السبت 2018/01/27

آخر تحديث: 20:23 (بيروت)

سؤال الانتساب إلى العربية

السبت 2018/01/27
increase حجم الخط decrease

ما صلة وصل الأقوام العربية بعربيتهم، سؤال راهن، وهو ذو صفة تركيبية لأنه لا يقتصر على طبقة استفهام واحدة، وهو أيضاً يصح فيه قول "تسمية الكل باسم الجزء"، أي هو العنوان الشامل الذي تتفرع منه أسئلة الإشكاليات المتعددة التي تواجه المجموع العربي في حاضره وفي مستقبله، والتي واجهت أكثر من مجموع عربي في الماضي، فلم تجد أجوبة ناجعة وواقعية، تضع بنية الإشكاليات على طريق تفكيكها وحلها الواقعي.


في الجواب على السؤال المطروح عن الصلة نلاحظ أن الادعاء "البنيوي" فقد مطرحه، أي أنه غير ذي توظيف "فكري" مباشر، الحديث عن البنية العربية المعاقة، هذا لأنه لا يمكن الكلام جمعاً عندما يكون الواقع مفرداً، ولا يمكن وضع سمات عامة لبنية مفترضة، فيما المطروح على بساط البحث سمات أكثر من بنية. هذه الحقيقة تطال مسألة نقاش المجموع العربي كوحدة اجتماعية، بسبب من وحدة اللغة فوق امتداد جغرافي ينطق "بالضاد"، أي أن اللسان الواحد ليس لسان بنية واحدة، وتأويل اللغة والحديث والكتاب المقدس والشريعة، وشرح الماضي بما ينطوي عليه، كل ذلك يجري على ألسنة متعددة كتعدد البنى المنتشرة فوق جغرافيا يقول عنها أبناء الطموح الوحدوي، إنها تمتد من المحيط إلى الخليج.


على ذات الخط البنيوي، اهتزت المسألة القطرية بما هي مسألة وطنيات ناشئة، وبما هي قضية تأطير مجتمعي ذي درجة محددة من الاندماج الداخلي، وبما هي واقع تكوين مسار مفرد، جمعي وفردي، وسياسي واجتماعي وفكري، أي تكوين استقلالي لمجموعة ذات هوية فرعية بنيوية، ذات صلة واضحة بهوية هي جذر وأصل، أي الهوية البنيوية العربية. في هذا السياق ليس غريباًَ القول، إن البنية المستقلة الواحدة لم تشعر بغربتها عندما انبتَّت من أرومة بنية عربيتها الجامعة، وما أظهرته البنيات الفرعية التي خرجت من أرومتها الأصلية، لم يتجاوز في الحالة العربية، الحنين السياسي إلى ماضٍ غابر، جرى توظيفه سياسياً، في حاضر لم يعرف الازدهار المستدام. هكذا صارت الصلة بالعربية صلة استثمار لكسب ما في زمن المكاسب، صلة تعمية على الفشل الذريع في كل الميادين، عندما افتتحت البنيات الوليدة مسارات خساراتها.


وصف حال الواقع العربي لم يعد مقدمة لاقتراح مقاربة شاملة له، بل صار مدخلاً إلى التخلي في الراهن، عن جملة من الشعارات والطموحات التي لا مكان لها بين جنبات هذا الواقع، والأهم، أن ما تنطوي عليه الشعارات والأهداف العامة، تفتقر إلى ألسنة تلهج بها، وإلى قوى تحملها وتتقدم للعمل على تنفيذها. الأرجح أن القلّة التي ما زالت تعتقد بجدوى مخاطبة الوضع العربي كوضع شامل، والتي ما زالت مقتنعة بأن المدخل العام هو المسلك الأجدى لتحديد خطوات الاقتراب من المدخل الخاص، هذه القلة باتت متهمة باعتزال الواقع المعيش، والاكتفاء بالمراقبة من "أبراجها العاجية". سوء الأحوال العربية كلها، يجعل رمي كل طموح يتجاوز القطري بالاتهام، سهلاً، وارتداد كل جماعة عربية إلى "جماعيتها" الخاصة، طرح ويطرح، أسئلة التشكيك حول قوام القطريات ذاتها، أي حول استقامة الوطنيات العديدة، التي استوت في شخصيات "جمهورية أو ملكية".


وفاقاً مع أكثر من معنى، عادت الأقوام العربية إلى "أقواميتها"، وابتعدت عن قوميتها. حتى كلمة الابتعاد تطرح سؤالاً واقعياً حول مدى اقتراب تلك الأقوام من قوميتها، وهل اقتربت فعلاً، أم أن الموجة القومية لم تتجاوز "الهبة" الوجدانية، ثم انحسرت وذهب "زبدها هباء" فلم يمكث منها ما ينفع الناس في الأرض!!.


لعلنا عدنا إلى زمن البدايات، لكن هذه الأخيرة مطروحة فقط على سبيل وعي ضرورة العودة إليها فقط، وأغلب الظن، أن ليس في أيدي القائلين بالرجوع إلى البدايات من الأسئلة، إلاّ النزر اليسير اليسير!!.



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها