الأحد 2023/07/23

آخر تحديث: 10:23 (بيروت)

فارس ساسين حيّاً

الأحد 2023/07/23
فارس ساسين حيّاً
increase حجم الخط decrease

 

I

الكمالُ – على ما يُقالُ – ليس من هذا العالَمِ، فيبقى متاحاً لنا، في تخميني، أن نقول إنّ فارس ساسين كان بَشَراً "تامّاً"[1]. والمفارقةُ (وهي مفارقةٌ إنسانيّةٌ للغايةِ) أنّ التنوّعَ الاستثنائيَّ لميادينِ كفاءتِه كان لا يَني يزيدُ فضولَهُ للمعرفةِ شِدّةً. فكانَ "التَمامُ" يُثْمِرُ في حالَتِه – وهذا أمرٌ طبيعيٌّ – شعوراً مقيماً باللاتَمام.

كان فارس يوحي بالسَعْيِ وراءَ الجديد في كلّ اتّجاه. ولكن من غيرِ إرهاقٍ زائدٍ للنفسِ بهذا السَعْي. كان يبدو ماضياً على رِسْلِهِ في أشَقِّ ما اضطَلَعَ به من مهمّاتٍ وأعسَرِ ما أخَذَ بِهِ نَفْسَه من أنواعِ التَعَلُّم. ولم يكن يتركُ للكدحِ الذي كان مشروعٌ جارٍ أو التِزامٌ مِهْنيٍّ يفرِضه عليه أن يستَغْرِقه، بل كان يبدو قادراً على ادّخارِ ما يلزمُ من وقتٍ، أيّاً يَكُنْ مِقْدارُه، للعائلةِ وللأصحابِ وللتسليةِ على أنواعِها كافّةً. كان مزاجُهُ النَضِرُ الهازلُ وفكاهتُه الحاضرةُ القارصةُ واستعدادُه لتلْبِيةِ ما يَطْرَأُ من دَواعٍ هي ما يحمِلُ على الظنّ (الذي لم يَكُنْ في محلِّهِ دائماً، على الأرجح) أنّهُ كان يتقنُ هذا الإتقانَ كلّه ذاك الفنّ الصعب: فَنَّ سياسةِ الشواغلِ بحيث لا تتعدّى حدّ الاحتِمال. هكذا كان ما يظهِرُه من يُسْرٍ في الحركةِ بين قطاعاتٍ من الثقافة بالغةِ التنَوّع وجهاً (جليلاً، بطبيعة الحال) من وجوه موهبةٍ أخرى: موهبةِ سياسة الوقتِ، أو الحياةِ، بحسبِ المرغوب.

*

 

أذكر أنّ فارس نحّى جانباً ذاتَ يومٍ ما كان شائعاً من نسبةٍ قديمةٍ لي إلى "الوجوديّةِ" (وهذا صيتٌ كان الدهرُ قد أكَلَ عليه، والحقُّ يُقال) فأفهَمَني، بعباراتٍ قليلةٍ، أنّ اليَسيرَ الذي كنتُ قرأته من أعمالِ هايدغر إنَّما أرادَ أن يقولَ أشياء مغايرةً لما كنتُ أحسبُ أنّه يقول. وفي يومٍ آخر، دلّني، هو وكمال صليبي، على مواطنِ خَلَلٍ عدّةٍ في نصٍّ كنتُ أحسبُني أودعتُه عُصارةَ أعوامٍ من الاجتهاد في تدبُّرِ تاريخ لبنان... هذا وما هذان إِلَّا مَثَلان! ولعلّه يكفيني إيحاءً بما كانت عليه من سعةٍ مروحةُ الموضوعاتِ التي كان يمكن للمداولةِ مع فارسٍ أن تشتمِلَ عليها أن أستذكرَ موضوعَ الاستشارةِ الأخيرةِ التي لجأنا فيها، أنا وزوجتي، إلى خبرةِ فارسٍ الودودة (أو إلى مودّتِه الخبيرةِ، بالأحرى): كنّا نُريدُ فَتْواهُ، مع بدايةِ مراحلِ الحَجْرِ الذي فرض علينا مؤخّراً، في نوعيّة بساطٍ تركيٍّ رغبنا في شرائه فأرسلنا إلى فارس صورتَه بواسطة واتسآب!


هل يكون عليّ التنويهُ بأنّ إحالةَ البادرةِ أو العبارةِ إلى الشخصِ بأسره كانت أمراً يفرضُ نفسه، حين يكون فارس هو المُحاوِر: فَرْضاً أشَدّ بكثيرٍ ممّا تكون عليه الحال عادةً مع آخَرين؟ كان ما يوجّهه فارسٌ إليك من ملاحظاتٍ نقديّةٍ  يأتي ملطّفاً بكفاءةِ الناقد وصدقه فيخلخلُ ثباتك حيث تقفُ ولكن من غيرِ أن يؤذيك. وكان وخزُ الإبر التي كان يحسِنُ تسديدَها على حين غِرّةٍ لا يوجعُ بل يَسْتَحثّ. وقد يجبُ أن نضيف أنّ هذا الرجلَ الرفيعَ الثقافةِ لم يكن يزدري ثقافةَ السَوَقةِ مهما تكن. فكان يفسحُ في ذاكرته العجيبة لحكاياتٍ معظمُها لاذعٌ تتناول، على التغليب، أهلَ السياسةِ اللبنانيّين من سائرِ العهود. كان هذا الزَحْليُّ العريقُ، وهو المحاورُ المقدامُ لميشال فوكو، يتكشّفُ أيضاً عن وريثٍ شرعيٍّ لإسكندر الرياشي!

** 

أجرى فارس ساسين تدريبه الأوّل على النضال في مَشتلِ اليسار اللبنانيّ "الجديد" في غَدواتِ الهزيمةِ العربيّة سنةَ ١٩٦٧ ثمّ لم يتخَفّف يوماً من التزامِهِ السياسيِّ الأساسيّ. لم يستكِنْ في اللامبالاةِ أو في الحياد. ولا أراني محتاجاً بهذا الصددِ إلى غير التنويه بتلك الرشقاتِ القتّالةِ من "التغريداتِ" التي ظلَّ، إلى أمْسِ، ينهالُ بها على مدبِّري النكبةِ اللبنانيّةِ الجارية. على أنّ ساسين بقِيَ يأبى أن يُرَدَّ شخصُهُ إلى أيِّ نضالٍ أخَذَ منه بنصيب، جاعلاً من نفسِهِ ضِدّاً ل"المناضلِ المحتَرِف" الذي رَوَّجت لنموذجِهِ اللينينيّة. هكذا لَبِثَ يتحاشى من الإفراطِ في استهلاكِ قواه كُرْمى لأيّةِ إستراتيجيّةٍ جماعيّةٍ أو في تقَبُّلِ الخضوع لأسرِ المنطقِ النضاليِّ الغَلّاب. وإنّما دأَبَ على النضالِ بالاستواءِ قُدْوةً، يؤثِرُه على العَمَلِ المنظّم. فكان يسعى ليجعلَ من نفسِهِ صورةً لما يشاءُ للجماعةِ أن تكون. كان سلوكُهُ بما هو إنسانٌ ومُواطنٌ وشبَكاتُ أصحابه وما يذيعُ من مواقِفَ وآراءٍ أي، بوجيزِ العبارةِ، مُكَوِّناتُ نموذجِهِ المختارِ للحياة، هي الرياحُ الناشرةُ لرسائله.

***

جمعتني بفارس ساسين صداقةٌ خلَت من الغُيومِ تقريباً وبقيَتْ بمنجاةٍ من التجاعيدِ أيضاً مدّةَ أربعينَ سنة. وكان ملحم شاوول، ابنُ عمّةِ فارس، ونوّاف سلام (وهُما "رفيقان" سابقانِ كانا قد انقلَبا صديقيِنِ لي قَبْلَ أعوامٍ عدّةٍ) هما اللذان تولّيا تعريفي إلى فارس في صيفِ ١٩٨١، ولم يكن مضى زمنٌ طويلٌ على عودتِه من فرنسا. وكنتُ قد تعرّفتُ قَبْلَ مُدّةٍ يسيرةٍ إلى عضوٍ آخر في الزُمْرةِ نفْسِها هو أنطوان عبد النور الذي شهِدَ العامُ التالي سقوطَه ضحيّةَ الهَمَجيّةِ الإسرائيليّة.

ثمّ لم نلبث أن ألفينا نَفْسينا، فارسٌ وأنا، عضوينِ في الفريقِ نفسِه، وقد تشكّل في كنَفِ "مركزِ الأبحاثِ اللغويّةِ والتربويّةِ" الذي أنشأهُ طلال الحسيني، في ذلك الوقت، وتَوَلّى إدارَتَه. في أثناءِ هذه التجربةِ التي امتدّت خمسَ سنواتٍ أو ستّاً، اقتَرنَ سعيُنا معاً إلى الاستواءِ معجميَّينِ مَرِحَينِ بالترسّخِ اليوميِّ للصداقةِ بينَنا، وهو ما كانت بيئةُ المركزِ الإنسانيّةِ تتعهّده بالترحابِ ملطّفةً البيئةَ المحيطةَ السائدةَ في تلك الأعوام السوداء.

لاحقاً أيضاً، أكرمني فارس، وكان قد أصبَحَ المستشارَ الأدبيَّ لدار النهار للنشر، باعْتِنائهِ بإصدارِ كتبٍ وقّعْتُها وأخرى نَقَلْتُها عن الفرنسيّة وثالثةٍ لم أجاوز التقديمَ لها تمهيداً لإعادةِ نشرها، وهو ما اقتَرَحهُ عليَّ غسَّان تويني. فلفارسٍ أدينُ بالسلاسةِ التي ميّزت ولادةَ تلك الأعمالِ كُتُباً تُقْرَأُ مقرونةً بالصَرامةِ في لزومِ الأصولِ المفروضة. لا أفي هذا الصديق حقّهُ من العرفانِ أيضاً لِما خَصَّ به من حماسةٍ أعمالاً صدَرَت لي، إمّا في مناسباتِ صدورها أو في مناسباتٍ أخرى إذ هو تفضّلَ عليها بشهاداتٍ بقيَت محلَّ اعتِزازٍ لصاحبِها. فكانت خسارتي برحيلِهِ خسارةً لشاهدٍ عالي المقام اتّحدت بخسارتي الصديقَ الغالي، وكانا شخصاً واحداً.

****

هذا ولا أملكُ ألّا أستذكِرَ، في استعادتي لمَسارِ الصحبةِ ذاك، ذلك الطيفَ الجميلَ الذي عاد من باريس أيضاً، وكان أصغَرَ سنّاً من سائر الأقران، فانضَمَّ إلى الجماعةِ الصغيرةِ التي كانَ يتصدّرُ مناسباتِ التئامِها ذاكَ العشاءُ، تتحلّقُ له تامّةَ النِصابِ حولَ دومينيك شوفالييه كلّما نزل "المعلّمُ" بيروت. كان اسمُ ذلك الطيف الجميل سمير قصير، وهو سيلقى، بَعْدَ ثلاثٍ وعشرينَ سنةً كانت قد انقضت، مصيرَ أنطوان عبد النور نفْسَهُ: سيلْقاهُ بأَيْدٍ أخرى ولكنّها مُمَتّعةٌ بالحصانةِ نفسِها على الحِساب.

*****

كان فارس ساسين كاتباً مٌقِلّاً نسبيّاً، وهو ما أعْلَمُ أنّه كانَ يُحْنِقُ مُنى، زوجتَهُ، ويُحْنِقُ معها آخَرينَ، كثيرينَ في ترجيحي. ولا أراهُ بريئاً، من جهتي، من شُبهةِ الميلِ إلى إيثارِ رياضةِ الحديث! انصَرَف إلى النشر واشترَكَ في تأليف كتبٍ متعدّدةِ الأقلامِ ولكنّه امتنعَ عن نشرِ الأطروحةِ التي كرّسها لـ"اللبنانيّةِ المارونيّة". وهذا تمنُّعٌ أجهَلُ أسبابهُ ولكنْ أوصي من باتَ  يملكُ أن يتجاوزَهُ بأن يفعل. من حُسْنِ حظّنا، في كلّ حالٍ أنّ مدوّنتهُ التي سَمّاها مُتَخابِثاً  Assassines  ، أي "القَتّالات" أو "الساسين"(!)، بقيَت مَعْرِضاً مُتاحاً لتصفُّحِ الكثيرِ من مقالاتِه الرائعاتِ ولجَمْعها وإعادةِ نَشْرِها. كانَ فارس ساسين إنساناً مشرّباً بالفلسفةِ (ولكن بالشِعْرِ أيضاً وبالسينَما وبكثيرٍ من أشياءَ أخرى مختمِراتٍ بالجَمال...) فأمكنَهُ أن يُعَلِّمَنا، بالقدوةِ وبالنَصِّ معاً، أنّ الفيلسوفَ، وهو المُعَرّفُ عادةً بأنّهُ "صديقُ الحكمةِ"، يسعُهُ أن يَكونَ، بينَ أصدِقائه، مُعَلِّماً للصداقةِ والسَلام.


II 

وزَّعَ فارس ساسين أعمالَه المكتوبةَ بينَ الفَرَنسيّة والعربيّة. وهذا مع ترجيحٍ للفرنسيّة أَمْلَت بعضَه صُدفُ التكليفِ والأغراضِ وأملى بعضَهُ الآخرَ، على الأرجَح، ظُروفُ الإعدادِ وأثرُها في المزاج. ولَكِنّ الرجلَ بذَلَ، في مدى عقودٍ، لا أعوامٍ وحسْبُ، جهوداً حثيثةً لتعزيزِ مِراسِهِ للفصحى واستقامةِ عبارتِه بها. وهذا سعيٌ أملاهُ، بدَورِه، تعليمُ الفلسفة في الجامعةِ اللبنانيّة (أي الضلوعُ في إعدادِ آخَرين) وأملاهُ أيضاً الشعورُ بالانتسابِ إلى محيطٍ هذه لغتُه الأولى (أو هي الوحيدةُ المقروءةُ أحياناً) وهو المحيطُ الذي يحسُن بالكاتب (أو يَسْتحسِن هذا الأخير) أن يستهدِفه بالخطاب بالدرجةِ الأولى. وما يحتويه هذا الكتاب هو المنشور أو المؤهّل للنشر من ثمراتِ هذا السَعْيِ الساسينيّ لمؤالفةِ الفصحى وتراثها ولمزاولةِ التفكير والكتابةِ بها.

هذا وقد تفيد النظرةُ الإجماليّةُ في تصميم هذه الاستعادة التي أقدم عليها الناشر، ما بين مجموعٍ (قد يتبعُه آخر) لأعمال الكاتب العربيّة ومجلّدين (قد يتبعهما ثالثٌ وربّما رابعٌ أيضاً) لمدَوَّناتهِ بالفرنسيّة، أنّ هذا التصميمَ لا يخلو من إجحافٍ يصيب الفئتين معاً ولكن ينالُ معظمُه من المجموعِ العربي. فإنّ عزل مقالةٍ كُرّست لمؤلّفٍ بعينِهِ مَثَلاً عن أخرى تناولت كتاباً للمؤلّف نفسِه، وذلك بسبب اختلاف اللغة بين هذه وتلك، إنَّما ينتهي، على نحوٍ ما، إلى خسارةٍ يسيرةٍ أو جسيمةٍ للمقالتين. تلك حالةٌ واحدةٌ محتمَلةٌ من حالاتٍ نرجّحُ أن يظهِرها استقصاءٌ لم نباشرهُ. وإنّما عَوّلنا في ترجيحنا على أُلْفٍتِنا المديدةِ (وإن كانت لا تدّعي شمولاً) للرجُلِ ولمنشوراتِه. وهي ألفةً يسَّرتْها لنا أَيّما تيسيرٍ مُدَوَّنَتُهُ Assassines.

على أنّه يجِب الإقرارُ أنّ هذا الاعتماد للّغةِ، من جانبِ الناشرِ، مبدأً أوَّلَ لتصنيفِ الأعمال المستعادة هو أمرٌ لم يكن منه مناص. إذ لا يسوغُ افتراضُ إحسان اللغتين معاً من جانب الجمهور المستهدَفِ بهذه المجلَّدات، كلِّهِ أو جُلِّه. فلا يَجوز، بالتالي، فرضُ موادَّ على قُرَاءٍ لا يقْوونَ على فَهْمِها تُجاوِرُ أخرى مهَّدت لهم كفاءَتُهم اللغويّةِ سبيلَ الرغبةِ في مطالعتها. كان لا بدَّ من الفصْل اللغويّ إذن. فما الذي أسفَرَ عنه هذا الفصْلُ في جهةِ العربيّة، وهو ما يضُمّهُ المجَلَّدُ الذي بين يدي القارئ؟ جعَلَ الناشر ما جمعه ههنا من أعمالٍ عربيّةِ اللسانِ لفارس ساسين تحت عناوين ثلاثة. وهذا التصنيفُ المعتمدُ حصيفٌ ولكنّنا، إذ نعمِدُ إلى وجهةٍ مغايرةٍ في استنطاقِ النصوص: وجهةٍ تنظرُ لا إلى الحقلِ الذي يضوي إليه النصُّ بل إلى الهَمِّ الذي يحرّكهُ، ننتهي إلى إقرارٍ تقريبيّ (يبقى غيرَ تامٍّ إذَنْ) لتصنيف الناشر المثَلّث ولكن تحت عناوينَ ثلاثةٍ أخرى. في قراءتِنا، تتوزّعُ هذه الأعمالُ إذَنْ بينَ مجاميعَ ثلاثةٍ: ١- شروطُ التفلسُف ٢- حقوقُ الصداقة ٣- إنصافُ أركانٍ أو وجوهٍ للتجربةِ اللبنانيّةِ من نظامهم السياسي.

*

يغلِبُ على المجموع الأوّل هَمُّ التعليم. هذا ما يوضِحُ علّةَ التكرار الملحوظِ الذي يحصُلُ عند تَناوُلِ المسألةِ الواحدةِ أو الفيلسوفِ الواحدِ في مقالَتَين. هذا ما يوضِحُ أيضاً سَبَبَ الإبقاءِ على مقاطِعَ من المقالةِ في صورةِ العَناوين، إذ تكونُ هذه مواضيعَ لشُروحٍ يُدلي بها المُعَلِّمُ مُشافَهةً. هَهُنا إذن معلِّمٌ للفلسفة يحاضرُ طلّابَه في فلاسفةٍ وفلسفاتٍ اختارَها لهم بنفسِه، على الأرجح، ولو في نطاق عصرٍ أو قطاعٍ من التراثِ سَمّاه البرنامج. فالحالُ أنّ الدرسَ يُساقُ هَهُنا إلى مسألةٍ كبرى تطرحُها ولادةُ الفلسفةِ في بلادِ اليونان وملحقاتِها، وهذا قَبْلَ أن يصبِحَ "الغربُ" بأسرِهِ وريثاً لليونان في "احتكارِ" التفلسُفِ (بمعناهُ المضبوط، لا بتوسيعِ معناه إلى ممارساتٍ فكريّةٍ أو روحيّةٍ أخرى شهِدَتْها عصورٌ أخرى أو أظَلَّتْها سمَواتٌ أخرى...). هذه المسألةُ التي تبدو مستحوذةً على لبِّ المعلّمِ أو المحاضرِ هي مسألةُ "شروط التفلسف"، وهي ما ينتهي ساسينُ إلى طرحِهِ من سبيلينِ عريضينِ: سبيلِ البحثِ في ماهيّةِ الفلسفةِ أو معناها وسبيلِ السُؤال عَمّا جعَلَ اليونان وتوابعَها مَهداً حصريّاً للتفلْسف قَبْلَ أن تنتشرَ مزاولةُ هذه الرياضة في نواحٍ مختلفةٍ ممّا أصبَحَ يطْلَقُ عليهِ اسمُ "الغرب". في هذا المسعى يجِدُ ساسين عوناً في فيلسوفينِ ألمانيَّين يَبُدُوان مستأثرين بالقسطِ الأوفر من عنايته بمذاهب الفلسفة وتوجُّهاتِ الفلاسفة، وهما هيغل وهايدغر. يقولُ الأوّل من هذين بأبوّةِ اليونانيّين لاختراعِ التفلسف وينزعُ الأخير الذي يجعلُ الفلسفةَ "منشئةً" للغَربِ فَضْلاً عن توَطُّنها إيّاه، إلى حصر إرث التفلسفِ اليونانيّ هذا في كوكبةٍ من نجوم الفكر ارتفعت تباعاً في السماء الألمانيّة في مدى قرنينِ سبَقا أيّامه، ويظهرُ أنّ الرجلَ يعِدُّ نفسه آخرَ هذه النجومِ بُزوغاً.


هل يكونُ علينا التسليمُ بهذه المقدّمة؟ يُبدي ساسين مَيْلاً إلى هذا التسليم ولكن مع تلطيف جسيمٍ للحصريّة اليونانيّة، ومن ثمّ الغربيّة، أو تعديلٍ لها بإبراز الدَينِ اليونانيّ للشرق القريب وبطرْحِ ماهيّة الغرب نفسها على أنّها موضعُ سؤال وبالتنويه، أخيراً، بقابليّة المقاربةِ الفلسفيّةِ لتوسّعٍ متعدّد الأبعاد. هذا كلّه لا يُبْطِل، في النَظَرِ الساسينيّ، وجوبَ السؤال عَمّا جعل أمور التفلسف تجري على هذا المنوال. فَما الذي ساقَ "العِلمَ بالوجودِ بِما هُوَ موجودٌ" (وهذا هو التعريف الأرسطيّ الذي يأخذ به ساسين للفلسفة) إلى الاستواءِ حكراً على بلاد اليونان الصغيرة ومستعمراتِها في عصرٍ بعينِه من عصورها وإرثاً لما يسمّى الغربُ (أو لبعضِه) سعى في تنميتِه بعد أن خبت الجذوة الفلسفيّة في اليونان نفسها بعصورٍ مديدة؟ ولِمَ كبَتْ، إلى هذا الحَدِّ أو ذاكَ، جهودُ حضاراتٍ أخرى، في أزمنةٍ أخرى أو في الأزمنةِ نفسها، للتوفُّر على هذا الضربِ من المراس الفكريّ بتَمام أوصافه ومعناه؟ أو، بالعبارةِ الوجيزةِ، ما شُروطُ التفلسف؟

ذاك هو السؤال الذي يقعُ القارئُ في بعضِ ما يلي من صفحاتٍ حَبَّرَها فارس ساسين على تَلَمّسٍ لجوابه: لجوابٍ يستعين محاولاتٍ سابقةً اضطلَعَ بها فلاسفةٌ أو مؤرّخون للفلسفة أو – أيضاً – مؤرّخون للحضارة اليونانيّةِ بعُموم وجوهها. ولكنّهُ، أي الجوابُ، يشي، على الأخصّ، بالهمّ المقيمِ في نفس طارحِهِ اللبنانيّ (أو المشرقيِّ-العربيّ) وهو هَمّ تعثُّر التفلسف في هذه الآفاقِ التي ينتمي إليها السائل وما يفيدُه هذا التعثُّر من فقدانٍ تاريخيّ اجتماعيٍّ، يصِحّ اعتبارُه فاجعاً، لشروط التفلسف. وكيف لا يُعَدُّ افتقادُ هذه الشروط فاجعاً وما هِيَ إِلَّا شروط التفكيرِ الحُرّ وخلاصتُها مبدءا الحرّيّة والمساواة في المواطنة وما تنتهي إليهِ مزاولَتُهما من اتّساعٍ لآفاقِ الفكر وحلباتِ الجدال إلى الإنسان الكُلِيّ، في ما يتعَدّى الخصائصَ، وأصولِ تفكيره وقِيمِ وجودهِ ومعارفه وعمَلِه وإلى الطبيعة بما هي كلٌّ، فيقيّضُ له من ثَمَّ البحثُ في حقيقةِ "الوجودِ بما هو موجود"؟

في ما خلا ذلك، يستوقفُ تلبُّثُ ساسين عند مسألةِ الموت ومكانتها في نظام هيغل الفلسفي. لا يُعينُ إقبالُ الرجلِ المعلومُ على الحياةِ والبهجةُ المستتبّةُ، على الظاهر، في مِزاجِه على تفهُّمِ هذا التلبُّث. قد يحسُنُ البحثُ عن مصدرٍ نفسيٍّ لهذا الشاغل. وهو ما يميلُ بي – إذا جازَ – إلى نوعٍ من الاقتناعِ بأنّ واحدَنا لا يعرِفُ أصدقاءَه... أو هو يعرف لهم أحوالاً وتفوتُه أحوال. على أنّ العبور إلى ما يتعدّى النفسيَّ، أي إلى الفلسفيّ، يبدو لزاماً، في ما أرى، ونحْنُ حيالَ هذا الشخص بعينِهِ، ننظُر في أعمالٍ له بعينها. فإنّ هذا الحضور لمسألةِ الموت في صدارةِ شواغله ما هو إِلَّا ترجمةٌ لموقع المسألةِ من التفكير الفلسفيّ الأصيل وهو مقامُ المصدرِ والصدارة. التفكيرُ في الموتِ هَهُنا تأَصُّلٌ في التفلسف.

من هذا الانشغال الساسينيّ بعموم الفلسفة، نتخلّص إلى مسائلَ أخرى تقع في النطاق الفلسفيّ أيضاً. ولكنّ ما أملاها على الكاتب كان فرضُها نفسها بين أغراضِ البحثِ المتولّدةِ من أوضاع العالم وتحوّلاتِها في العُقودِ الأربعة أو الخمسةِ الأخيرة: ماركس بَعْدَ تضعضُع الماركسيّةِ المجسّدة في معسكرٍ ودولٍ وأحزاب، الأيدلوجيا (من خلال كتابٍ خصّها به العرويّ) بعد أن بدا ظلّها صائراً إلى تقلّصٍ عن سُبُلٍ يجري  فيها تحريك كتلِ البشرِ وتعيينِ أهدافِهم، بقاء الانتفاضةِ لغزاً بعد مباشرةِ الثورة الإيرانيّة الانكماشَ عن مَدارها الأوّل، مطروقاً في محاورةٍ مشهودةٍ أجراها ساسين مع ميشال فوكو غداةَ زيارتَي الفيلسوفِ الفرنسيِّ لإيران وما أسفرتا عنه من صخَب، إلخ. هذا كافٍ للإيحاء بما ينتظرُ القارئَ تحت عنوانِنا الأوّلِ هذا (أي "شروط التفلسُف") ولا بُغْيةَ لهذا التقديمِ في تجاوز حدِّ الإيحاء.

على أنّني لا أردعُ رغبتي في التنويه بواحدةٍ نفيسةٍ من مقالاتِ هذا الباب ترُدُّنا من الاشتغالِ الفلسفيِّ بالراهنِ التاريخيّ إلى التفلسف العامّ: ألا وهيَ تلك المكرّسةُ ل"الأخلاقِ والسياسةِ". فهَهُنا تقليبٌ ألْمَعيٌّ لشاغِلٍ ماثلٍ في ميدانِ التفكيرِ العامِّ منذُ أن وجِدت السياسةُ وفلسفتٌها. وقد كنت اعتمدتُ هذا العنوانَ نفسهُ تقريباً لمشروعِ أطروحةٍ أوَّلَ سجَّلته قَبْلَ نحوٍ من ستّةِ عقودٍ فبقيَت لي منه بقيّةُ اهتمامٍ ومتابَعةٍ وبعضُ معرفةٍ أميّزُ بها الغَثَّ من السمينِ في مَدارِ هذا الجدال. وبهذهِ العُدّةِ أشهدُ للتأمُّلِ الساسينيِّ في هذه المسألةِ الكبرى بجدارةٍ توجِبُ على القارئِ أن يوليهِ بالغَ عنايته...

*

ما الذي يقعُ، من بَعْدُ، في أعمالِ ساسين هذه، تحتَ عنوان "حقوقِ الصداقة"، وهو العنوان الثاني في ثالوثنا المقترحِ تصنيفاً ل"هموم" هذه الأعمال أو محرّكاتها والدوافع إليها؟ كانَ صاحِبُنا ذا همّةٍ لا تدَعُ للتقاعسِ منفَذاً حينَ يكونُ المُرادُ شهادةً تؤدّى لواحِدٍ يراهُ مستحقّاً من بينِ أصحابهِ (أو مـعارفهِ) المنشورين على حقولٍ شتّى. وكانت المناسبةُ عادةً تسليم جائزةٍ أو احتفالاً بإنجازٍ أو بمسيرةٍ بحالِها، إلخ. كان هذا دأباً منتظراً للناشرِ الشاسعِ الاطّلاعِ وللمحكَّم تزدهي بعضويَّتِه لجانُ التَحكيم. ولكنّ هذا كان، فوق ذلكَ، بل قبلهُ، وجهاً من وجوهِ المودّة الفاعلةِ التي وزّعَها هذا الصديقُ الاستثنائيُّ على أصدقائهِ الكُثُر. ولا تنتمي النصوصُ التي استدعاها هذا النوعُ من المناسباتِ إلى ميدانِ النقدِ بالمعنى المقَرَّرِ لهذا المصطَلَح. لا خطابةَ فارغةً فيها لغرَضِ المَديحِ ولكنْ لا تنقيرَ أيضاً عن نقائصَ مفترضةِ الوجودِ في الشخصِ أو في أعماله. وإنّما تنتمي هذه النُصوصُ، على التقريبِ، إلى صِنْفٍ معلومِ الأصولِ ولهُ تقاليدُ هو ما تسمّيه الفرنسيّةُ éloge. ولعَلّي لا أجانِبُ الصَوابَ إذا اقترَحتُ "الإشادةَ" لا "المديحَ" مقابلاً عربيّاً يؤدّي المُرادَ، في هذا السياقِ، باللفظةِ الفرنسيّة. وذاكَ أنَّ الإشادة توحي بتشييدِ الخطيبِ أو الكاتبِ "شخصَ" الشخصيّةِ المتناولةِ أو بعضَ أدوارِها.


وقد كان غسَّان تويني طليعةَ من احتفَلَ بهم فارس ساسين وقد جمعهُ به جوارٌ عَمَليٌّ مَديدٌ ومعَهُ هوى الكتب وأمورٌ أخرى. واحتلّ جبّور دويهي موقعَهُ المتصدّرَ أيضاً من كوكبةِ الأصدقاءِ هذه، وهو الروائيُّ الخليقُ بالتكريم وهو عَشيرُ فارس ساسين الأقربُ في أعوامهما الأخيرة، وهو أخيراً الذي فارقَنا قبل فارس ساسين بساعاتٍ فلم يعلَم أيٌّ منهما برحيل الآخر! يحلُّ في هذه الفئةِ أيضاً (وهي التي يتوزّعُ حضورها بين مقالاتٍ باللغتين) أمثالُ موسى وهبة وسمير فرنجيّة. ويدخُلُ فيها جودت فخر الدين وتيريز دحدح... وكان لحِقَني من مَعينِ المودّةِ الفارسيّةِ هذا ما هو أوفَرُ من الرَذاذِ بكثير، وقد أشَرْتُ إلى الأمْرِ أعلاه. وهو ما يكفي لجعلي في حرَجٍ من الكلامِ في هذا الموضوعِ أصلاً، ناهيك عن الإطالة فيه...

**

يبقى أخيراً ما اقتَرحتُ اعتباره "إنصافاً" لأركانٍ لبنانيّين من "النظامِ" المعلومِ الذي هو نظامهم أيضاً. وقد ذكرتُ غسَّان تويني وهو صديقٌ وراعٍ لفارس ساسين، عارفٌ لقدْرِه، وهو أيضاً سياسيٌّ ذو أدوارٍ مشهورة ودبلوماسيّ بارزُ البصمات وقطبٌ مؤثِّرٌ في تشكيلات الرأي العامّ، وهو، أخيراً لا آخراً، صاحبُ جريدةٍ معروفةِ التميُّزِ في أيّامِه وذاتِ أذرُعٍ ولواحق. هذان مجموعان من الأسبابِ، شخصِيٌّ وعامٌّ، جعَلا ساسين يخصُّ تويني بنصوصٍ عدّةٍ مختلفة. ولكنّ لائحةَ "المُشادِ بهم" (والإشادة هذه "تعريفٌ" أيضاً ولكنّه تعريفٌ لا يريدُ نَفْسَه فاتراً) فيها أسماءٌ من قَبيلِ سليم تقلا، جبران تويني (الجَدّ)، كمال جنبلاط... هؤلاءِ وسواهُم كثُرٌ، من جيلِهِم أو من جيليهِم، ذهبوا وذهَبَت أدوارُهُم بَدداً (أو كادوا وكادت!) إذ وطأت سِيَرَهم سنابكُ خيلِ "الحداثةِ" و"التقدّم": من "يسارٍ" يرتَجِلُ الكذبَ ويُصَدّقهُ و"يمينٍ" قوميٍّ يستطيبُ وطأةَ العسكر أو آخَرَ "وطنيّ" يبتغي لرؤوسِ الأموالِ أن تَجُبَّ ما قبْلَها بلا إبطاء، وهذه، في كلّ حالٍ، "فئاتٌ" تبدو لي أكثرَ اختلاطاً بكثيرٍ ممّا يُزْعَمُ عادةً...

 

فلا تكونُ البغيةُ من تناولِ سيَرِ تلك الوجوهِ أو بعضِ ما فيها تنزيهَهُم أو التهوينَ من أمرِ مثالبِهِم وإلباسَهُم دروعاً ترُدُّ عنهم النقد. وإنْما يُبْتَغى ردُّ كلٍّ منهم إلى زمانه وإلى موقعهِ فيه وتبَيُّنُ قيمِ الزمان وإمكاناتِ الموقع: ما كانت تبيحُه وما كانت تمنعُه، ما كانت تتيحُه من فرصٍ للتغيير وترسمُه من خطوطٍ للمواجهة وما كانت تجعله في عدادِ الأبوابِ الموصَدة، إلخ.

 

يقتضي ذلك - بينَ ما يقتضي - استقصاءَ ما طُمِسَ من منجَزاتٍ لأولئك الماضينَ كانت تُخالِف ملامحَ الرسمِ الذي فرَضَهُ لهم خصومُهم، وذلكَ لرَدِّها إلى أصحابها وإلى معانيها. والذينَ تناولَهم فارس ساسين كانوا، على الإجمالِ، ذوي ميزةٍ أحَلّتهم فوق الكثرةِ من أقرانِهم وفوقَ سويّةِ الهيئات أو الأجهزة العموميّة، من حاكمةٍ وغيرِ حاكمةٍ، في زمانِهِم ذاك. فيَرجَحُ عندي جوازُ نوعٍ من المقارنةِ بينَ أدوارٍ أدّوها وأخرى يؤدّيها في صحافتِنا الحاليّةِ صحافيّون معدودونَ هم أفضلُ من الصحُفِ التي يكتُبونَ لها بأشواطٍ وهي تموِّهُ بهم ما لا يموّه من عوراتِها.

 

حينَ يعمِدُ فارس ساسين أو غيرُهُ (وهم كُثْرٌ ومتباينو الأقدارِ من الكفاءةِ ومن الإنصافِ بدَورِهِم) إلى بعضِ هذا التناولِ لوجوهٍ عامّةٍ مضت، مبطئاً فيه أو مُسْرِعاً، فهو إنَّما يؤدّي قسطَه، ولو تأخّرَ، من صَدِّ حملةٍ كبرى تكادُ لا تُحْصى أفواهُها والأقلام[2]. تلك حملةٌ متماديةٌ أمعنت دماراً في صوَرِ رعيلٍ عريضٍ من آهلي المجال العامّ الراحلين. وهي إنَّما فعَلَت، ولا تزالُ، تزكيةً لرعيلٍ خلَفَ ذاكَ الرعيلَ وجاءَ، بينَ ما جاءَ بِهِ، بالاستبدادِ والهزائمِ التاريخيّةِ وبالمجازرِ الأهليّةِ والاغتيالِ السياسيِّ وبمعتقلاتِ الرعبِ وأجهزة الإرهاب، إلخ.

 

ذاكَ أيضاً بعض ما يستفادُ، وإن على نحوٍ غيرِ مباشرٍ، من فصولٍ ومقالاتٍ ضمّها هذا الكتاب. فيتَحَصَّلُ لنا من تدَبُّرِها درسٌ جليل.

 

*** 

 

نفتقد أخيراً ما عَهِدناه في فارس ساسين من سلاطة لسانٍ فَكِهةٍ أو مدمّرةٍ حين لا نَقَعُ بينَ المؤلّفين الذي كرّس لهم ساسين الناقدُ معظم مقالاتِهِ (باللغَتينِ) على كثيرٍ من الضحايا. فقد كانَ ينتقي منهم ومن بينِ أعمالِهم ما يعجِبُه للعرضِ والمراجعة. وتكادُ مدوّنتهُ Assassines  لا تستحقّ اسمَها إِلَّا لمجانستِها اسمَ عائلته والاسمَ الذي كان يحلو لأصحابِهِ أن يذْكُروهُ به: "الساسِين"! وإنّما يزدَحِمُ الضحايا من السياسيّين، حكّامِ اليومِ، ومعهم سُنَنُ تصرُّفهم بالبلادِ وأهلِها وما أثمرَتْهُ من جناياتٍ، في "تغريداتِه" القارصةِ وفي شظايا ذاكَ ال Abécédaire الذي أبقاهُ مكتوماً، على التخصيص.

        

نحْنُ، أصدقاءَهُ، كان يقيَّضُ لنا أيضاً، في ضَحَواتِ الأُنْسِ أو أماسيهِ، أن نجدَ أنفُسَنا في عِدادِ الضحايا ولكن راضينَ مَرْضِيّين. فسَلاماً عليكَ، أبا الفوارس!



[1]  في الذكرى الثانية لرحيل الكاتب الصديق فارس ساسين، أنشُرُ هنا نَصَّ "التقديم" الذي وضعتُهُ لأعمالِهِ العربيّة، وقد جُمِعَت تحت عنوان "كتابات" وصَدَرَت معها، في جزءين، أعمالٌ له بالفرنسيّة. صدَرَتْ هذه الكتب عن دار "شرق الكتاب"، بيروت، في خريف 2022.

[2]  دافع فارس ساسين عن كتابي رياض الصلح في زمانه (2011) حين أوشك أن يُحالَ دونَ نشره. ثمّ اعتنى بإصداره عن دار النهار للنشر. والكتابُ ينحو هذا النَحوَ المنوّهَ به أعلاه. وفي صيف العامِ الجاري، أصدَرَ صديقٌ آخرٌ لفارس ساسين هو منذر جابر كتاباً ينهَلُ (صراحةً لا ضمناً) من المشربِ نفسه، وهو سيرةٌ ضخمةٌ للزعيم الجنوبيّ يوسف الزين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها