الجمعة 2017/10/06

آخر تحديث: 14:51 (بيروت)

في إدانة الثورة

الجمعة 2017/10/06
increase حجم الخط decrease

اختارت حماس واقعها، تصرفت في حدود إمكاناتها، فيما اخترنا المزايدة – الصادقة – عليها، من موقع الثوري، المناضل، الذي يريد كل شيء، ولا يجد مانعا أخلاقيا من ذلك طالما هو يريده لبلاده لا لمصالحه الشخصية، يريد العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية، يريد إسقاط حكم العسكر، والعائلات، والطغاة من كل صنف ولون، يريد ديموقراطية كاملة غير منقوصة، حرية في المجال العام، توجهات اقتصادية اشتراكية تضمن للمواطن حاجاته الأساسية، حماية كاملة لحقوق الأقليات، وللحرية الشخصية، إعلام حر، فضاء ثقافي وسياسي وديني واجتماعي حر، من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، يريد البركة فورا أو اللعنة فورا ..

لا يمكن أن يصادر أحد حق الحلم، كل ما نشهده اليوم من منجز حضاري، يؤرقنا، ويثير غيرتنا، ويشعرنا بالتفاوت، بيننا وبين غيرنا على الشاطىء الآخر، كان يوما ما فكرة دارت برأس حالم، إلا أن تتبع المسار التاريخي لهذه الأفكار التي صارت دولا وشعوبا وثقافات، تمشي على الأرض، يخبرنا أن الأمر لم يكن سهلا، الوقت، وضريبة الدم، التخطيط والتسييس (الذي نعتبره في بعض الأحيان جريمة ونترفع عنه من أجل النقاء الثوري المتخيل)، المنفعة من أجل القيمة، والنفس الطويل، كلها أشياء غابت عن الربيع العربي ونشطائه وحالميه، غابت فغبنا، ضاعت فضعنا، ولم نزل!

نحن مهزومون، نعزي أنفسنا بأن هذه ليست النهاية وأننا خسرنا جولة لكننا لم نخسر المعركة، هذا الكلام اللطيف يردده المهزومون منذ بدأ التاريخ في تدوين الهزائم قبل الانتصارات، إلا أن الحقيقة أن ما يجعل المعركة جولات لا جولة واحدة هو قدرة الملاكم على أن يستأنف الصراع، على أن ينهض بعد وقوعه ويكمل، على أن يلكم خصمه ويوقعه بدوره، فيعادل النقاط، أو يهزمه بالقاضية فتصبح نقاط الخصم السابقة عليه بلا قيمة..

ما نحن فيه الآن، هو أننا تلقينا لكمة قوية، أسقطتنا، وفي محاولاتنا البائسة للنهوض، نخبط في جنبات الحلبة، فنظن ان خصمنا هو من يتخبط، نترنح كالسكارى، فنظن أن خصمنا هو من يترنح وأن النصر وشيك، تزيغ أبصارنا من قوة اللكمة فنرى الخصم الواحد عشرة فنصرخ بالمؤامرة، بتواطؤ الحكم، والجمهور، والإعلام، نسقط من جديد ويعد علينا، واحد .. إثنان .. ثلاثة .. فيما نُصر بل ونؤكد أننا اقتربنا من النصر وما هي إلا مسألة وقت .. هيهات!

الوضع الدولي أكبر منا، التربيطات الإقليمية أكثر إحكاما وتخطيطا، السيسي وبشار لن ينصرفا بالأماني ومواصلة النضال الإعلامي من الخارج، والاستسلام للموت والاعتقالات في الداخل، صوتنا ضعيف، الفعل السياسي متهافت، التخطيط معدوم، رصيد المزايدة في العالي، ورصيد العقل تم تصفيره، لا صوت يعلو فوق صوت العدم، فما العمل؟ ما الحل؟

نحتاج، ابتداء، إلى خفض سقف الطموح، أنظمتنا أقوى، ومجتمعاتنا ليست معنا، المتابع لقضايا الحريات الشخصية وحدها في بلد مثل مصر يدرك إلى أي مدى تلتقي توجهات السلطة العسكرية في السيطرة على المجال العام وعسكرته وتأميمه مع توجهات المجتمع شديدة المحافظة والبؤس، فيما يغرد "بعض" الثوار وحدهم، حتى زملائهم الذين واجهوا معهم الموت في ميادين الحرية، سرعان ما يرتدوا عن قيم الثورة لصالح قيم المجتمع الضاغطة، فأي معركة تلك التي نخوضها بلا درع ولا سيف ولا دعوات الأمهات؟!

يمكنك القياس على مصر في قضايا كثيرة تخص الثورة السورية، وبقية ثورات الربيع العربي، تختلف التفاصيل والنتائج واحدة، تعيش وحدك، وتموت وحدك، وتبعث يوم القيامة وحدك، قد يعني ذلك أنك على الحق، ربما، لكنه لا يعني أن هذا الحق سينتصر، أبو ذر الغفاري قد ينتصر في الآخرة، لكن مثله لا تقوم له دولة في الدنيا، نحن في موقف ضعف، معنا الحق – كما نزعم – لكن ليس معنا غيره، علينا أن نعترف بذلك، وأن نخطط على هذا الأساس، بعض التدرج لن يضر، بعض التنازل لن يضر، ترتيب الأولويات، والعمل بالتوازي بين الإصلاحي والثوري، وكثير من السياسة، أبدا لن يضر، هذا أو الموت!





increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها