السبت 2024/03/23

آخر تحديث: 06:08 (بيروت)

الرياضيات تحتسب تزوير بوتين

السبت 2024/03/23
الرياضيات تحتسب تزوير بوتين
increase حجم الخط decrease

في الأنظمة الديكتاتورية من السذاجة إنتظار نتائج الإنتخابات لمعرفة الفائز. فالنتائج ومسار الانتخابات ونسبة المشاركة فيها وتلك التي ينالها كل مرشح مرسومة سلفاً. والإنتخابات ليست سوى عملية طقوسية يتلاعب الديكتاتور ونظامه بواسطتها بوعي الرعية، ليظهر للداخل والخارج رسوخه في موقعه.

بعد إعلان فوزه بالإنتخابات الرئاسية بنسبة تفوق 87% (76من 87 مليون ناخب) من أصوات المشاركين، عقد بوتين مؤتمراً صحافياً لمدة نصف ساعة تحدث فيه للصحافيين عن الطوابير التي تشكلت أمام مراكز الإقتراع رغبة في التصويت له. والمفاجئ في كلمة بوتين كان تلفظه بإسم المعارض المغدور ألكسي نافالني، حيث قال بأن رحيل نافالني كان حدثاُ محزنا، "لكن هذا يحدث". وكشف بوتين أنه  قبل يومين من "الحدث المؤلم" تلقى إتصالاً هاتفياً من أحد ما يعرض مبادلة نافالني بأشخاص (روس) في سجون أوروبية، ووافق على المقايضة. 

أرملة المعارض المغدور يوليا نافالنايا أدلت بصوتها في السفارة الروسية في برلين، وكتبت على ورقة الإقتراع إسم زوجها الكسي، حسب الموقع الروسي المعارض   Meduza. وكانت قد نشرت في 13 الجاري مقالة في The Washington Post. وصفت فيها بوتين بانه رجل عصابات وليس سياسياً، ودعت الغرب لعدم الإعتراف بنتائج الإنتخابات الرئاسية. 

المعارض الروسي الذي يقضي عقوبة 25 سنة في معسكر الإعتقال Vladimir Kara-Murza، وفي مقالة نشرها في 12 الجاري في الصحيفة الأميركية عينها، دعا الغرب أيضاً إلى عدم الإعتراف بشرعية رئاسة بوتين الجديدة. وقال بأن كثيرين يتساءلون لماذا تحتاج الديكتاتورية للإنتخابات، في حين يعرف الكل بأنها مجرد طقوس مفبركة لا معنى لها. في القرن الحادي والعشرين، يظل المصدر الوحيد المقبول على نطاق واسع لشرعية أي حكومة هو صندوق الاقتراع - وحتى تلك الأنظمة التي لا تتمتع بشرعية حقيقية تشعر بالحاجة إلى خلق مظهر لتلك الشرعية.

كثافة المشاركة في الإنتخابات التي وصفها الإعلام الروسي بأنها كانت قياسية، كما نسبة الأصوات التي نالها بوتين، كانت الفكرة الرئيسية التي كررها بوتين مرات في مؤتمره الصحافي الذي تلا الإنتخابات. وإذا كانت نسبة المؤيدين مرسومة سلفاً بالأدوات التي يلجا إليها الكرملين في الإنتخابات، من التصويت الإلكتروني إلى إلزام موظفي الدولة بالتصويت لرئيس الدولة، تبقى المشاركة متعلقة بعوامل خارج إطار السيطرة، وفي طليعتها تطورات جبهة الحرب في أوكرانيا. وتركزت على نسبة المشاركة المرتفعة الحملة الإنتخابية التي بدأها الكرملين قبل اعلان بوتين عن ترشحه آخر السنة المنصرمة، بل كانت هدفها الرئيسي.

الخدمة الروسية في BBC، وبمناسبة إعلان بوتين ترشحه، نقلت عن البوليتولوغ الروسي Alexander Kynev قوله بأن المشكلة الرئيسية لإنتخابات 2024 الرئاسية، هي غياب الحوافز لحضور الناخبين إلى مراكز الإقتراع. فليس في الإنتخابات أي منافسة حتى بين "مرشحي الصف الثاني" (مرشحو الأحزاب البرلمانية الثلاثة)، مما يخلق مشكلة العثور على ما يحث الناخبين على المشاركة. ولذا راهن الكرملين على نشر الأنباء الإيجابية فقط، وعلى الدفاع عن "قيم الأسرة، وأصبحت الحملة الإنتخابية "سلسلة من الأعياد".

يضيف البوليتولوغ أن السلطة قررت وضع سقف لنسبة الأصوات 80% التي يجب أن يحصل عليها بوتين مع نسبة إقبال عالية تتراوح بين 70 و 80% من الأصوات. وفي إطار "سلسلة الأعياد" تم إفتتاح  "معرض روسيا" في الخريف الذي يتحدث عن إنجازات بوتين وما حققه لمختلف المناطق الإتحادية.  

في إطار تركيز الحملة الإنتخابية على "قيم الأسرة" كنموذج للدفاع عن القيم التقليدية بوجه قيم الغرب المتفلتة، تم تنظيم مباراة "هذا أمر عائلي  عندنا" يربح الفائز فيها شقة سكنية وبطاقة سفر للإستجمام. وتهدف المباراة إلى دعم القيم التقليدية للعائلة كأحد رموز الحملة الإنتخابية، والخط الأيديولوجي ـــ روسيا تتضامن وراء بوتين، والأسرة الروسية هي "أسرة الأسر". 

الصحيفة الروسية Gazeta.ru نقلت في 20 الجاري تفسير الإقتصادي الأميركي Jeffrey Sachs النسبة القياسية للأصوات التي حصل عليها بوتين للمرة الأولى في الإنتخابات الرئاسية التي خاضها للمرة الخامسة. رأى الإقتصادي أن فوز بوتين بهذه النسبة المرتفعة يعبر عن حاجة الروس إلى زعيم قوي، ويندرج ذلك في التقاليد الروسية، وهذا جزء من الثقافة الروسية. وأضاف أنه سيتعين على الولايات المتحدة أن تتعامل بعد الإنتخابات مع رئيس قوي لهذه البلاد.

وكانت الصحيفة عينها قد نقلت في 18 الجاري تفسية تفسير Konstantin Malofeev، أحد ممثلي الفاشيين الروس  ورئيس تحرير موقع Tsarograd، تحدث عن فرادة الإنتخابات الرئاسية الحالية وتمايزها عن سابقاتها. رأى رئيس التحرير أن الإنتخابات ليست عادية، بل إستفتاء شعبي عام حول دعم ما يجري الآن على الجبهة. وقال بأن الروس صوتوا بالدرجة الأولى تأييداً للدفاع عن الدولة الروسية "الفريدة من نوعها" وتطويرها. 

وفي سياق "فرادة" روسيا ورئيسها كان تصريح الناطق بإسم الكرملين دمتري بيسكوف إثر إعلان بوتين عن ترشحه.في رد على سؤال عن حظ بوتين بالفوز، قال بيسكوف بأنه متأكد من فوزه وبقائه "رئيسنا" ولا يعتقد أنه يوجد في روسيا الآن منافس جدي له. وعن سؤاله كيف ينبغي أن يكون رئيس روسيا القادم، قال بيسكوف "تماماً مثل بوتين، أو آخر يشبهه كلياً".

موقع الخدمة الروسية في BBC نشر في 20 الجاري نصاً بعنوان "التحليل الرياضي يظهر تزويراً قياسياً في إنتخابات رئاسة روسيا". قال الموقع أن الفيزيائي الروسي Sergey Shpilkin إقترح في بدايات العقد الأول طريقة لفصل الأصوات النزيهة عن المزورة في المعطيات التي تنشرها لجنة الإنتخابات المركزية. وقارن نتائج الإنتخابات المعلنة رسمياً مع التوزيع الطبيعي للإحتمالات في علم الإحصاء الذي يبرز على شكل رسم بياني ثنائي الأبعاد ( يشبه شكل الهرم الديموغرافي لتوزع السكان). 

يقول الموقع أن إنتخابات 2024 الرئاسية كانت الأولى التي اختفى فيها عملياً التوزع الطبيعي للأصوات. وبنتيجة تحليل نتائج الإنتخابات وفق هذه الطريقة الذي اجرته صحيفة Novaya الروسية المعارضة الصادرة في اوروبا، تبين أن الرسم البياني ل"التصويت النزيه" قد إختفى كلياً في 41 منطقة روسية.

يشير الموقع إلى أن رئيسة لجنة الإنتخابات المركزية الروسية Ella Pamfilova إعترضت بشدة على إستخدام هذه الطريقة للتحقق من نتائج إنتخابات 2018 الرئاسية، وقالت بأن الإنتخابات الأوروبية لا تنجح في إخضاعها لهذه الطريقة في التحقق من النتائج. لكن صحافيي مطبوعة Meduza أخضعوا الإنتخابات في كل من فرنسا وألمانيا لهذه الطريقة، فتطابق توزع الأصوات مع التوزع الطبيعي للإحتمالات.

يقول الموقع أن محلل الإنتخابات الروسي Ivan Shukshin درس نتائج إنتخابات 2024، بما فيه وفق طريقة Shpilkin. ووجد أن عدد الأصوات التي أًعلنت لصالح بوتين تضمنت 22 مليون ورقة إنتخابية مشكوك بصحتها. هذا مع العلم أن الدراسة لم تتطرق إلى تحليل نتائج التصويت الإلكتروني الذي يتعذر تحليله،  والمعروف بغياب حرية التصويت عبره، حيث يلزمون موظفي الدولة على الإقتراع بواسطته.

يشير الموقع إلى أن النتائج التي توصل إليها Shukshin تتطابق مع نتائج التحليل الذي أجرته صحيفة Novaya الروسية الصادرة في أوروبا، وتوصلت إلى رقم 22 مليون صوت احتسبت زوراً لصالح بوتين. وتؤكد أن النسبة الحقيقة التي كانت لصالح بوتين في هذه الإنتخابات كانت حوالي 57%. 

تفترض الصحيفة أن لجان الفرز لم تكن لتتلف أوراق إقتراع بوتين، لكن بوسعها تبديل صناديق الإقتراع وعدم إحتساب أصوات المعارضة. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها