الثلاثاء 2015/05/19

آخر تحديث: 07:32 (بيروت)

الأسد بدلالة سماحة

الثلاثاء 2015/05/19
increase حجم الخط decrease

 

على أقل تقدير، حظي متابعو أوضاع المنطقة بمعلومتين عن الصحة العامة، فالفيديو المسرّب لميشال سماحة، وهو يخطط لتفجيرات إرهابية في لبنان، أظهره في أثناء ذلك وهو يمتدح فوائد الصبّار للمعدة. بعدها لم يتأخر زعيم حزب الله في شرح فوائد الليموناده للحَلْق والبلعوم، بخاصة لأصحاب المنابر، في استهلال خطابه المُعدّ لتطورات معركة القلمون والتمهيد لمعركة عرسال. الأمر قد لا يعدو كونه مصادفة، على رغم ما يُشاع عن نباهة "السيد" الذي يُفترض أنه صادف في صفحات العالم الافتراضي، وحتى على شاشات التلفزيون، تعليقات عن امتداح سماحة الصبّار بنفس الإيقاع الصوتي الذي كان يتحدث فيه عن جرائم كبرى.


لكن المكسب في ما خصّ التسجيل المسرّب لسماحة أكبر مما سبق، وهو متصل إلى حد ما بحديثه عن بشار الأسد وسيطرته على الأمور، وعلى رأسها الملف الأمني الذي صار خاضعاً له بكل تفاصيله، بما فيها مسألة دفع أجور العمليات الإرهابية التي كان سماحة يزمع تنفيذها. من ضمن هذه التفاصيل يشير سماحة إلى قوة الأسد، وعدم تأثير "المحنة" به، وهي إشارة واظب زوار الأسد، من أصدقائه اللبنانيين وغيرهم، على تكرارها للإيحاء بصلابة الأسد وعدم تأثره شخصياً بالأوضاع العامة في سوريا. في المقابل، دأب معارضون على تصيد المناسبات التي يظهر فيها الأسد، لتفحص التغيرات التي تطرأ على سحنته، من تجاعيد على الوجه أو اليد، أو تلعثم إضافي في الكلام، لتفنيد رواية أصدقائه ومن ثم إظهاره كشخص يستشعر الخطر.

بالعودة إلى الوراء، كان من أهم ما عزز يأس عموم السوريين من إصلاح النظام خطاب بشار الأسد في "مجلس الشعب" في تاريخ 30/3/2011، حينها كان المأخذ الأول دخوله قاعة المجلس ضاحكاً ضحكة عريضة جداً وسط الهتافات المؤيدة، بعد سقوط عدد كبير من المتظاهرين السلميين برصاص قواته، وقبل ذلك اقتلاع أظافر طلاب مدارس في درعا في فرع المخابرات الذي يرئسه ابن خالته. لم يُظهر الأسد أدنى تأثر وقتها، بل خرج ليتهم السوريين بالعمالة وما إلى ذلك من الأوصاف التي ستتكرر خلال أربع سنوات، وعلى رأسها وصفه لهم بالجراثيم التي من المنطقي القضاء عليها.

على رغم ذلك، وهذا وحده ما يبرر ترقب وفضول بعض المعارضين إزاء إطلالة الأسد، بقي من غير المفهوم أن يتمتع شخص، أي شخص على الإطلاق، بسلبية مطلقة تجاه مصير مئات الآلاف، وأن يوعز بقتلهم وتدمير مدنهم وقراهم بأعصاب باردة! بخلاف الخبرة المكتسبة من تجارب الطغاة والجبروت التاريخية، وحتى الخبرة المكتسبة من علم النفس الجنائي، بقيت الحيرة ماثلة أمام هذا النوع من السلوك، وهي حيرة إذا جرى تفكيكها بالعقل ظلت ماثلة في الوجدان الذي لا يقبل الاعتياد على تفسيراتها. إننا نكاد نكون أمام المنطق ذاته مقلوباً، فالقاتل تيسيراً لأمر جرائمه يصف البشر بالجراثيم أو الجرذان... إلخ، بينما يعزّ على الضحية رؤية قاتله بشراً وهو يتمتع بهذا القدر من الوحشية، أو ربما يتلذذ به كما يتلذذ بطعام يتناوله في أثناء جريمته أو في أثناء التحضير لها.

فيديو سماحة يطرح أمامنا تصورات مغايرة عن رغباتنا البشرية المعتادة، إذ يمكن لنا، على سبيل المثال فقط، تخيل ما جرى ليلة الأربعاء 21/8/2013. لنقل مثلاً إن رأس النظام "بصفته القائد الأعلى للجيش" أرسل أوامره لقائد اللواء 155 كي يطلق في الثانية ليلاً هجوماً بالصواريخ الكيماوية على غوطة دمشق. لن يكون من الشطط أن نتخيله يفعل هذا وهو يتناول عشاءه، وربما يمتدح سَلَطة الجرجير، وهو الأقدر على تعداد فوائد الأخير بحكم تخصصه الجامعي. ربما كان يحتضن ابنته أو ابنه في أثناء إطلاقه الأمر عبر التلفون، وربما استمر بملاعبته وهو يصدر أمراً آخر صارماً يقضي بألا يوقظه أحد قبل التاسعة صباحاً مهما حصل. ربما لم تكن سلطة الجرجير، ربما هو طبق العجة المصنوع من الخضار والبيض، وقد يتذكر أنه أكل هذا الطبق يوماً في زيارة إلى مدينة حلب، حلب الناكرة لجميل تناوله العجة فيها والتي تستحق تدميرها بالبراميل.

الإعجاب الذي يبديه سماحة بالأسد ومملوك، معطوفاً على أعصابه الهادئة وهو يتحدث حتى عن الضحايا غير المستهدفين، يدفعان إلى الظن بأن مثَله الأعلى يبزّه بهدوء الأعصاب. ومع أننا لا نعلم بعدُ شيئاً عن الجلسات التي كانت تجمعه بالرجلين إلا أن تفاصيل حديثه توحي بماهيتها. جلسات قد لا تخلو من تبادل المعلومات حول أكثر المأكولات صحيةً، جنباً إلى جنب مع الحديث عن أكثر المتفجرات دماراً وتقنية، وعن سبل التخلص من المخبرين الصغار الذين سيشاركون في نقلها واستخدامها. سيكون من باب الاستخفاف بالواقع إذا استنجدت مخيلتنا بشخصية مايكل كورليوني في فيلم "العرّاب"، فمجمل ما اقترفه الوريث الأخير من بشاعات لا يضاهي ما نحن بصدده.

على صعيد متصل، نكاد لا نعلم الكثير عن ذائقة هتلر باستثناء ما هو مشاع عن إعجابه بموسيقى فاغنر، وقد نالت هذه المعلومة تمحيصاً وبحثاً واسعين على حساب ما هو متداول من أنه كان نباتياً في غذائه. ولأن الشي بالشيء يذكر، ربما نكون قد خسرنا القذافي قبل أن يشرح لنا فوائد الجزر.

 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها