الثلاثاء 2024/04/09

آخر تحديث: 12:53 (بيروت)

ماسة وعلي المولودان في غزة 7 اكتوبر...رضاعة الدم والجوع

الثلاثاء 2024/04/09
ماسة وعلي المولودان في غزة 7 اكتوبر...رضاعة الدم والجوع
أمل الطويل مع طفلها الذي يعاني فتقاً في الأمعاء ولا جراحة تنقذه (أ ب)
increase حجم الخط decrease
انطلقت الصواريخ في سماء غزة صباح 7 تشرين الأول/أكتوبر، بينما كانت أمل الطويل تسرع إلى مستشفى مخيم النصيرات القريب، وهي في حالة مخاض. وبعد ولادة صعبة، تمكنت وزوجها مصطفى أخيراً من حمل علي، الطفل الذي انتظراه ثلاث سنوات كاملة.

وجاء المخاض أيضاً إلى رولا صقر في اليوم نفسه عندما كانت تحتمي من الغارات الجوية الإسرائيلية في بيت لاهيا في قطاع غزة. وكانت وزوجها محمد زقوت، يسعيان لإنجاب طفل منذ خمس سنوات، ولم تمنعهما الانفجارات المرعبة من التوجه إلى المستشفى في تلك الليلة، لتخرج إلى الحياة الطفلة ماسة.

وخرجت العائلتان من المستشفى إلى عالم شهد تحولات جذرية. ففي اليوم الثاني من حياة مواليد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أعلنت إسرائيل الحرب ضد حركة "حماس"، وحلّقت مقاتلاتها فوق الأحياء التي كان من المفترض أن يترعرع فيها علي وماسة، حسبما نقلت وكالة "أسوشييتد برس".

وفي الأشهر الستة التالية دمرت الغارات الجوية الإسرائيلية منزلي العائلتين، فلم يبق لهما مأوى، وبات الحصول على علاج طبي أو لوازم أطفال شبه مستحيل. كما أصبح أطفال غزة جوعى، ورغم كل الخطط التي وضعت قبل الحرب، أصبح لدى أي والدين هاجس أن تكون الحياة التي كانوا يأملون في منحها لأطفالهم، مستحيلة.

وقالت الطويل: "كنت أعدّ حياة أخرى لابني، حياة جميلة، لكن الحرب غيرت كل ذلك. نحن بالكاد نعيش يوماً بيوم، ولا نعرف ماذا سيحدث. لا توجد أي خطط". فيما استعادت صقر آمالها قبل الحرب، وقالت وهي تهدهد ماسة: "هذه ابنتي الوحيدة. أعددت لها مستلزمات كثيرة وملابس. اشتريت لها خزانة ملابس قبل أسبوع واحد فقط من الحرب. خططت حتى لأعياد ميلادها المقبلة، ثم جاءت الحرب لتدمر كل شيء".

وأمضى آل الطويل الأيام الأولى من حياة علي متنقلين بين منازل أقربائهم بحثاً عن الأمان. وتواصل قصف المباني المجاورة، أولها بجوار منزل شقيقة أمل، ثم آخر بجوار منزل والديها. وبينما كانت الأسرة تتنقل بين المنازل يوم 20 تشرين الأول/أكتوبر، أصدرت السلطات الإسرائيلية أمر إخلاء يحذر من ضربة وشيكة، ويمهل السكان 10 دقائق للمغادرة.

وقالت الطويل: "اضطررت إلى الإخلاء. لم أتمكن من أخذ أي شيء. لا بطاقات هوية، ولا شهادات جامعية، ولا ملابس طفلي، لا شيء، ولا حتى الحليب والحفاضات والألعاب التي اشتريتها له". ووجدت العائلة ملجأ مؤقتاً في منزل والدي أمل وسط قطاع غزة، مع 15 فرداً آخرين من الأسرة.

وعلى مسافة غير بعيدة لجأت صقر وزوجها وابنتها إلى منزل أحد الأقرباء، وهو مكون من غرفتي نوم، يقيم فيهما أكثر من 80 فرداً. وقالت أن المكان أصبح مكتظاً لدرجة أن الذكور نصبوا خيمة في الخارج لإفساح مساحة أكبر للنساء والأطفال في الداخل.

ومع تقدم القوات الإسرائيلية نحو وسط غزة في كانون الأول/ديسمبر، توجهت الأسرتان إلى رفح في أقصى جنوب غزة، التي أصبحت تضم الآن مئات الآلاف من الفلسطينيين النازحين. ومثل العديد من اللاجئين في رفح، عاشت عائلة الطويل في خيمة لأكثر من شهر. وقالت الأم: "كانت هذه أسوأ تجربة في حياتي. وهي من أسوأ الظروف التي عشتها على الإطلاق".

وفرضت إسرائيل قيوداً شديدة على إيصال المساعدات من غذاء وماء ودواء وغيرها إلى غزة خلال الحرب التي بدأت بهجوم حماس في 7 تشرين الأول على جنوب إسرائيل ما أدى لمقتل نحو 1200 شخص واحتجاز 250 آخرين كرهائن. فيما قتل أكثر من 33 ألف فلسطيني، ثلثاهم من النساء والأطفال، بحسب مسؤولي الصحة الفلسطينيين. كما خلق الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة أزمة إنسانية، أدت إلى نزوح أكثر من 80% من السكان، وخلفت أكثر من مليون شخص على شفا مجاعة.

والرضيع علي، الذي أصيب بالتهاب في المعدة والأمعاء قبل فرار العائلة إلى رفح، كان يعاني من قيء وإسهال مزمنين، وهما من علامات سوء التغذية التي تقول منظمة الصحة العالمية أنها أصبحت شائعة بين واحد من كل ستة أطفال في غزة. وكان علي يعاني نقص الوزن، حيث بلغ وزنه 5 كيلوغرامات فقط.

وقالت الطويل: "لا أستطيع حتى إطعام نفسي حتى أتمكن من إرضاع طفلي بشكل جيد. الصبي يفقد وزناً أكثر مما يكتسب". كما كان والداه يشعران بالقلق من طفح جلدي ظهر على وجهه، ويحاولان حمايته من أشعة الشمس، فظل بشكل شبه دائم داخل الخيمة.

وقبل الحرب عمل مصطفى الطويل، نادلاً لشهور طويلة في مقاهي مدينة غزة حتى يتمكن من شراء طعام أطفال وألعاب وملابس لمولوده القادم. والآن أصبح لا يستطيع حتى أن يشتري لابنه أبسط الأشياء في رفح. فبسبب الحرب هناك نقص حاد ومزمن في السلع الأساسية، وأصبح من الصعب العثور على حفاضات وحليب صناعي، أو إذا وجدت لا يمكن تحمل أثمانها الباهظة. وكان عليه الاعتماد على الأغذية المعلبة التي تمنحها الأمم المتحدة.

وقالت الطويل: "كان والده يعمل يومياً لشراء الحليب والحفاضات وأي مستلزمات أخرى قد يحتاجها الطفل. حتى الألعاب اختفت. لا شيء يمكننا توفيره له". وفي شباط/فبراير قررت عائلة الطويل العودة إلى منزل والدي أمل في النصيرات.

وقرب المكان الذي تعيش فيه عائلة الطويل في رفح، وجدت ماسة ووالداها مكاناً في مخيم الشابورة للاجئين، في خيمة صغيرة صنعاها من أكياس طحين. كانت المياه الموحلة تتجمع حول الخيمة عندما تهطل الأمطار، وكانت رائحة المجارير تفوح في المنطقة. كما كان القيام بأي شيء يتطلب الانتظار في طابور طويل. مثلاً كان انتظار استخدام المرحاض يستغرق ساعات.

ثم مرضت ماسة، وتحول لونها إلى اللون الأصفر، وبدأت تعاني من حمى دائمة، مع تعرق جبهتها الصغيرة. حاولت والدتها إرضاعها طبيعياً، لكنها لم تستطع لأنها كانت بدورها تعاني من سوء تغذية، وأصيبت بتقرحات في ثدييها. وقالت صقر: "حتى عندما أتحمل الألم وأحاول إرضاع ابنتي، فإن ما تتناوله هو الدم وليس الحليب".

وفي لحظة يأس باع الوالدان المساعدات التي تلقتها الأسرة من الأمم المتحدة لشراء حليب صناعي لماسة. ثم قررت الأم العودة إلى مخيم النصيرات للحصول على علاج طبي للطفلة، تاركة زوجها ليعتني بخيمتهم، وانطلقت في عربة يجرها حمار.

لجأت الوالدتان إلى مستشفى الأقصى فور وصولهما إلى وسط غزة. وكانت صقر محظوظة، إذ أبلغها الأطباء أن ماسة مصابة بفيروس، وقدموا علاجاً للطفلة. لكنهم أخبروا الطويل أن الطفل علي بحاجة إلى عملية جراحية لعلاج فتق، لكنهم لن يتمكنوا من إجرائها. فمثل معظم مستشفيات غزة يجري "مستشفى الأقصى" العمليات الجراحية المنقذة للحياة فقط.

وبعد مرور نحو ستة أشهر على بدء الحرب، دُمّر القطاع الصحي في غزة تماماً. ومازال فقط 10 من مستشفياته الـ36 تعمل بشكل جزئي فقط. أما بقية المستشفيات فتوقفت عن العمل تماماً، أو مازالت تعمل بالكاد بسبب نفاد الوقود والأدوية، أو تتعرض لمداهمة قوات إسرائيلية، أو تتعرض لأضرار بالغة جراء القتال.

وعندما تفكر العائلتان في المستقبل، لا يمكنهما أن تتخيلا أن تقترب حياة الطفلين حتى مما تصوروه أو كانوا يأملون فيه. وقالت صقر أنه حتى إذا تمكنت عائلتها من العودة إلى منزلها في شمال غزة، فلن تجد سوى الأنقاض. وأضافت: "عانيت الأمر نفسه في رفح، وسأعاني في الشمال. سنقضي حياتنا في خيمة. بالتأكيد ستكون حياة صعبة".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها