الأحد 2017/10/15

آخر تحديث: 09:20 (بيروت)

الأوساخ

الأحد 2017/10/15
increase حجم الخط decrease

المتابع للسياسة الأردنية يعرف جيدا اسم المهندس ليث شبيلات، المختلف، الذي اختزل أحلام الشعب الأردني في شخصه، لم يتعود الملك حسين أن يعارضه أحد، فإذا به أمام شاب لا يعارضه فحسب إنما يتعامل معه بخطاب من لا يخشى شيئا، سجنوه، فتحول بدوره إلى حلم، كل الشباب يريدون أن يصبحوا "ليث"!

استشرف حسين الخطر، زار والدة ليث شبيلات في بيتها علها تطلب منه حرية ولدها فلم تفعل، سألها بالله أن تطلب ما تريد فقالت المرأة العظيمة: أن تكون بصحة وعافية، ألح عليها في الطلب، فطلبت منه صورة له ممهورة بتوقيعه، خرج حسين من بيت السيدة يجر أذيال الغيظ قبل الخيبة، بعدها بسبعة أشهر لم يجد حسين حلا إلا أن يقتسم مشهد النخوة مع شبيلات، ذهب إليه بنفسه، وأخرجه من السجن، أمام الكاميرات، وذهب به إلى والدته ليخبرها أنه قد جاءها بولدها، واحتسبت له طبعا!

الحسين، رحمه الله، كان ديكتاتورا، لا لبس في ذلك، مستبدا بيقين، متواطئا مع الأعداء التاريخيين لأمته، قولا واحدا، لكنه كان سياسيا يحمل فوق رأسه بعض عقل، إن لم تحركه أخلاقه حركته مصالحه، لم يتجاوز مع شبيلات في سجنه، لم يهن والدته بل أظهر كل الاحترام، لم يتوان في البحث عن حل فعال في "معارض" يوشك أن يتحول إلى "حالة"، ووجده، وهو أن يتجرع السم ويذهب بنفسه لتحرير سجينه!

في مصر الآن، عساكر أجلاف، لا أجد سوى وصف الملك فاروق لأسلافهم حين انقلبوا عليه، أجلاف، أوساخ - وصفا لا سبا - يتعاملون مع كل شيء بجلافة ممنهجة، كأنهم يخشون أن يفوتهم شيء من كتاب الجلافة والنطاعة والانحطاط ..

في أسبوع واحد، يمكنك من مجرد المتابعة – على خفيف - لأخبار مصر المنكوبة أن تحصي عليهم كل موبقات السياسة ووساخاتها، لا يتورعون عن شيء، ولا يسعون لإخفاء وساختهم، بل يعلنونها بشيء من التباهي والتفاخر، نحن أوساخ، فمن أنتم؟!!!

يموت والد الإعلامي المعارض معتز مطر فيحرم الإبن من نظرة الوداع الأخيرة، يحرم من الصلاة على والده، يحرم من دفنه بنفسه، يحرم من أخذ واجب العزاء فيه، نظام بأكمله ليس فيه عاقل واحد ينصح الجلف الأكبر بأن يأخذ اللقطة كما تعود ويسمح لمطر الصغير ما سمح من قبل لهيكل الصغير، نجل الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل،  وقد كان مطلوبا في قضايا حقيقية وليست ملفقة مثل القضايا التي يحملها صوت معتز مطر الصادح بمعارضة النظام، يموت الرجل دون نشر خبر يتيم، أو متابعة، أو بعض اهتمام يستحقه لاعب ومدرب سابق بالنادي الأهلي، هو الكابتن علوي مطر، يموت في صمت وحرمان من بعض ذويه، وينضم معتز إلى عشرات المكلومين في ذويهم دون نظرة أخيرة

يقبض العساكر على سليمان الحكيم، الصحافي الناصري القومي المسن الذي تجاوز السبعين، الحكيم سبق وأن أعلن تأييده للنظام، توسم، مثل غيره، في السيسي أن يكون "ناصر" جديداً، ظهر له حقيقة النظام فتحدث بما يراه، كما تحدث من قبل، ولكن هذه المرة في نقد النظام وتعريته، قبضوا عليه، ولم يراعوا سنه ومكانته وسابق تأييده، أهانوه، ضربوه، وهو العجوز السبعيني، هدموا بيته بالجرافات، اختطفوه لمكان غير معلوم، ولم يتركوه إلا بعد أن هاجت الدنيا عليهم ..

الناشط الحقوقي محمد زارع يفوز بجائزة مارتن اينالز، وهي بمثابة نوبل في حقوق الإنسان، لكنه لا يتمكن من السفر لجنيف لتسلم الجائزة، بسبب صدور قرار في مصر بمنعه من السفر، يكرمه العالم ويحبسه السيسي، لأنه حقوقي في بلد لا حق لأحد فيها سوى حكامها، يحرم زارع من تمثيل بلاده وتشريفها ربما لأن عبقريته في رأسه وليست في قدميه ..

سلفي يذبح قسيسا قبل انتهاء مدة قانون الطوارىء بساعات، صدفة طبعا، يجدد السيسي الطواريء، وكأنه يحتاج إلى الطوارىء، ويمضي في طريقه، فيما تمضي الواقعة بشكل عادي، وكأنها ليست كارثة محققة في بلد بات يصبح ويمسي على الكوارث غذاء يوميا، ومعتادا، كالماء والهواء، القاتل عاطل عن العمل، وتم اتهامه من قبل في الاعتداء على والده، لا بأس من استعارة بعض أفكار التطرف والدعشنة لتفريغ مزيد من الطاقة السلبية بدعوى حماية دين والانتصار له، في بلد لم يعد يفرز إلا الدعشنة في السياسة والإعلام ومناهج التعليم، وكالعادة الضحية مسيحي أو امرأة، كافر أو سافرة، لابد أن هناك سببا فالدواعش لا يقتلون جزافا مثل الحكومة!

أضحت كل أحلامنا في مصر حياة بلا إعدامات، من النظام أو من دواعشه، حياة بلا موت، الحق في الحياة مجردا من أي إضافة، صارت كل ما نحلم ولا نملك، كل ما نطمح ولا نستطيع، في نهاية الأسبوع فازت فرنسا بمقعد مدير اليونسكو بفارق صوتين على قطر العربية، فوقف مندوب مصر "الدبلوماسي" أمام العالم، يهتف: تحيا فرنسا، وتسقط قطر .. هذا هو "الدبلوماسي" فكيف يكون البلطجي؟!

لم نعد في خلاف مع نظام استبدادي فاشي عنصري طائفي يحكم البلاد بالحديد والنار والإعدامات، والاختفاء القسري، وتهديد الناس في حياتها، وبيوتها، وأرزاقها، وسمعتها، صرنا تحت حكم "الأوساخ"، لا وصف آخر، ولا حل سوى "كنسهم" إن كنا نريدها بلادا نظيفة!.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها