الثلاثاء 2024/04/23

آخر تحديث: 06:49 (بيروت)

الى السيد سمير جعجع:قبل ان تصبح لاجئاً

الثلاثاء 2024/04/23
الى السيد سمير جعجع:قبل ان تصبح لاجئاً
increase حجم الخط decrease

مع نهاية الأسبوع المنصرم توّج رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع حملته على اللاجئين السوريين بمؤتمر صحافي خصصه لهذا الموضوع، وأول انطباع تخلّفه أقواله المفصَّلة المسهبة، قبل أن تُطرح عليه أسئلة الصحافيين، هو أن السيد جعجع قد تجاوز بجدارة واستحقاق كافة الذين تاجروا سياسياً بموضوع اللاجئين من قبل. بل كأن هاجسه كان إثبات أنه جادّ إلى أقصى حدّ بخلاف هؤلاء، وعلى ذلك أنهى مداخلته بالقول: من هلق ورايح ما رح نسكت، خلص خلص خلص.. يعني خلص.

في الواقع، وحسب متابعتنا، لم يسبق لشخص من وزن جعجع أن خوّف اللبنانيين من اللاجئين بالقول أن الله ستر لبنان لأن أية جهة إقليمية لم تقرر استثمارهم بتسليحهم، ما دفع أحد الحاضرين لمقاطعته بالتذكير بوجود مئة ألف مقاتل لدى حزب الله. ليرد بنبرة تأفف: هوديك قصة تانية. ثم يستأنف فكرته عن اللاجئين بالقول: شعب داشر.. بيشتغل شو ما بدك، وأكبر دليل الجرائم التي ترتكب الآن.. من أجل خمسين دولار بيقتل إنسان. 

سنأتي لاحقاً على نقد جعجع غياب الدولة عن موضوع اللاجئين، لكن قبل ذلك من الجدير به معرفة أنه لو كان في بلد تحكمه قوانين عصرية متماشية مع حقوق الإنسان لأمكن استخدام أوصافه السابقة في مقاضاته. الجميع يفهم المغزى العنصري لوصف السوريين بأنهم شعب داشر وبأن هؤلاء الداشرين يمكن شراؤهم بخمسين دولاراً ليرتكبوا جريمة قتل... إلخ. في بلد يحكمه قانون عصري رحيم قد يُكتفى بعقوبة رمزية على هذه التصريحات، عقوبة من نوع إلزام المسيء بتقديم الخدمة الاجتماعية لهؤلاء المستضعفين الذين أساء إليهم.

أيضاً، في سياق حديثه عن الإجرام، يكرر السيد جعجع الأقوال عن جرائم ارتكبها سوريون، ليزيد من التهويل بمخاطر اللاجئين على اللبنانيين. وهو عموماً قد عرض الكثير من الأرقام والنسب الحسابية، منها قوله أن 35% من الموقوفين المتهمين بجرائم هم سوريون. ما فات السيد جعجع أنه بدأ تهويله بالقول أن نسبة السوريين إلى اللبنانيين هي 40%، ثم قال لاحقاً أن ثمة مليوني سوري مقابل أربعة ملايين لبناني ما يرفع نسبتهم إلى 50%. في الحالتين تكون نسبة الموقوفين السوريين أدنى من نسبتهم إلى عدد اللبنانيين، ما يفنّد الإيحاء الذي سعى جعجع إلى ترسيخه والذي يقضي بوجود نوازع إجرامية لدى السوريين تفوق نظيراتها لدى اللبنانيين.

هناك تمييز آخر يُستنتج من المداخلة، بالطبع من غير أن يقصد صاحبها، وهو حديثه عن هروب بعض السوريين إلى سوريا بعد ارتكاب جرائم في لبنان، أي أن هؤلاء غير مطلوبين لأسباب سياسية في سوريا ويستطيعون الهرب إليها. لا نهدف هنا إلى القول "بعنصرية مشابهة" أن السوريين غير المطلوبين للأسد أكثر إجراماً من اللاجئين، بل للتدليل على أن اللاجئين بمعظمهم يشعرون بالضعف الذي يجعلهم أشدّ حذراً تجاه ارتكاب أية مخالفة قد تتسبب بترحليهم إلى سوريا حيث تنتظرهم معتقلات الأسد.

والتمييز السابق يصلح، لو كانت النوايا صافية، للتفريق بين وجود أسباب اقتصادية، يمكن لأصحابه العودة طوعاً إلى سوريا من دون أدنى خطر على حيواتهم. على ذلك يحق لجعجع أو غيره المطالبة بترحيلهم، خاصة على خلفية الأزمة الاقتصادية في لبنان، من دون أن تنتهك المطالبة المواثيق والأعراف الدولية التي تنصّ على حماية اللاجئين المهدَّدين بخطر حقيقي. نشير إلى ذلك رغم قول جعجع أن لبنان لم يوقّع أصلاً على المعاهدة الدولية الخاصة باللجوء، وكأن عدم التوقيع على معاهدة يبيح للبنان تلقائياً إلقاء اللاجئين السوريين إلى حيث ينتظرهم القتل.

