الأربعاء 2017/07/12

آخر تحديث: 10:02 (بيروت)

إتفاق الجنوب:انفتاح الأفق وانحسار إيران

الأربعاء 2017/07/12
increase حجم الخط decrease

تحدد اتفاقية المنطقة الآمنة، في الجنوب السوري، والتي تضم محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء، والموقعة بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، بمشاركة الأردن، ملامح الفصل ما قبل النهائي، ربما، في المأساة السورية، ليس لجهة الحل السوري المنشود، كما هو وفقا لمنظور المعارضة، وليس كما كان يتمناه النظام الحاكم ومعه إيران وروسيا (أحد الطرفين الأساسيين في الاتفاق)، لكنه كذلك وفقا لتراتبية الأطراف الدوليين والإقليميين في الصراع السوري؛ اذا قيض له أن ينفّذ، ليكون نقطة الانطلاق إلى اتفاقات أوسع قد تشمل المناطق ذات الصبغة المعارضة للنظام، على اختلاف مسمياتها، شمالاً وشرقاً وغرباً.

من هنا يمكن ان نفهم طبيعة ردود الفعل المختلفة والمرتبكة تجاه هذا الاتفاق، مؤخراً، سواء أتت من جهات اقليمية كإيران، أو من شخصيات أو فصائل معارضة، سياسية أو مسلحة.

بين هذا وذاك فإن اتفاق تخفيض التصعيد في الجنوب السوري يأتي بعيداً عن مدارات مفاوضات "آستانا" في جولاتها المختلفة، ليس لأنه يغرّد بعيداً عما تنتويه روسيا هناك، ولكن لأنه يأتي ضمن توافق دولي وإقليمي، على إيران، افتراقاً وليس تعاوناً، تحجيما وليس تدعيماً، وهذه هي نقطة التعويل التي لم تلتفت لها الأصوات السورية المترددة او المنددة، التي دعت إلى مقاطعة اتفاق الجنوب، متساوقة في ذلك مع الموقف الإيراني من حيث لاتدري، ومن دون الوعي بخبايا وانعكاسات ذلك على مجمل الصراع السوري، الذي بدأ يتبلور مؤخرا بالشكل الطبيعي له دولياً، أي بين القوتين الأساسيتين في سوريا والعالم، أي الولايات المتحدة وروسيا.

ولعله من المفيد التذكير أن هذا الاتفاق لا يأتي من فراغ، فهو حصيلة هزيمة مؤلمة كانت تكبدتها فصائل المعارضة المسلحة في حلب، قبل أشهر، تقهقر معها وجود المعارضة السورية لمصلحة النظام والمليشيات الإيرانية وروسيا، والمحصلة كانت تدمير أجزاء كبيرة من هذه المدينة، وقتل وتشريد معظم سكانها، وهي المدينة التي كان يعول عليها كثيرا في أي تسوية ممكنة بين الأطراف المتصارعة، سواء السورية منها أو الاقليمية والدولية. وبالرجوع إلى كل النداءات والمبادرات لوقف الاقتتال وفشلها، في حينه، مقابل إصرار بعض الفصائل المسلحة، وفي مقدمتها "النصرة"، على استمرار الاقتتال رغم أن نتيجته كانت محسومة، ومتوقعة، بالنظر إلى التفوق الجوي الروسي وجسر السلاح والقوى الطائفية، التي ساندت النظام في معركته، بينما وقفت مجموعة "أصدقاء سوريا" متفرجة، تحت بند عدم قدرتها على أن تشارك أو تساعد في معركة تقودها أو تعمل بها "القاعدة" المتمثلة بجبهة النصرة على أرض حلب.

على ذلك فإن تكرار تجربة الاستمرار في معركة، حتى لو كانت تميل لانتصار فصائل "الجيش الحر" في درعا، إلا أن ما حدث في حلب، أيضاً، هو سيناريو مشابه، يجب أن يؤخذ في عين الاعتبار، حيث كان يمكنهم هناك أن يتوجوا ذلك النصر بداية، باتفاق يجنّب أهالي حلب القتل وعمرانها التدمير ومن بقي منهم التهجير.

ولعلّ الجانب الأميركي وعى هذه النتائج مسبقاً في درعا، واخذ في الاعتبار تمدد النفوذ الإيراني في منطقة يعتبرها بمثابة خط أحمر، مع امتداد المنطقة الحدودية الشرقية مع العراق. وعليه فإن أول ملامح الاتفاق، الذي جرى بعيداً عن آستانة، هو ابعاد إيران عن المنطقة الجنوبية، كمقدمة لتفاهمات روسية أميركية أخرى، قد يكون من شأنها أن ترسم خاتمة للمأساة السورية المستمرة منذ سبع سنوات، وأن تؤسس ربما لتسويات سياسية، كانت قدمتها المعارضة ذاتها، من خلال رؤيتها للحل السياسي، التي أعلنتها في لندن (7 أيلول سبتمبر2016)، وتضمنت تقاسم السلطة (بين المعارضة والنظام).

قد تبدو الصراحة في طرح المواضيع موجعة لكن المبالغات، أيضاً، في طلب الصمود من الناس تحت القصف وفي ظل الموت اليومي، دون ارتكازات حقيقية يعتمدون عليها في مواجهة النظام والمليشيات التي تقاتل إلى جانبه والطيران الذي يحميه، هي مقامرة تمت تجربتها مراراً وتكرارا، وحصد السوريون وحدهم نتائجها الكارثية داخل بلدهم وفي دول النزوح واللجوء.

على ذلك يمكن تفهم الأصوات التي عارضت الاتفاق من باب حسن الظن بقدرة أهلهم في سوريا على الصمود، ولكن على هذه الأصوات أن تتفهم، أيضا، طبيعة الصراع الوحشي الدائر، وأن مثل هذه الصراعات لا تدار بالرغبات والتمنيات ولا بالمزايدات وانما بموازين القوى وبالمعطيات الدولية والإقليمية المحيطة وبقدرة الشعب على التحمل.

كما عليها أن تعرف أن السوريين وحدهم من يستطيع أن يترجم الاتفاق على أنه الخطوة الصحيحة لحل يبدأ من الجنوب، متخلصاً من إرهاب إيران ونفوذها وميلشياتها ليمتد إلى كل سوريا، هذا هو الموقف العملي والصحيح، بدل مسايرة موقف إيران في رفضها الاتفاق، الذي يستهدفها ويقوض آمال حليفها ("النظام") في استرجاع سطوته وسيطرته إلى ما قبل انطلاقة الثورة وانفتاح الأفق على واقع سوري، بل وأمل سوري، جديدين.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها