الخميس 2014/06/12

آخر تحديث: 18:43 (بيروت)

مفتٍ أول خلال شهر ..والثاني في آب!

الخميس 2014/06/12
مفتٍ أول خلال شهر ..والثاني في آب!
معركة كسر عظم: غالب ومغلوب (الصورة: المدن)
increase حجم الخط decrease

لا تزال المعركة في دار الفتوى تخاض بالحديد والنار لإنتخاب مفتٍ جديد يتولى زمام الأمور المعقدة بعد إنتهاء ولاية المفتي الحالي محمد رشيد قباني في منتصف أيلول المقبل. دق سكان عائشة بكار سريعاً الحديد، فدعوا إلى إنتخاب مفتٍ في 31 آب المقبل، مستندين الى التعديلات الأخيرة التي أدخلها المجلس الشرعي غير القانوني. حديد قباني قابلته نار مفتوحة من مسجد محمد الأمين الذي عقد فيه اجتماع طارئ للمجلس الشرعي خلص الى الطلب من رئيس الحكومة تمام سلام الدعوة الى إنتخاب مفتٍ جديد قد تكون خلال مدة أقصاها الشهر.

 

صباح الخميس، بدت الأنظار كلها مشدودة الى دار الفتوى. إجتماعات للطرفين. إتصالات. مشاورات. الحرب بدأت، المهل تضيق، والطرفان وضعا أوراقهما على الطاولة. السيناريو الأول والأخير يشير الى حتمية إنتخاب مفتيين. يتسلح الفريق الأول بالقرارات القضائية وتحديداً مجلس شورى الدولة ليؤكد أن المفتي الذي سينتخبه سيكون الوحيد الشرعي والمعترف به من قبل الدولة اللبنانية، ويتسلح فريق قباني بإستنفار ديني وسياسي واللعب على وتر شرذمة الصف الإسلامي والضغط لإبرام صفقة في الوقت الضائع.

 

في عائشة بكار، جلس قباني مستقبلاً المزيد من المشايخ للتأكيد على شرعيته ووجوده. خارج الدار كانت ثلة من المشايخ والسياسيين الذين يدورون في فلك قوى "8 آذار" يتناوبون على الهجوم. اغلبهم صوب بإتجاه "تيار المستقبل" والرئيس فؤاد السنيورة ورئاسة الحكومة من دون تسمية الرئيس سلام إستكمالاً لخطاب المفتي أمس الأربعاء. كلهم حيدوا الرؤساء الآخرين، نجيب ميقاتي وسعد الحريري وعمر كرامي، رغم أن القرار المتخذ شملهم جميعاً، رغم تعويل البعض على تمايزاتهم السياسية.

 

بين التصعيد، اختتم قباني خطواته الفعلية مع اصدار المدير العام للأوقاف الاسلامية الشيخ هشام خليفة دعوة الى "انتخاب مفتي جديد للجمهورية اللبنانية من صباح يوم الاحد في 31 اب 2014 في بهو دار الفتوى". دعوة استندت الى التعديلات الأخيرة التي اتخذها المجلس المؤيد للمفتي والذي سحب من رئاسة الحكومة حق الدعوة الى الإنتخابات ومنحتها إلى مدير الأوقاف.

 

أقل من ساعة ورد المجلس الشرعي بعد إجتماع استثنائي عقده في مسجد محمد الأمين بالطلب من رئيس الحكومة، بصفته رئيساً لمجلس الإنتخاب الإسلامي، وفي خطوة استباقية "دعوة المجلس بأقصى سرعةٍ ممكنة لانتخاب مفتٍ للجمهورية وفقاً لنص المادة /8/ من المرسوم الإشتراعي رقم 18/1955 "درءاً للفتنة، ووفقاً للأصول القانونية". مصادر مطلعة لا تخفي ان الإنتخابات ستكون سريعة جداً، وتلمح الى احتمال قوي جداً أن تتم في أقل من شهر.

 

المجلس الشرعي إنطلق في قراره هذا من شرعيته القانونية، مذكراً بأنه "الوحيد الذي له صفة وصلاحية اتخاذ القرارات والتدابير والتعليمات وسلطة إصدار النظم والإجراءات". هذه المقدمة القانونية، التي فندها المجلس في بيانه، أرادها للتأكيد على أن "جميع الخطوات والقرارات الصادرة عن مفتي الجمهورية والمجموعة التي تنسب إلى نفسها صفة أعضاء المجلس الشرعي هي خطوات وتصرفات وقرارات عديمة الوجود بحكم انعدام صفة وصلاحية الجهة التي أصدرتها".

 

وفي إطار الحرب الكلامية المستعرة، رد المجلس بنبرة عالية على نبرة قباني بالأمس، معتبراً أن "المسار الذي انتهجه والمجموعة التي انتظمها من حوله يتعارض مع مسيرة دار الفتوى وبات يشكل إمعاناً متعمداً في التمرُّد والإنقلاب على مفهوم الدولة والمؤسسات وطعناً بمبدأ الشرعية، ويرمي إلى الانخراط والانغماس في مخططٍ سياسي مريب للنيل من وحدة السلمين وزرع الفتنة والفوضى".

 

في أروقة المجلس الشرعي إطمئنان الى عدم قدرة المفتي تكرار تجربة وجود مجلسين شرعيين عبر انتخاب مفت آخر. تقول المصادر إنه متى تم تنصيب المفتي الجديد وترسيمه في ضوء انتخابه بمرسوم يصدر عن رئاسة الحكومة فلا مجال للمفتي تكرار لعبة المجلس الشرعي لأن المسألة معنية برئاسة الحكومة مباشرة بموجب الصلاحيات القانونية المعطاة لها ولأنه بذلك يخالف مرسوماً جمهورياً، وحتى إن انتخب مفتي آخر فهو قانونياً غير شرعي، وغير معترف به من قبل الدولة التي ستعترف بالمفتي الذي ينتخب وفق قرارات المجلس الشرعي وعلى اسس قانونية مستندة الى الشرعية وعلى اطار شكلي دستوري جمهوري صحيح".

 

بعيداً عن القوانين، حل خطاب المفتي أمس الأربعاء بكثير من الإستياء على أوساط رؤساء الحكومة السابقين والحالي وعلى القيادات الإسلامية. عضو المجلس الشرعي محمد المراد رد عبر "المدن" معتبراً أن "المفتي الذي يهدد ويتوعد السراي بات من الماضي وفقد في مكان ما جزءاً كبيراً من ادراكه وبات يستحق ان يسقط عليه علة نقصان الأهلية والإدراك"، مشيراً إلى "خلفية معينة يسعى الى تنفيذها لإحداث ارباك على مستوى الطائفة وشرخ وفتنة خدمة لأهداف بعيدة". المراد لا يستغرب قول المفتي أنه أقوى من السراي "فهو أقوى لأنه يترأس سرايا المقاومة، ونتيجة شعوره بقوة هذا السرايا أصبح يتحدى السراي الحكومي".

 

كل البيانات والخطابات والإجراءات والإستنفار من قبل الطرفين تشير الى أن معركة "كسر العظم" انطلقت. "الإدرينالين" ارتفع في دم المتخاصمين. كان أكثر ارتفاعاً لدى قباني الذي يشعر أن المهلة الفاصلة عن مغادرته تدنو، وأنه في موقع الأضعف قانونياً وشرعياً وسياسياً وشعبياً. الأكيد أن الأشهر المقبلة ستكون على درجة عالية من الحماوة وأن "الصفقة" التي روج لها قباني مؤخراً أصبحت مستحيلة. المعركة الأخيرة إنطلقت وفق مبدأ غالب ومغلوب.

increase حجم الخط decrease