يستثني جعجع من الطرد فقط السوريين الذين لديهم إقامات نظامية، ومنها إقامات العمل، وفي ما عدا ذلك يعتبر قرار ترحيل اللاجئين شأناً سيادياً، بل هو يعلن صراحة عدم اكتراثه باللاجئين المصنّفين هكذا بموجب جداول المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين. أبعد من ذلك، لا يعترف جعجع بأي دور للمفوضية عطفاً على تذكيره بأن لبنان ليس جزءاً من الاتفاقيات الدولية المتعلقة باللجوء. ومرة أخرى يلجأ إلى التهويل لتبرير إلقاء اللاجئين إلى محرقة الأسد، فيقول أن هؤلاء سيتكاثرون خلال ثلاث عشرة سنة مقبلة ليكون عددهم مساوياً للبنانيين، ويكون قد صار لهم حق مكتسب في الأرض!!

انطلاقاً من مبدأ السيادة حسب مفهومه، واستعانة منه بالقانون الذي ينيط موضوع إقامات الأجانب بالأمن العام، يصل جعجع إلى القول أن ترحيل السوريين الذين لا يحملون إقامات هو شأن إداري لا يحتاج توافقاً سياسياً. والحق أن هذا الزعم في بلد قد يحتاج فيه تعيين موظف إلى توافق سياسي لا يعني سوى أن السوريين أدنى شأناً من أن يتطلب ترحيلهم توافقاً، وأن الرمي بهم إلى المقتلة يجب ألا تعيقه الخلافات اللبنانية المعتادة. إنهم الاستثناء بحيث يكونون شأناً سيادياً في بلد لا يكون فيه انتخاب رئيس شأناً سيادياً، ولا تعيين حكومة ووزراء شأناً سيادياً... إلخ.

يقدّم جعجع نموذجاً على ما يراه تعاملاً مناسباً مع اللاجئين هو "ما فعلته النائب ستريدا جعجع التي قامت بدور رئيس حكومة ووزير داخلية، مع رؤساء البلديات في قضاء بشري بغية الالتزام بهذه التعاميم، ما أدى الى انتظام الأمور، والوضع مشابه أيضاً في مناطق أخرى فيها نفوذ قواتي". وما فعلته ستريدا جعجع تشرحه "خطة قضاء بشري لمعالجة ملف النزوح السوري" التي وزّعها على الإعلاميين في نهاية مؤتمره الصحافي، وكان أثناء المؤتمر قد أبدى استعداد عناصر حزبه لمساعدة البلديات التي ليس لديها عدد كافٍ من الشرطة لتطبيقها. الخطة بمجملها معدَّة للتنكيل باللاجئين ودفعهم إلى مغادرة بشرّي، وفي حال استوفى اللاجئ كافة الشروط المنصوص عليها في الخطة فعليه الالتزام بالفقرة التاسعة التي تنصّ على: منع تجمّع وتجوّل النازحين الأجانب في الباحات والأماكن العامة وداخل أحياء القرى من الساعة السادسة مساءً حتى الساعة الخامسة صباحاً، وتسطير محاضر ضبط بحق المخالفين.

ما يتبنّاه السيد جعجع في الفقرة المذكورة شبيه إلى حد فظيع بثقافة الغيتو في أوروبا في ثلاثينات القرن الماضي التي أفضت إلى المحرقة، الثقافة التي لها عنوان معروف جداً هو: النازية. أما إذا أخذنا المزاعم السيادية على محمل الجد، فيجدر بالسيد جعجع أن يتذكر جيداً مشاركة القوات اللبنانية في حكومات لبنانية صمتت عن قيام حزب الله بقتل ألوف السوريين. بهذا المعنى السيادي يكون السيد جعجع "شأنه شأن مشاركين آخرين في السلطة" شريكاً معنوياً بكافة الأفعال التي ارتكبها الحزب في سوريا، ومن حق السوريين متى تحرروا من الأسد وحلفائه أن يلاحقوا عشرات ألوف اللبنانيين المتورطين على نحو مباشر وغير مباشر ليمثلوا أمام المحاكم السورية أو الدولية.

يتناسى جعجع هذا عندما يُقاطَع بالتذكير بمئة ألف مقاتل للحزب، تدرّب عشرات الألوف منهم باللحم السوري، والأدهى أنه يواصل تجاهلهم كما فعل وحزبه في الحكومة فيقول لمن يقاطعه: هوديك قصة تانية. هكذا ببساطة يتجاهل "صاحب السيادة" ما يمثّله وجود عشرات ألوف المقاتلين، ومثلهم أو أكثر من الصواريخ، من انتقاص لسيادة بلده المرتهنة علناً لقوة إقليمية معروفة. ما نتوقعه من سياسي مثله أن يكون بغنى عن التذكير بأن العدد الهائل من المقاتلين والصواريخ يعني واحداً من أمرين خلال الثلاث عشرة سنة المقبلة، إما أن يُطوَّب لبنان نهائياً لصالح القوة النووية الصاعدة، أو أن يلقى مصير غزة على مذبح طموحاتها النووية. لا بسبب جبروت هؤلاء، بل بسبب السوريين الضعفاء يحذّر جعجع بالقول: بعد كم سنة نحنا وإياكم، لا سمح الله، رح نفتش عن بلد تاني نعمل مواطنين فيها... 

السيد جعجع: أنت تخدع نفسك أو جمهورك، أو الاثنين معاً، عندما تصوّب بعيداً عن الخطر الذي تعرفه، والذي بسببه قد يصدق تحذيرك فتنضم إلى اللاجئين. لا بأس، حتى في الغرب، تستطيع بعيداً عن الإعلام التذمر من استضافة "الأم الحنون" هؤلاء الداشرين! 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها