الجمعة 2024/03/08

آخر تحديث: 18:23 (بيروت)

إسرائيل: خطوط حُمر تمنع الحرب الشاملة

الجمعة 2024/03/08
إسرائيل: خطوط حُمر تمنع الحرب الشاملة
increase حجم الخط decrease
لم تحُل تغطية الإعلام العبري لتطورات القتال المتصاعد في جبهة لبنان بين إسرائيل و"حزب الله"، دون التوقف عند الرسائل النصية "الغامضة" التي وصلت الى هواتف سكان مستوطنة كريات شمونة، شمالي فلسطين المحتلة أخيراً، والتي دعتهم إلى التوجه جنوباً حتى نهاية الأسبوع، خشية "تصعيد أخطر".

رسائل نصية.. كحرب نفسية
ولفتت استديوهات الأخبار العبرية الى هذه الرسائل في خضم رشقات الصواريخ الثقيلة على كريات شمونة بين الفينة والأخرى، بدعوى أن مرسلها هو "حزب الله"، وقد اعتبر المحلل العسكري لتلفزيون "مكان" العبري إيال عاليما، أنها تندرج في سياق "حرب نفسية" ينتهجها الحزب ضد إسرائيل ومستوطني المنطقة الشمالية بموازاة المعركة الميدانية. 

فيما سارعت قيادة الجبهة الداخلية فور وصول الرسائل المجهولة إلى تهدئة "السكان الإسرائيليين" المستهدفين، وطالبتهم بالاستماع لتعليماتها فقط، بوصفها "الجهة الوحيدة المخولة" بذلك، كما حذرتهم من التعاطي مع أي رسائل غامضة، أو مجهولة المصدر.

وبالنسبة الى مجريات القتال في جبهة لبنان، قال عاليما إن حزب الله أدخل متغيراً جديداً في الميدان، تمثل باستخدامه صواريخ مضادة للدروع في قصف كريات شمونة بكثافة بالأيام الأخيرة. 

وأجمعت تحليلات الإعلام العبري على أن إسرائيل ملزمة باستنفاد كافة الجهود الدبلوماسية لحل مع "حزب الله"، لكنها ادعت أن سياسة الحزب تتجه إلى عمليات هجومية ستقرب إسرائيل من نقطة "الحسم العسكري"، رغم أن أي قراءة إسرائيلية لم تكن جازمة بشأن وجهة المؤسسة الأمنية والسياسية في تل أبيب بخصوص الجبهة الشمالية بالمحصلة.

"لا قرار باغتيال نصر الله"
اللافت أن بعض الصحف العبرية راح إلى البحث عن إجابات لأسئلة في ثنايا المواجهة المتصاعدة التي لم تصل بعد إلى حرب شاملة. ولعل أبرز سؤال طرحته صحيفة "معاريف":  "لماذا لم تقضِ إسرائيل على أمين عام حزب الله، حسن نصر الله، بعد؟".

هو سؤال ارتأت أن تحصل "معاريف" على إجابة مزعومة له من المؤرخ الإسرائيلي أماتزيا بارام، والذي لطالما كتب عن حزب الله وطبيعة المواجهة معه على مدار سنوات. وقد أفردت "معاريف" في صفحاتها تقريراً مختزلاً مبنياً على إجابات بارام، بحسب وجهة نظره؛ إذ يقول إن اغتيال إسرائيل لعباس الموسوي في هجوم مضاد العام 1992، تسبب بمجيء حسن نصر الله زعيماً لحزب الله، وقد اعتبر أماتزيا بارام أن "نصر الله أكثر ذكاء وذا كاريزما وله علاقات وثيقة وقوية بإيران، وأكثر نجاحاً، وألحق أضراراً أكبر بكثير بإسرائيل".. وهي مقارنة عقدها أستاذ تاريخ الشرق الأوسط بين زعيم اليوم، وزعيم الأمس؛ كي يبرر "عدم اغتيال إسرائيل لنصر الله حتى الآن".

وهنا، نقلت "معاريف" عن بارام قوله إنه "من هذا يمكننا أن نتعلم أنه حتى لو قضينا على نصر الله، فمن الممكن أن يأتي بعده زعيم سيكون تأثيره أوسع، وسيضر أكثر بإسرائيل".

"لغة مشتركة".. منذ 2006
بمعنى آخر، حاول البروفيسور أماتزيا بارام أن يقدم تفسيراً ليس فقط لسبب عدم اغتيال الاحتلال الإسرائيلي لنصر الله، بمنظوره، بل فسر أيضاً سياق المواجهة الحالية وشكلها، وأبرز العوامل التي تكبح تطورها إلى حرب شاملة حتى الآن.. إذ زعم بارام أن ثمة فهماً متبادلاً لقوانين الحرب بين نصر الله والجيش الإسرائيلي، وذلك بفعل لغة مشتركة تمكنت إسرائيل من إنشائها معه، وأنه "بفضل هذه اللغة المشتركة"، فإن نصر الله "يعرف ماذا سيحدث له إذا تصرف بطريقة معينة ضد إسرائيل، ونحن نعرف أيضاً ماذا سيكون رد فعله ضدنا إذا تصرفنا بطريقة معينة". وتابع بارام: "يمكنك القول أننا نفهمه، وهو يفهمنا".

وحسب بارام، فإنه بالرغم من المعارك المتصاعدة في الجبهة الشمالية منذ 8 تشرين الاول/أكتوبر الماضي، إلا أن الوضع لم يصل إلى حرب واسعة بفضل "اللغة المشتركة مع نصر الله". وأشار إلى أن هذه اللغة بدأت تتشكل منذ العام 2006، حينما اندلعت حرب لبنان الثانية، حيث اختبرت إسرائيل حدود جيشها حينها، واختبرت أيضا حدود حزب الله.. وما هو "خطنا الأحمر، وما هو الخط الأحمر عند نصر الله".

"التصفية".. حربٌ شاملة
وبينما يقر البروفيسور الإسرائيلي بارام بأن أمين عام حزب الله "لا يطيع دائماً"، أي أنه يُقلق إسرائيل، فإن الكاتب زعم أن نصر الله "يعرف تقريباً حدوده حتى لا يؤدي إلى حرب شاملة".

ثم تعود "معاريف" لتقرب المجهر أكثر على مكان وجود نصر الله، وما إذا كانت تعلمه إسرائيل، إذ ادعى بارام في إجابته بخصوص ذلك، أنه إذا قامت إسرائيل باغتياله، فإن نائبه نعيم قاسم سيكون بديله، وأن هذه "مخاطرة"؛ لأن إسرائيل "لا تعرفه، ولم تبنِ معه لغة مشتركة".

ووفق ادعاء "معاريف"، فإنه لا مشكلة لإسرائيل في الوصول إلى مكان نصر الله، بقولها إن "نتنياهو يحتاج فقط إلى إصدار أمر بذلك"، ودلّت على ذلك بالزعم أن الجيش الإسرائيلي اغتال نائب رئيس حركة حماس صالح العاروري في الضاحية الجنوبية على بُعد بنايات قليلة من المكان الذي تواجد فيه أمين عام حزب الله، في إشارة إلى أن جيش الاحتلال لا يريد اغتياله للسبب المتعلق بالخشية من أن يخلفه "زعيم أخطر". 

بيدّ أن بارام كشف سبباً آخر يردع إسرائيل عن الاغتيال، ألا وهو أن المؤسسة الأمنية تدرك أنها في حال "قضائها على نصر الله صباح الغد، فإن الحرب الكبرى ستبدأ"، وسيُطلق النار على تل أبيب وحيفا والقواعد الكبرى والمطارات. وإذا قرروا ذلك، فهو إعلان حرب شاملة ستشارك فيها إيران أيضاً، بحسب تقديرات الكاتب الإسرائيلي.

ولذلك، يعتقد بارام أن مثل هذا القرار لا يمكن القبول به إلا في إطار حرب شاملة، لكن في هذه المرحلة ما زالت المواجهة بين الحزب وإسرائيل قائمة، ولو بإيقاعات محتدمة حيناً.
مع ذلك، بدا البروفيسور بارام غير جازم تماماً لما تريده المؤسسة الأمنية الإسرائيلية في الوقت الحالي، غير أنه أكد أن إيران وحزب الله لا يريدان ذلك أيضاً. كما افترض أن الولايات المتحدة لا تؤيد قراراً بتصفية نصر الله، بل تحاول دائماً تقليص أبعاد المعارك، و"نحن بحاجة إلى أن تكون أميركا إلى جانبنا".

نحو عمليات أمنية مستقبلية
الحال أن البروفيسور الإسرائيلي أماتزيا بارام هو أستاذ متخصص بتاريخ الشرق الأوسط، وبالإضافة إلى قراءته لأسباب عدم اغتيال إسرائيل حسن نصر الله، فإنه كتب مقالات عديدة عن حزب الله، منها مقال سابق في كانون الاول/ ديسمبر الماضي اعتبر فيه أنه من دون احتلال جنوب لبنان وبيروت، فإنه من المستحيل نزع سلاح حزب الله، مشيراً إلى أنه "من خلال استغلال نقاط ضعف الحزب، يمكن أن يضطر الأخير إلى سحب مقاتليه إلى ما وراء الليطاني والحفاظ على وقف كامل لإطلاق النار لمدة سنوات"، وفق قوله.

لكن قراءته الجديدة عن اللغة المشتركة بشأن الخطوط الحُمر تبدو بمثابة تراجع نسبي عن حماسته للحرب الرادعة التي حث عليها بمقاله السابق، بل أن بارام ظهر هذه المرة مُنظّراً لشكل الرد الإسرائيلي على حزب الله.

مع ذلك، يُستشف مما وراء سطور البروفيسور أماتزيا بارام، بأن اللغة المشتركة ربما تدفع إسرائيل إلى شكل جديد من المواجهة السرية لـ"ردع حزب الله، وتقويض خطره"، ولو انتهى القتال الحالي بموجب اتفاق محتمل، وهي مواجهة أمنية سرية ربما تجدها إسرائيل بديلاً للحرب الواسعة، بحيث تقوم على افتعال أحداث غامضة لتحقيق "الحسم" ضد حزب الله.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها