الثلاثاء 2024/03/26

آخر تحديث: 05:41 (بيروت)

صفعة مدوية لبوتين الخامس

الثلاثاء 2024/03/26
صفعة مدوية لبوتين الخامس
increase حجم الخط decrease

في أسوأ كوابيسه لم يكن ليتصور بوتين، على الأرجح، أن يوقت الإرهابيون هجومهم على المجمع التجاري بعد أيام من نجاح سيناريو الإنتخابات في تحقيق نسبة الأصوات القياسية التي رسمها لفوزه. وبدلاً من إحتفالات الإبتهاج بالفوز وأجواء الفرح المرسوم أيضاً، أعلن هو نفسه يوم الأحد الفائت يوم حزن وسواد في روسيا. الحزن الرسمي اقتصر على يوم واحد، ولن يبقى سوى لدى ذوي الضحايا ومعارفهم. لكن العمل الإرهابي خلق جواً من الخوف والإرتباك يسيطر على روسيا بأسرها. في منطقة خاباروفسك ـــ أقصى الشرق الروسي ـــ أعلن حاكم المنطقة أنهم يعززون الأمن بعد العمل الإرهابي في المجمع التجاري. وحسب نوفوستي في 25 الجاري، أعلنت وزارة الثقافة في المنطقة إلغاء جميع المناسبات ذات الطابع الترفيهي، وتقام المناسبات الثقافية في المؤسسات المحاطة بإجراءات أمنية مشددة. 

وأشارت الوكالة إلى أن وزارة النقل فرضت على منشآت البنية التحتية للنقل منذ 22 الجاري المستوى الثالث الأقصى من التدابير الأمنية، وطلبت من المواطنيين التبكير (أكثر من المعتاد) في الحضور إلى محطات القطار والمطارات. وأعلن المطار الدولي في خابارسك أن المسافرين إلى موسكو بين 22 و25 الجاري، يسمح لهم بتمديد مدة صلاحية تذكرة السفر للأيام الثلاثة التالية. 

توقف بشكل شبه كلي سيل التحليلات والأسئلة حول هوية منفذي الهجوم ومن يقف وراءهم بعد أن أصبح المتهمون الآسيويون بالتنفيذ أمام المحاكم الروسية. وفشلت محاولات الكرملين توجيه الإتهام إلى أوكرانيا بالتورط بالهجوم، لكنه لم يتخل عنها بعد، ولا تزال أوكرانيا في دائرة إتهامه بانتظار أن تصدر محاكمه قرارها النهائي بالفصل بين متهمين إثنين: داعش خراسان وأوكرانيا. فقد نشرت الناطقة بإسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا في 25 الجاري مقالة في صحيفة KP الروسية، رأت فيها أن الولايات المتحدة حشرت نفسها بالزاوية، حين اتهمت داعش بالهجوم على المجمع التجاري. وهددت زاخاروفا بأن أي محاولة من واشنطن لتبرئة كييف من التورط في الهجوم ينبغي أن يعتبر دليلاً. 

 بغض النظر عن إصرار الكرملين على إبقاء كييف في دائرة الإتهام، إلا أن النقاش أصبح في مكان آخر، ويدور حول الأثار السياسية للعمل الإرهابي ضد نظام بوتين. والنقاش ليس حكراً على الدوائر المعارضة، بل ينخرط فيه المحيط الموالي للنظام أيضاً. فقد نشرت هبئة التحرير في صحيفة NG الروسية التي تدور في فلك الكرملين نصاً في 24 الحاري تحدثت فيه عن عمل الأجهزة الأمنية والثغرات التي أظهرها الهجوم في عملها، وعن التشدد في السياسة الداخلية للنظام. 

تقول الصحيفة أنه بعد اعتقال المشبوهين، يجري البحث الآن عمن يقف وراءهم. وتشير إلى ما جاء في كلمة بوتين التي توجه بها إلى الروس، وتحدث عن فرار المجرمين وتوجههم نحو أوكرانيا، حيث تم فتح "نافذة" لهم. وتضيف أن كل هذه المعطيات سوف يتم التحقق منها. فهل كان هناك نافذة فعلاً، ومن فتحها، أم أن توجه المتهمين نحو أوكرانيا كانت الإمكانية الوحيدة أمامهم بسبب الحرب وعدم وجود تنسيق بين الأجهزة الأمنية وسواها من الأسباب. الوضوح ومصداقية هذه الفرضية ضروري. وطالما أن هذا ليس متوفراً حتى الآن، الخطر كبير في أن تذهب القوى السياسية المختلفة في تفسيراتها بما يعزز أجنداتها السياسية. 

تواصل هيئة التحرير بالقول أن الحديث يدور الآن عن نتيجتين محتملتين للعمل الإرهابي. الأولى، تشديد السياسة حيال المهاجرين، فالمعتقلون هم من آسيا الوسطى. ووزارة الداخلية لم تؤكد المعلومات التي تقول بأنهم حصلوا جميعاً على جواز السفر الروسي. ومع ذلك، الدعوات لتشديد المراقبة على المهجرين، أو عدم السماح لهم بالدخول إلى روسيا أثناء "العملية العسكرية الخاصة"، أخذت تصدر عن نواب في الدوما (مجلس النواب). 

الثانية يتحدث بها النواب أيضاً، وتفترض العودة إلى عقوبة الإعدام جزاء الإرهاب بالتحديد. بعد ما وقع في المجمع التجاري، وبعد أي عمل إرهابي، مثل هذا الإقتراح قد يحظى بدعم غالبية المواطنين. وترى أنه لن يكون ممكناً إقرار عقوبة الإعدام دون إرادة الرئيس وموافقة المحكمة الدستورية. 

تشكك هبئة التحرير بإمكانية السياسة المعادية للمهاجرين وعقوبة الإعدام على تفادي الأعمال الإرهابية. وتتوقف عند سوق تهمة التطرف والإرهاب في الفترة الأخيرة ضد أشخاص ومنظمات كانوا يعتبرونهم في السابق "عملاء أجانب"، ولم توجه إليهم حتى الآن أي تهم باللجوء إلى العنف. وتتساءل هيئة التحرير مشككة بما إن كانت عقوبة الإعدام ستنفذ فقط بحق المجرمين أمثال الذي ارتكبوا جريمة المجمع التجاري.

وعن التشدد في السياسة الداخلية الذي يعقب عادة أعمال العنف في روسيا تقول هيئة التحرير أنه من الصعب الآن معرفة أي مجال داخلي لم يتم التشدد حياله بعد. وبعد أن تشير إلى إمكانية توسيع صلاحيات الإستخبارات والأجهزة الأمنية وهيئات إنفاذ القانون، تقول بأن هذا كان يحصل باستمرار في الفترة الأخيرة، "ومن دون وقوع أعمال إرهابية". 

تنتهي هيئة التحرير إلى القول بأن المجتمع يحتاج إلى الحماية والأمان ومعالجة قضية الإرهاب وصورة حقيقة لأسبابه وعواقبه، وليس لمباراة في حذاقة "الخبراء" في تفسيرات طبيعة نشوء عمل إرهابي محدد. وبود هيئة التحرير أن تقف أجهزة المخابرات على أرضية صلبة من الواقعية في عملها وأن تطرد أوهام التصورات التأملية التي يولدها "الثرثارون" غير المسؤولين.

رئيس تحرير صحيفة Novaya المعارضة التي تصدر في أوروبا Kirill Martynov  نشر في 23 الجاري شريط فيديو تحدث فيه عن الآثار السياسية للهجوم الإرهابي. يتوقف رئيس التحرير عند ردة الفعل الأولية للروس في الداخل والخارج على الهجوم الإرهابي بإجماعهم على أن السلطة تقف وراءه أو نتيجة إهمالها.. ويرى أن ردة الفعل هذه تشير إلى عدم ثقة الروس بالسلطة التي لا يمكن مراقبتها بكل مؤسساتها. الكثيرون يرون أن السلطة التي لا تقيم وزناً لمقتل إنسان، وأشعلت حرباً وتقصف المدن الأوكرانية، لماذا لا يمكنها أن تقدم على عمل إرهابي ضد مواطنيها توظفه في مكان ما. يرفض رئيس التحرير هذا التفسير المعقد للهجوم الإرهابي، ويرى أنه تعبير عن ضعف السلطة، على عكس ما تدعيه من قوة، وفشل مريع للأجهزة الأمنية. جاء الإرهابيون وقاموا بهجومهم وفروا بالسيارة التي وصلوا بها ، وبعد 40 دقيقة وصلت القوى الأمنية والمخابرات. 

الهجوم الإرهابي يشير إلى حنث بوتين بوعده حماية الروس. فهو وقع مساء الجمعة عشية عطلة الروس الأسبوعية حين يكون الناس في حالة إسترخاء وبأشد الحاجة لحمايته. وبدلاً من ذلك اصطدموا برصاص المسلحين في أحد أكبر مواقع الأسترخاء والترفيه في موسكو، دون أي أثر للقوى المولجة بحمايتهم، والتي لم تحضر سوى بعد 40 دقيقة، "لمَ العجلة". 

يعتبر رئيس التحرير أن الإرهابيين تمكنوا من توجيه صفعة لبوتين ومحيطه، بل لكمة مدمية على الوجه. لقد حذرت السفارة الأميركية في 7 الجاري مواطنيها من التواجد في أماكن التجمع وفي صالات الترفيه بالذات، وحددت إمكانية وقوع العمل الإرهابي بين 9 و10 الجاري، بينما وقع في 22 منه. وفي 19 الجاري صرح بوتين بأن تحذير الأميركيين هو إيتزاز وإستفزاز، وبعد ثلاثة أيام اخترق الإرهابيون كل الحصون الأمنية التي كانت تصورها بروباغندا الكرملين للروس، وبعد ارتكاب جريمتهم غادروا بالسيارة المتواضعة نفسها التي أتوا بها.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها