الثلاثاء 2024/03/05

آخر تحديث: 07:47 (بيروت)

اتفاق تركي روسي على وضع سوريا في الثلاجة

الثلاثاء 2024/03/05
اتفاق تركي روسي على وضع سوريا في الثلاجة
increase حجم الخط decrease

انفردت صحيفة أيدينليك التركية قبل ثلاثة أيام بنشر خبر لقاء مرتقب في موسكو بين أردوغان وبشار الأسد، على أن يتم تحديد موعده أثناء زيارة بوتين إلى تركيا، وهي زيارة مقررة من دون تحديد موعدها حتى الآن. الصحيفة المذكورة مقرَّبة من حزب "الوطن" التركي، المعروف بعلاقاته الجيدة مع موسكو، وبوجود اتصالات بينه وبين الأسد. الرئاسة التركية بادرت إلى نفي النبأ، لكن الأهم هو الاتفاق الذي ظهر بين وزيري خارجية موسكو وأنقرة حول عدم وجود مستجدات في سوريا قريباً.

سوريا في الثلاجة، بسبب انشغال اللاعبين فيها بما يحدث في غزة؛ هذا فحوى ما قاله وزير الخارجية الروسي لافروف في أنطاليا التركية التي شهدت بين يومي الجمعة والأحد الفائتين انعقاد منتدى أنطاليا الدبلوماسي الثالث. أكّد لافروف على اهتمام بلاده بالتطبيع بين أنقرة والأسد، ثم استدرك بأن الخطوات العملية غير ممكنة الآن على خلفية ما يحدث في غزة، حيث تؤثر التطورات الفلسطينية على جميع المشاركين في عملية التطبيع!

أما وزير الخارجية التركي هاكان فيدان فقد قال أنه بحث الملف السوري بالتفصيل مع نظيره الروسي، على هامش منتدى أنطاليا، وقال: نحن بحاجة إلى الحديث بشكل مفصل عن القضايا المتعلقة بالملف السوري؛ عودة اللاجئين وكتابة الدستور الجديد، وغيرهما، كلها قضايا معلقة تحتاج إلى وقت. إلا أنه خلص ضمن كلمته في ختام المنتدى إلى ما يطابق كلام نظيره الروسي من حيث أن الظروف غير ملائمة للتطبيع بين بلاده والأسد، قاصداً بذلك الظروف الإقليمية والدولية.

ما وراء هذه التصريحات، يُترك لاستنتاج متابعي الشأن السوري أن الانشغال بغزة لا يأخذ وقتاً بالتأكيد من الأسد، ولا حصة ملحوظة من اهتمام موسكو أو أنقرة. أي أن المعنييْن حالياً بالانشغال عن الشأن السوري هما الجانب الأمريكي والإيراني، ما يؤكد أن خطوة من وزن التطبيع بين أنقرة والأسد لا تتم من دون تفاهمات أوسع ينخرط فيها اللاعبون الأربعة الذين لديهم قوات ومناطق نفوذ في سوريا.

ومن المفهوم أن انشغال واشنطن عن سوريا لا ينحصر بغزة وحدها، ففي كلمته نفسها رأى وزير الخارجية التركي أن الوقت قد حان لبدء مفاوضات بين أوكرانيا وروسيا، بمعزل عن قضية السيادة رغم إشارته إلى عدم اعتراف بلاده باحتلال روسيا لأراض أوكرانية. ومن الواضح أن أنقرة بلسان الوزير تطرح وساطة تركية جديدة بين روسيا وأوكرانيا، وهي بحاجة إلى دعم أمريكي، وهو ما سيحاول الوزير التركي الحصول عليه بعد أيام خلال زيارته المقررة لواشنطن. وكان الرئيس أردوغان قد عرض قبل أيام التوسط في الملف الأوكراني، وربما لا يكون عرضه بعيداً عن الإشارات إلى استعداد موسكو للمفاوضات "من موقع أقوى" بعد عجز القوات الأوكرانية عن تحقيق إنجازات ميدانية ملموسة.

