الأربعاء 2017/06/28

آخر تحديث: 08:59 (بيروت)

بين الكيماوي الممنوع والقتل "الحنون"

الأربعاء 2017/06/28
increase حجم الخط decrease

يستعد النظام السوري لاستخدام سلاحه الكيماوي من جديد ضد معارضيه، بحسب ما تفيد تصريحات المسؤولين الأمريكيين في واشنطن، الذين يؤكدون أن الإدارة الأميركية لن تصمت عن قتل السوريين. بيد أن هذا "اللاصمت" لن يأتي قبل موت العشرات أو المئات من السوريين، بل بعد مقتلهم، وهو ما يعيدنا إلى تصريحات الإدارة الأميركية السابقة التي اعتبرت الكيماوي خطاً أحمر ثم عادت، بعد مقتل أكثر من ألف مدني بينهم نساء وأطفال في غوطة دمشق الشرقية (آب 2013)، لتبحث عن حلول تجنب النظام عواقب تجاوزه هذا "الخط الأحمر".

على ذلك فإن جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة السابق، لم يكذب عندما قال في عام 2013، وهو يرمي طوق النجاة بنفسه لبشار الأسد، من تبعات الضربة العسكرية التي كانت كل المعطيات تؤكد وقوعها، إثر استخدام نظامه للسلاح الكيماوي، ضد ما يعتبره "الحاضنة الشعبية" للثورة السورية : "يمكن للأسد أن ينقل كل جزء من أسلحته الكيماوية خلال أسبوع ويسمح برصد كلي لها، لكنه لن يفعل ذلك ولا يمكن فعل ذلك بالطبع"؛ وهذا ماحصل بالفعل.

هكذا فإن كيري ونظيره الروسي لافروف أنجزا مهمتهما، آنذاك، وأبعدا شبح الضربة عن النظام، الذي تبيّن أنه لم يقم بتسليم كامل سلاحه من الكيماوي، بل عاد واستخدمه في أكثر من مكان، لتعود الدولة الراعية لاتفاق تسليم خرسانة السلاح الكيماوي السوري (الولايات المتحدة) لتحذر من جديد النظام من استخدامه، بينما تتصدى لتحذيراتها الدولة الراعية المقابلة لها، في ذات الاتفاق (روسيا)، مما يضع واشنطن أمام تساؤلات حول دورها كدولة عظمى، يفترض أن مهمتها حفظ الأمن والسلم الدوليين.

وفي الواقع فإن الولايات المتحدة في هذا التحذير تضع نفسها في مكانة أخرى، كدولة عادية، بتحويلها هذا الأمر إلى مجال للتلاعب والابتزاز العاطفي للسوريين، إذ هي توحي بأنها ترصد تحركات النظام، بل وتفيد باستعدادته لاستخدام السلاح الكيماوي المحظور دولياً بشكل عام، والمحظور عليه بشكل خاص امتلاكه، بموجب الاتفاقية التي وقعت في أيلول (2013)، بينها وبين روسيا، والتي تم توثيقها في قرار خاص صدر عن مجلس الأمن الدولي (رقم 2118) في ذات التاريخ، إثر استخدام النظام لهذا السلاح في الغوطة (2013).

الجدير ذكره أن القرار المذكور، في البند الرابع، نص على "أن لا تقوم الجمهورية العربية السوري باستخدام أسلحة كيماوية أو استحداثها أو انتاجها أو حيازتها، بأي طريقة أخرى، أو تخزينها أو الاحتفاظ بها. أو بنقل الأسلحة الكيماوية بصورة مباشرة أو غير مباشرة إلى دول أخرى او جهات من غير الدول". وذلك يعني أن نصاً بكل هذا الوضوح والحسم لا يحتاج إلى تأويلات وتسويفات وتحذيرات، كما ولا يحتاج إلى أي اجتهاد بخصوص التعامل معه مباشرة وفقاً للفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، علما أن قتل المدنيين، بأي شكل كان، بالكيماوي أو غيره، يعد جريمة حرب، ويعد انتهاكا لحقوق الانسان، التي أقرت بها الشرائع الدولية.

والسؤال الذي يطرح اليوم وسط جعجعة الحديث عن استخدام النظام للسلاح الكيماوي أكثر من مرة، وانتقال الحديث إلى التلويح بإمكان استخدامه مجددا، ما الذي يفعله مجلس الأمن الدولي إذن بخصوص قراره السابق؟ أو ما هي مآلات الفقرة 15 من القرار المذكور، والخاصة بمحاسبة المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا؟ ثم هل يمكن ادراج قصف مطار الشعيرات (نيسان 2016) ضمن لائحة العقوبات ضد النظام السوري عند استخدامه السلاح الكيماوي (كما حدث في خان شيخون)، علما أنه "يفترض" أنه سلمه كاملا للقوى الدولية؟ ام أنها كانت مجرد تمهيد لخطوات أميركية جديدة في سوريا؟

على ضوء كل تلك التساؤلات، وعلى ضوء التجربة المريرة، يبدو أن قرارات مجلس الأمن الخاصة بسوريا تضعنا أمام حالة من التشكيك المشروع بأنها تأتي لرفع العتب، أو أنها مجرد أداة ضغط تستخدم حسب احتياجات الدول العظمى وأهوائها، لا أكثر، فلو كانت جدية وبقيت المسألة حسب قرار مجلس الأمن "قيد النظر الفعلي" لما كان للنظام أن يستخدم اسلحته المحظورة، وأن يستمر في حربه ضد السوريين سبع سنين متواصلة، يقتل فيها من يشاء، بأسلحة يعتبرها المجتمع الدولي رحيمة والموت بنيرانها قتل "حنون" بينما لايسمح بقتل السوريين بالكيماوي "الكيماوي فقط"، أي أن القرارات الدولية في الحالين لا تأتي للتنفيذ مع الأسف، مايفسر استمرارية الصراع الدامي والمدمر في سوريا.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها