الإثنين 2017/07/31

آخر تحديث: 17:43 (بيروت)

روسيا "الشيعية" والعقوبات الأميركية

الإثنين 2017/07/31
increase حجم الخط decrease

 على الرغم من عمق واتساع العقوبات الأميركية الأخيرة بحق روسيا، والتي يقول بعض المحللين الروس ، بأنها إعلان انطلاق الحرب الباردة ـــــ 2 بين روسيا والغرب ، إلا أن ما أثار غضب روسيا في العقوبات الجديدة هو وضعها في قائمة واحدة ، إلى جانب إيران وكوريا الشمالية . فقد قضت الولايات المتحدة بذلك على كل الآمال الروسية ، التي كانت لا تزال تعقدها على تحسين العلاقات مع واشنطن والتخلص من العقوبات ، في ظل رئاسة دونالد ترامب . لكن الأهم من كل ذلك ، هو أن اللائحة الثلاثية هذه قد قوضت "الإنجاز" الروسي الأهم في سوريا ، والذي من أجله دخلت روسيا هذه المقتلة ، والمتمثل باستعادتها لمكانة "الدولة العظمى" ، التي فشلت المغامرة الأوكرانية واحتلال القرم في استعادتها .  

من جانبها ، ترى المعارضة الروسية الليبرالية أن وضع روسيا في لائحة عقوبات واحدة مع إيران وكوريا الشمالية ، أمر ما كان يمكن تصوره منذ خمسة وعشرين عاماً ، وهي تخشى من ردة فعل هستيرية من جانب الكرملين على هذه العقوبات على الصعيدين الخارجي والداخلي . ولم يتأخر الكرملين في ردة فعله الهستيرية هذه ، فقد وصفت إحدى الصحف الروسية المعارضة طرد 755 دبلوماسياً أميركياً ، بأنها "أكبر عملية طرد دبلوماسية في التاريخ " .

من جانب آخر ، نقلت صحيفة "kommersant" عن كونستانتين إيغرت ، الإعلامي المعروف في قناة "دوجد" التلفزيونية الروسية المعارضة، والمعلق في Deutsch Welle" الألمانية ، بأنه ، وأخذاً بالإعتبار ردة فعل القيادة الروسية في مثل هذه الحالات ، يتوقع انفجار صراعات مسلحة في مناطق مختلفة من العالم بين روسيا وحلفاء الغرب ، وليس الغرب نفسه على الأغلب . ولا يستبعد الرجل ، أن تعمد روسيا إلى تنشيط العمليات العسكرية في سوريا وفتح جبهة حرب جديدة في ليبيا وإعادة تنشيط النزاع الأوكراني .  وهو يرى ان قانون الكونغرس الأخير سوف يؤدي إلى تغير شامل وعميق في الجو السياسي بين الغرب وروسيا .

إلا أن الكرملين لا يرى ما تراه المعارضة في لائحة العقوبات الثلاثية . فهو لم يتحالف مع إيران سراً في سورية ، وكان يبرر التحالف معها والتعاون في سوريا مع سائر التنظيمات الشيعية الأخرى المواليه لها ، بأنه تعاون الضرورة التكتيكي ، وأنه لا يعني أبداً الإنحياز إلى الشيعة ضد السنة في الحرب المستعرة بينهما.

لكن قانون العقوبات الأميركية الأخير ، الذي يقول عنه مركز كارنيغي في موسكو ، بأنه لم يضف عقوبات جديدة ، بقدر ما أقفل كل الثغرات القانونية في العقوبات السابقة ، التي كان يمكن النفاذ منها للتملص من العقوبات أو تجاوزها ، أطاح بكل حديث الكرملين عن عدم الإنحياز إلى الشيعة ، ووضع روسيا حيث اختار الكرملين نفسه ، إلى جانب إيران ، بل وإلى جانب النظام المتوحش في كوريا الشمالية .

وتشير زيارة نائب الرئيس العراقي نوري المالكي الأخيرة إلى موسكو ، بأن الكرملين على استعداد للإنخراط أكثر في تحالفه مع الشيعة ، ليس في سوريا فحسب ، بل وفي العراق أيضاً . فقد تحول نوري المالكي إلى " الشخصية الأساسية في العملية السياسية ، التي يتوقف عليها ، ليس أمن الشرق الأوسط وحسب ، بل وحدود دوله أيضاً" ، على ما جاء في موقع "gazeta.ru" . ونقل الموقع  في مقالة له عن الزيارة بعنوان "بوتين يطمئن بغداد" عن يلينا سابونينا ، مستشارة مدير المعهد الروسي للأبحاث الإستراتيجية ، قولها بأن المالكي قد احتفظ بنفوذه في العراق بعد ثلاث سنوات على مغادرته منصب رئيس الوزراء . وهو "يمثل الدوائر الشيعية في العراق ، التي تحتفظ بعلاقات مع إيران" .

وينقل الموقع عن المالكي قوله خلال لقائه مع رئيسة مجلس الفدرالية الروسي ، بأنه يود أن يرى "وجوداً روسياً سياسيا وعسكرياً قوياً في العراق" . ويقول الموقع ، أن الطرفين يعدان اتفاق صفقة كبيرة من دبابات T-90 للعراق .

وينقل الموقع عن الرئيس الروسي بوتين قوله ، قبل بدء المحادثات مع المالكي ، بانه لا يزال أمام الطرفين الكثير لعمله في مجال التعاون الإقتصادي . أما في مجال التعاون التقني العسكري ، "فإن روسيا تنشط في هذا المجال ، وتساعد العراق" ، كما نقل الموقع عن بوتين .

من جانب آخر ، ترى روسيا أن موقعها في الشرق الأوسط أصبح يتيح لها الدفاع عن إيران بوجه التهديدات الإسرائيلية . فقد نقل موقع " NationNEWS" عن مدير مركز دراسات تتعلق بشؤون الأمن القومي العقيد المتقاعد ألكسندر جيلين قوله ، أن "إسرائيل لن تخاطر بضرب إيران بسبب خشيتها من رد روسيا" . وراى هذا العقيد ، أن دور روسيا في الشرق الأوسط من الصعب المبالغة في تقديره ، إذ أصبح ، إضافة إلى النضال ضد الإرهاب ، عامل لجم جدي "في ما يتعلق بإسرائيل ، مثلاُ ". ويقول ، بأن نشاط إسرائيل على الأراضي السورية ، ليس إلا خطوة من خطوات عديدة على طريق تدمير طهران ، "الذي تتمناه إسرائيل" . ويتابع هذا العقيد القول ، بأن وقوف إسرائيل ضد إيران "يعني العمل ضد الأسد ، وهذا بدوره يمكن تفسيره ، بأنه خطوة ضد روسيا ". وينقل الموقع عن جيلين تأكيده ، أن روسيا وسوريا "وحتى أميركا" يرون في إيران "قوة كبيرة في النضال ضد الإرهاب" ، إلا أن لإسرائيل "مصالح أخرى" في هذا الشأن . ويؤكد هذا العقيد ، أن لا إسرائيل ولا أميركا سوف تخاطران بضرب إيران ، "طالما أن روسيا تشارك في المسألة السورية" ، ولهذا فهي ، في هذه الحالة، قوة رادعة ، "لأن الرد على الضربة سوف يكون أكثر من جدي"، حسب الموقع المذكور.

وفي لبنان كان لافتاً الترحيب الروسي "بالنصر الكبير لبلد صغير" ، في جرود عرسال . فقد اختارت وكالة نوفوستي هذه العنوان بالذات للتحقيق الواسع لمراسلها من عرسال عن الأحداث الأخيرة في هذه المنطقة . وقالت الوكالة ، أن مراسلها زار مع مقاتلي "حركة المقاومة اللبنانية" (وفي مكان آخر، "المقاومة الشيعية" ) خط الجبهة الأمامي ، حيث أقيمت في الكهوف سجون وملاجئ محصنة ، وفي الوادي مشغل نصف مدمر لإنتاج السيارات المفخخة .

وخلال انتظار اللقاء مع نائبة رئيس بلدية عرسال ريما كرونبة ، ينقل مراسل الوكالة ميخائيل علاء الدين حديثاً مع مواطنين عراسلة ، يحمدون فيه الله "أنهم خلصونا ، أخيراً ، من المقاتلين " ، وأصبح بوسعهم العودة إلى أرضهم وبساتينهم . لكنهم يشكون له من بقاء مشكلة اللاجئين ، "الذين يعيشون أفضل من السكان المحليين : فهم يحصلون على سكن مجاني وعلى الماء والكهرباء ، ويقدمون لهم تعليماً مجانياً وطبابة ، في حين علينا ، أن ندفع نحن مقابل كل ذلك . كيف يمكن إقناعهم الآن بالعودة إلى وطنهم ، فهم يعيشون أفضل هنا" .

من لبنان إلى سوريا والعراق لا يجد الكرملين غضاضة في تحالفه ليس مع الشيعة فحسب ، بل مع أي طرف آخر في سبيل الهدف الأساسي لانخراطه في المقتلة السورية ، وهو استعادة مكانة الدولة العظمى ، التي فقدتها روسيا مع انهيار الإتحاد السوفياتي . وكان الكرملين على قناعة كلية ، بأن الأمر قد تحقق له في سوريا ، إلى أن جاءت العقوبات الأميركية الأخيرة لتنسف هذه القناعة وتشير له إلى موقعه الفعلي إلى جانب إيران وكوريا الشمالية .







increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها