهم أسبابهم الوجيهة لرفض توزيع السلاح، إذ يرون أن الحرب الأهلية تبدأ فعلياً في اللحظة التي ينتشر السلاح بكثافة تحت مسميات الحماية وغيرها. ويشيرون إلى أن حصرية السلاح بيد الجيش مع استثناء "حزب الله" تبقي للدولة حقوق على المواطنين تمنع انفلات الأمور واشتعال حروب داخلية غير محسوبة.

 

ولكن حتى الآن كما يبدو فإن السلاح ينتشر وأسعاره تتبدل صعودا ونزولا حسب الشراء والمبيع. ولكل مرحلة من الحرب والسلم قصص لتجار السلاح يروونها كأنهم يستعيدون مشهد الراوي في المقاهي الشعبية.

 

في بدايات الحرب الأهلية وصلت سفينة تنقل سلاحاً من تشيكوسلوفاكيا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، كان ذلك في العام ١٩٧٧. كانت القوات السورية تطيح مواقع القوات المشتركة للحركة الوطنية اللبنانية والمقاومة الفلسطينية من البقاع إلى ضهر البيدر وصوفر وبحمدون بعد معارك عنيفة.

 

في تلك اللحظة من الحرب لم يكن هناك من مجال لاستعمال هذا السلاح حسبما يقول الراوي، المنطقة الجغرافية التي تسيطر عليها منظمة التحرير وحلفاؤها صارت أصغر، والسلاح الموجود صار زائداً عن المطلوب للاستعمال. وأمام التقدم الذي يحرزه الجيش السوري فلا مجال لتفريغ السفينة في مناطق الغربية، لأنها قد تقع لاحقاً بيد الجيش السوري ويبيعها ضباطه في السوق السوداء.

 

ولذلك فإن قائد منظمة التحرير ياسر عرفات، اتصل يومها بعدوه وعدو المحور الوطني والإسلامي العروبي رئيس الجمهورية السابق كميل شمعون وهو قائد في الجبهة اللبنانية ورئيس حزب الوطنيين الأحرار عارضاً عليه وعلى الشيخ بيار الجميل رئيس حزب الكتائب شراء السلاح الموجود في الباخرة بسعر جيد نسبة لسعر السوق. فاشترى محور الجبهة اللبنانية السلاح من محور العروبة، واستطاعت منظمة التحرير أن تحسن وضعها المالي بينما تجهز محور الشرقية أكثر بسلاح من بلاد التشيك، والرفاق في المنظومة الاشتراكية.

 

قصة تجارة السلاح بين هذين العدوين ليست الوحيدة التي مرت في الحرب اللبنانية أو في حروب أخرى، فالسوق كانت مفتوحة، والتجار كثر من كل المناطق والأحزاب، هم الوحيدون القادرين على عبور خطوط التماس في اسوأ الظروف.

 

في الأعوام الأخيرة وبعد اشتعال الحرب الأهلية في سوريا بين مقاتلي المعارضة والنظام والمتطرفين، تحولت تجارة السلاح إلى سوق كبيرة جداً تبادل فيها الباعة اللبنانيون مع تجار من سوريا أسلحة بمليارات الدولارت وبشكل غريب جداً عن أي حرب أخرى، فسعر الكلاشينكوف انتقل من ٥٠ دولاراً للقطعة الواحدة مع جعبة وثلاثة مماشط وتسعين طلقة إلى ٣ آلاف دولار، هبط السعر لاحقاً إلى ألفين وخمسمائة دولار ليعود ويهبط لاحقاً إلى حدود الألف دولار.

 

أشهر تجارة عاشها هذا السوق في بداية الحرب السورية هي بيع ابن أحد القياديين الحزبيين المعادين للثورة في سوريا ٨٠٠ قطعة كلاشينكوف صينية الصنع إلى أحد التجار وبسعر ١٥٠٠ دولار أميركي للقطعة، كانت البنادق ذات رقم متسلسل. في إحدى معارك حمص استطاعت قوات الأسد الحصول على ٣ بنادق بعد مقتل حامليها. اتصلت دمشق بالصين التي ردت ان السلاح مباع لأحدى الدول الحليفة، التي ردت أيضاً أن السلاح موجود في مستودعات حزب لبناني حليف.

 

المهم في القصة أن تجار السلاح قد يبيعون أي شيء، حتى لعدوهم، فالسلاح حاجة ضرورية مثل الطعام والشراب، ولكن هناك أنواعاً من الأسلحة لا يمكن بيعها حتى لو دفع مليارات الدولارات مقابلها، وخصوصاً الأسلحة النوعية التي تسقط الطائرات أو التي لديها مفعول مدمر مثل الأسلحة الكيميائية.

 

كان السلاح اللبناني أول الحرب يتكون من ثلاث قطع رئيسية وهي "السيمونوف" و"الدكتريوف" و"الكلاشينكوف"، وكلها أسلحة من زمن الحرب العالمية الثانية أو بعدها بقليل، كانوا قلة من الناس يحملون خلال العامين الأولين للحرب بنادق "الكلاشينكوف" لندرتها. وكذلك لعدم وجود تجار يستطيعون الحصول على كميات كبيرة منها، لكن في السنوات اللاحقة للجولات الأولى للحرب اختفت بدقية "السيمونوف" ومعها "الدكتيروف"، ليحل "الكلاشينكوف" أولاً ومعه رشاش "بي كي ام" ذو "الشرشور" الطويل والطلقات السريعة جداً، الذي يستعمل للمجموعات الصغيرة لسهولة نقله. بعد سنوات قليلة من بداية الحرب اختفى رشاش "الدوشكا" الروسي، وهو سلاح متوسط من عيار  ١٢.٧ ملم، خرج من معادلة الحرب الأهلية وحل مكانه رشاش ١٢.٧ الأميركي الذي يعتبر أسرع في الرماية.

 

تبدلت الأسلحة وتغيرت ولكن بقي سلاح وحيد في الحرب والسلم سيداً للمعارك وهو "الكلاشينكوف" وذلك لأسباب عديدة، منها كثرة أعداده وكذلك سهولة استخدامه في الفك والتركيب لتنظيفه، وسعره الرخيص. أفضله هو الروسي الموصوم بدائرة وسطها الرقم 11. وسبب تميزه يتعلق بتحمله للغبار والرمال فلا "يروكب" وكذلك تحمله لحماوة الإطلاق، ما يمكن المقاتل من استعماله لوقت أطول.

 

في الحرب غنى الكثيرون للسلاح، ولكن "الكلاشينكوف" كان السلاح المميز في الأغاني، هو اليوم أداة الراكضين إلى الموت من الجهات كافة. يحضرونه لقتال بعضهم تحت شعار الدفاع عن النفس. و"خللي السلاح صاحي".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها

الكاتب

مقالات أخرى للكاتب