قد يكون خبراً مطمئناً وجودُ تفاهم على إيقاف مسيرة التطبيع بين أنقرة والأسد، فهو يعني عدم حدوث تطورات عسكرية دراماتيكية في سوريا. ويعني تالياً، وهو الأهم، أن المدنيين الموجودين في تلك المناطق لن يكونوا عرضة لاستخدام العنف على نطاق واسع، إذ صار من المعتاد أن أي تفاهم جديد على تغيير في خريطة النفوذ يمرّ بجولة من العنف الشديد والتهجير. من هذه الزاوية قد يتقاطع العديد من المصالح المتضاربة أصلاً، فمثلاً من الأفضل لقسد أن لا يكون هناك تطبيع يستهدفها في المقام، ومن الأفضل لفصائل تابعة لأنقرة ألا يُضحّى بها ثمناً لمكاسب على حساب قسد.

إلا أن المقارنة المطمئِنة السابقة هي فقط بين الأسوأ والأشد سوءاً، وينبغي ألا تحجب أن الأساس فيها هو انشغال اللاعبين عن سوريا، الانشغال الذي توحي كافة المعطيات الحالية بأنه سيدوم طويلاً. بالمقارنة مع غيرها، الساحة السورية صارت أرخص الساحات كلفة بالنسبة للاعبين الكبار فيها، ولا توجد أرباح كبيرة منتظرة من قبل أي طرف ليبادر إلى الانقلاب على التوازن الحالي.

وإشارة وزيري الخارجية لافروف وفيدان إلى الانشغال بغزة ليست لصرف الانتباه عن أولوية الملف الأوكراني، وهي أيضاً أبعد من الانشغال الإجرائي الذي ينتهي مع وقف الحرب على غزة. فما تعلنه أوساط إدارة بايدن يتعدّى ذلك إلى انخراط "هو الأهم" في طبيعة "اليوم التالي"، والسؤال عن اليوم التالي للحرب لم يعد مقتصراً على مَن يحكم غزة بعد انسحاب القوات الإسرائيلية، أو من الذي سيتولى إعمارها. التفكير الأمريكي منصرف إلى عملية أشمل تنطوي على تفاهمات إقليمية متعددة، منها التطبيع بين إسرائيل والسعودية، ومنها التطبيع غير المباشر بين إسرائيل وإيران عبر تسوية نهائية في الجنوب اللبناني.

ومن الملاحظ في هذا الصدد غيابُ الحديث عن سلام شامل دائم كالذي شاع مع التحضير لمفاوضات مدريد، ليكون الأسد عملياً الطرفَ المستثنى من الحديث عن اليوم التالي، وقد لا يكون متضرراً شخصياً من استثنائه إذا كان حضور سوريا وموضوع الجولان سيطرح أسئلة عن اليوم التالي داخل سوريا. أما الحاضر الغائب في موضوع التسوية الإقليمية فهو الملف النووي الإيراني، لكونه ذا صلة وثيقة جداً بعشرات ألوف الصواريخ الموجَّهة تجاه أهداف إسرائيلية، والتي ستكون موضوعة على الطاولة في التسوية بين حزب الله وإسرائيل.

مع الأولوية المعطاة حالياً للملف الفلسطيني المنفجر، ووجود أوكرانيا في صدارة الأولويات الغربية، من المرجّح أن تنضم سوريا إلى ساحات أخرى في المنطقة غير موضوعة على لائحة الاهتمام أو الحسم من قبل القوى الدولية أو الإقليمية الكبرى. هذا هو حال ليبيا والسودان واليمن، مع حفظ الفوارق بينها جميعاً. وربما تتقدّم اليمن في صدارة الاهتمام على سوريا والسودان وليبيا، بسبب تهديد الحوثيين للملاحة الدولية الذي برز تحت شعار مساندة غزة، بينما يحتل الأسد مرتبة متأخرة عن الحوثيين من ناحية خطره المتصل بتجارة الكبتاغون لا غير.

يبقى القول أن مشيئة القوى الدولية والإقليمية الكبرى لا تتحكم بأي واقع على نحو محكم وتام، حتى إذا سمحت ظروف أي بلد بذلك لوقت ما. تجربة غزة تقول ما يجوز الاستئناس ببعض دروسه، فطوال أكثر من عقد ونصف كان الفلسطينيون منسيّين مع بؤسهم في سجن غزّة الكبير، إلى أن حدث الانفجار الرهيب الذي ينشغل به العالم الآن.  

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها