الخميس 2014/07/24

آخر تحديث: 18:41 (بيروت)

إنشقاق سعد الدين

الخميس 2014/07/24
إنشقاق سعد الدين
الجندي المنشق عن الجيش اللبناني
increase حجم الخط decrease
لم تكن سوى مسألة وقت قبل ان تظهر على مؤسسات الدولة اللبنانية لا سيما الامنية منها مظاهر التوتر المذهبي وسط الزلزال السني الشيعي في المنطقة. 

الأربعاء، صدم اللبنانيون وهم يتابعون تسجيل فيديو يظهر فيه العريف عاطف محمد سعد الدين يُعلن فيه انشقاقه عن الجيش اللبناني، وأظهر بطاقته العسكرية، معلناً انه كان يخدم باللواء الثامن بين عرسال واللبوة، في البقاع اللبناني. 

حاول الاعلام المحلي، لا سيما المكتوب منه، طمس الخبر الى حدود عدم ذكره بعد ان رآه كل اللبنانين على الشاشات. المؤسسة العسكرية بدورها سربت عبر مصادرها ما يساهم في تهميش هذا الانشقاق بوصفه استثماراً من قبل العريف المنشق في حالة فرار روتينية حاول ان يصنع من نفسه بطلا فيها.

كل ذلك لا يهم. وان كان بعضه صحيحاً ربما. ولا استغرب ان يستثمر فصيل اسلامي في العريف الفار لصناعة مشهد انشقاق، فيه كل مفردات انهيار المؤسسات والدولة في محيطنا، من طريقة التصوير الى اظهار البطاقة العسكرية امام الكاميرا الى الجلوس امام علم جبهة النصرة وصولا الى معانقة ملثم من اعضاء الجماعة في ختام المطالعة.

لنفترض ان كل ذلك مفبرك. الا انه لا يلغي "نص" عاطف محمد سعد الدين. وهو ما ينبغي التوقف عنده. فالرجل الذي بدا متماسكاً في "نصه" قال كلاماً لا يفتقر الى الشعبية في بيئات لبنانية كثيرة، تهمس سراً بما اعلنه سعد الدين. يقول الشاب، انه "انشق عن الجيش اللبناني لانه كما كل عسكري في الجيش اللبناني نعرف ان الجيش هو أداة بيد "حزب الله" ويتلقى الاوامر منه"، مضيفاً ان "الجيش يقيم حواجز في المكان الذي يريده الحزب وجميع الضباط هم تحت امرة الحزب". ويتابع: "الجميع يعلم المضايقات التي يتعرض لها اهل السنة في لبنان، يقيمون حواجز ويضيقون ويخنقون المناطق السنية فيما لا أحد يجرؤ على اقامة حاجز في الضاحية الجنوبية الا اذا اعطى الحزب أمراً".


يقول أيضاً: "الشاب السني يتم توقيفه على حاجز بسبب اقتنائه سكين ويسجن، في حين ان الآخرين يمرون على الحواجز حتى لو كان بحوزتهم صاروخ وذلك بحجة المقاومة"، ويلفت الى ان من الاسباب التي ادت الى انشقاقه ان "شبابنا يدخلون السجون لأسباب تافهة ويبقى اكثر من 5 سنوات دون حكم، بينما الذين فجروا النواب الوزراء لم يُحاسبوا او يُحاكموا". ويتابع: "هناك 11 الف مذكرة توقيف بحق ابناء طرابلس في وقت انه بالضاحية لا يوجد 11 مذكرة".

يوجه العريف المنشق رسالة الى العسكريين والضباط من "أهل السنة"، قائلاً: "تعرفون ان الأوامر نتلقاها من الحزب بحجة الارهاب الذي يتحدثون عنه، لا تهتموا براتب آخر الشهر، فكّروا بدينكم لانه سيحل بكم مثلما حصل في سوريا". ثم يسأل: "أحداث 7 آيار والدخول الى المنازل في بيروت، وقتل النواب والوزراء ورفيق الحريري وأحداث عبرا واعتقال المشايخ والشباب لا تعتبر ارهاباً؟".

ظروف الانشقاق وتفاصيله وسياقه تتراجع أهميتها امام "نص" مماثل، أكان هذا نص سعد الدين ام كان سعد الدين مجرد ناطق به. وهو يعبر عن اعلى درجات الاحتقان الحقيقي والواقعي بسبب شعور بيئات أساسية في لبنان ان حزب الله يهيمن على الدولة وقرارها ومؤسساتها لا سيما الامنية. والأخطر انه يعبر عن ضيق متنامٍ من عجز خطاب الاعتدال عن اقامة نوع من التوازن في وجه حزب الله. 

ليس تفصيلاً في هذا السياق ان يطالب وزير داخلية لبنان نهاد المشنوق، وهو المشهود له باعتداله وحكمته وسعة معرفته، بعد ساعات فقط من شريط سعد الدين، بتصحيح الخلل في الخطط الامنية في لبنان وتطبيقها بعدل ومساواة، رافضاً معادلة ان يكون هناك "إرهاب بسمنة وإرهاب بزيت". فهل علينا ان نصدق أيضاً ان ثمة من "يُشغل" وزير داخلية لبنان ام ان الرجل يعبر صدقاً ومن موقع رجل الدولة عن وقائع تسند بعضاً مما قاله او قيل على لسان العريف سعد الدين. 

الحقيقة ان حادثة انشقاق سعد الدين ليست الاولى في سياق الاعتراض على هيمنة دويلة حزب الله على الدولة اللبنانية. فبعد احداث ايار ٢٠٠٨ حين اجتاحت ميليشيات حزب الله وحلفائه العاصمة بيروت ومناطق درزية في جبل لبنان نأى الجيش اللبناني بنفسه عن الاحداث ووقف الى حد كبير موقف المتفرج، وهو ما لم يمر من دون تداعيات.
 
في اثر هذه الاحداث استقال ضابطان سنيان مهمان من الجيش هما العقيد عميد حمود ومساعد مدير المخابرات العميد غسان بلعة، وسط مناخات تنامت في تلك الفترة عن تقديم او تلويح عشرات الضباط السنة بالاستقالة من الجيش احتجاجاً على موقفه الميداني. وفيما أصر حمود على الاستقالة أمضى بلعة العمر القصير المتبقي له في السلك مستشاراً لرئيس الجمهورية. 
وتكشف برقية للسفارة الاميركية في بيروت تحمل الرقم "80Beirut661" سربها موقع ويكيليكس التالي: 
 "في اجتماعين عقدا يوم الأحد، في 11 أيار (مايو ٢٠٠٨)، مع مسؤول سياسي في السفارة الاميركية في بيروت، قال قائد الجيش اللبناني العماد ميشال سليمان (انتخب رئيساً بعد هذه الاحداث) أن بعض الضباط كانوا يأتونه والدموع في عيونهم لتقديم استقالاتهم. وكان رئيس الاستخبارات العقيد غسان بلعة، ضابط في الجيش اللبناني ومسلم سنّي، وهو مقرب جداً من رئيس الوزراء فؤاد السنيورة، أول من تقدم باستقالته. وقدم الضابط السني البارز في الجيش اللبناني، قائد المنطقة الشمالية العميد عبد الحميد درويش استقالته أيضاً. واجتمع سليمان مع كل من الضابطين وطلب منهما عدم الإستقالة".

ووفقاً لسليمان، تضيف البرقية "فإنه أثار فيهما وطنيتهما والتزامهما تجاه الجيش اللبناني كي لا يقبل استقالتهما. واعترف سليمان بأن الضباط السنّة والدروز، ومجتمعاتهم المذهبية، أُهينوا بسبب الأحداث الاخيرة. وأعاد سليمان إلى ذهن الضابطين، الفترة التي أهين فيها عام 1982 عندما كان نقيباً في منطقة الدامور، وطرد الدروز المسيحيين. على الرغم من أنه شعر بالذل، اشار إلى أنه لم يترك الجيش، لا ينبغي أن يتركاه الآن. حتى مع هذه الدعوة القوية لعدم تقديم استقالاتهم من قبل قائد الجيش، قدم الرجلان استقالتهما لاحقاً إلى قيادة الجيش. وقال سليمان لنا انه لن يقبل الاستقالات. وتهرب سليمان من الإجابة بشأن رئيس أركان الجيش اللواء شوقي المصري (الدرزي)، قائلا: "لم أسأله عن استقالته". وقال سليمان لنا ان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط اتصل به هاتفياً ليقول انه اعطى تعليمات إلى المصري ليبقى في الجيش. لكن وفقاً لضباط داخل مكتب المصري، فقد قدم استقالته أيضاً.
 
تكشف هذه الوثيقة حجم الاحتقان داخل المؤسسة العسكرية، بوصفها في نهاية الامر واحدة من المؤسسات التي تعكس واقع الامر الشعبي والأهلي في لبنان، وتضع انشقاق العريف سعد الدين في سياق لا يمكن طمسه عبر تمنيات قد تكون مسؤولة وحريصة للجيش بان لا يعطى الخبر حجمه في الاعلام. بل ان في ما قاله قائد الجيش آنذاك ما يؤكد ما ذهب اليه العريف المنشق في شريطه. ها نحن اذا امام منطق واحد تقريباً للعريف المنشق والضباط المستقيلين وقائد الجيش ووزير الداخلية! 

"نص" العريف سعد الدين مؤشر الى ان الزلزال الذي يتهدد لبنان ووحدة مجتمعه وكيانه يقترب اكثر، في غياب اي مبادرة مسؤولة لمعالجة الخلل الحاصل في الشراكة في البلد، وفي ظل إصرار حزب الله على جر لبنان الى حرائق المنطقة. وهذا ليس مما يعالج بطمس الخبر ومنع النقاش حوله أو دعوة اللبنانيين الى "فانتزمات" الوحدة عبر نشرات إخبارية موحدة عن فلسطين!
 
increase حجم الخط decrease