الأحد 2017/10/22

آخر تحديث: 06:49 (بيروت)

معركة الحفاظ على الإرهاب!

الأحد 2017/10/22
increase حجم الخط decrease

منذ سنوات أربع، كان انقلاب يوليو 2013. الجماهير في الشوارع تريد التخلص من حكم الإخوان، والسيسي على رأس المؤسسة العسكرية يستجيب لحماية الدولة المصرية – كما أخبرونا -  بعدها يطلب السيسي تفويضا من الشعب لمواجهة الإرهاب "المحتمل"، فتخرج الملايين في الشوارع والميادين لتوقع له على بياض!!

الآن، وبعد مرور 4 سنوات حصل فيها السيسي ونظامه على كل ما يريدون وأكثر لمواجهة الإرهاب الذي أصبح واقعا بعد أن كان محتملا، تماما كما أصبح السيسي رئيسا بعد أن كان قائد الجيش المخلص النزيه الذي لن يقبل أن يحكم البلاد حتى لا يكتب التاريخ أن الجيش المصري تحرك لأغراض شخصية، الآن، لا يبدو للدولة المصرية ولا للسيسي مشروعا حقيقيا سوى الحفاظ على الإرهاب نفسه!!

دع عنك حديث المؤامرة، ودع عنك غيره، فما يشغلني الآن هو ماذا يحدث، وكيف نتجاوزه، لا لماذا يحدث؟ ومن يقف وراءه؟، السيسي يحارب الإرهاب – كما يخبرنا – منذ سنين أربع، معه الدولة، ومعه مؤسساتها وإعلامها، جيشها وشرطتها ومخابراتها الحربية، وعلى حدود سيناء معه حليف قوي يربطه به سلام دافيء، وفي الإقليم يدعمه لاعبون أساسيون هم الإمارات والسعودية، ومن ورائهم إيران، والإرهابيون – كما يخبرنا – عصابة لا يمكن لها أن تصمد أمام خير أجناد الأرض، أو تنال من الدولة المصرية، ومع ذلك، فالإرهاب هنا، ينجح، ينجز، لا ينتهي، يظهر كلما حدثونا عن اختفائه، ويلمع كلما أخبرونا عن خفوته، ويزداد كلما وعدونا بقرب انتهائه، ويقتل كلما أوهمونا بموته، الإرهاب باق ويتمدد، يتحرك في طول مصر وعرضها، يضرب في سيناء، ويضرب في الصعيد، ويضرب في قلب القاهرة، ويضرب بالقرب من قصر الاتحادية، والآن في الواحات، حيث كان الفريق صدقي صبحي وصيف السيسي يشرف بنفسه منذ أسبوعين على مناورة عسكرية للقضاء على بؤر الإرهاب، الإرهاب هنا، يحصد الأرواح قبل أن يحصد كرامة أصحابها وهيبة دولتهم التي باتت في ذمة العدم!

في العملية الأخيرة، الواحات، خرجت كتيبة من الشرطة المصرية تستهدف بؤرة من بؤر الإرهاب، نحن من اخترنا الزمان والمكان، لم نؤخذ غيلة، جمعنا التحريات، حددنا الهدف، انطلقنا نحوه، هُزمنا شر هزيمة، وحمل الأثير صوت شرطي أخير يستغيث: انقذونا، أخذوا منا السلاح والذخيرة، وتركونا بين قتيل وجريح، ليخبره المتصل على الطرف الآخر أنهم سيرسلون لهم غطاء جويا، ذلك الغطاء الذي كان ينبغي أن يصحب المأمورية منذ البداية ليؤمنها، فإذا به يتزحزح الآن ليؤمن جثثها.

إذاعات العالم، ومحطاته، تنقل الخبر، فيما لا تنقله فضائيات مدينة الإنتاج الإعلامي التي تبعد عن موقع الحادث مسافة 50 دقيقة بالسيارة!

تعتيم، وأرقام متضاربة، بيان هزيل للداخلية يصدر بعد أكثر من 48 ساعة، العالم يخبرنا أنهم 55 قتيلا، فيما تخبرنا الداخلية أنهم 16، الجناة هربوا، إلا أن الداخلية تقول أنهم لم يهربوا، قتلناهم، وهربت جثثهم، هذا ما قالوه دون مزاح، زملاؤهم سحبوا جثثهم في جنح الليل!!

في تسعينيات القرن الماضي شهدت مصر موجة إرهابية أشد عنفا، ضربت السياحة، استقرار البلاد، الأمن، هزت أركان النظام، واجه مبارك وأجهزته تهديدا وجوديا، تعاملوا مع الأزمة، استدعوا الأزهر، علماءه، دعاته، استدعوا خصومهم من شيوخ الحركة الإسلامية المعتدلين، ناقشوا شيوخ الحركات المتطرفة، اشتغلوا سياسة، تفاوضوا استخدموا الدراما، السينما، الفنون، تلك التي هزمت الموت – كما يقول محمود درويش – نجحوا!!

قبل دقائق من كتابة هذه السطور، أذاع أحمد موسى، وهو مخبر أمن دولة يتقمص شخصية إعلامي ويقدم برنامجا على إحدى فضائيات النظام، أذاع تسريبا لطبيب الداخلية الذي تسلم جثث الضباط والعساكر، ثم عاد ليحذفه سريعا وينفي وجوده!!

الطبيب يروي ما سمعه من أحد الضباط الناجين من المجزرة، ساهم ضعف التنسيق بين الأجهزة في ظهور الحقيقة لبضع ثوان، ثم اختفت لتعود من جديد، على صفحات بعض الناشطين، تتبعت الخبر لأكتشف أن المرسل هذه المرة بعض ضباط الداخلية، أرسلوا التسريب، وطلبوا عدم ذكر أسمائهم!!!

يقول الطبيب: الكتيبة التي جرى تصفيتها كانت تزيد عن الـ 70 ضابطا وعسكريا، فيما لا تزيد المجموعة الإرهابية عن 12 شابا تتراوح أعمارهم بين 20 و22 عاما، ويقودهم شيخ عجوز!!

الإرهابيون طلبوا من الضباط – وفقا لشهادة الطبيب – الرقو على الأرض، فعلوا، بدأوا في قتل الضباط، وتعجيز العساكر برصاصات في الكتف والساق، وأخيرا أبقوا على أحدهم وأسروه بعد أن توسل إليهم أن يتركوه حيا من أجل عياله!


أحد ضباط الأمن المركزي الناجين يخبر الطبيب بأن الكتيبة بأكملها غير مدربة، تتعامل مع الرصاص الحي لأول مرة، العساكر كلهم رموا أسلحتهم بمجرد نزول الإرهابيين من الجبل، جاءت الإخبارية من أمن الدولة فتحركنا، أمرونا بالذهاب فذهبنا، بلا تحريات، وبلا خطة، وكان ما كان!!!

هذا المشهد المؤلم، والمهين، هو مشهد لشبه دولة لا يمكن بأي حال أن يكون القضاء على الإرهاب جزءاً من خطتها، إنما هو الحفاظ على الإرهاب وعلى نجاحه واستمراره، سواء كان ذلك بالفشل والإهمال الجسيم أو كان بالتواطؤ لأغراض سياسية، خياران، أحلاهما خيانة!



 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها