الأربعاء 2024/03/13

آخر تحديث: 21:37 (بيروت)

"نزيف التراب": دراما رمضان الفلسطينية...في ظل اقتحامات إسرائيلية حقيقية!

الأربعاء 2024/03/13
"نزيف التراب": دراما رمضان الفلسطينية...في ظل اقتحامات إسرائيلية حقيقية!
استوحى اسم المسلسل "نزيف التراب" من مشهد لدمار هائل في غزة
increase حجم الخط decrease
في غمرة العدوان على غزة، وما خلف من كارثة إنسانية، حضر مسلسل "نزيف التراب" في خريطة دراما رمضان هذا العام، بصناعة فلسطينية من أولها إلى آخرها، من إخراج الشاب الفلسطيني بشار النجار. واللافت أن المسلسل يشارك فيه ممثلون معروفون في الإطار المحلي، لكنه حرص أيضاً على إشراك وجوه شابة في أداء أدوار بالمسلسل، بعضها يخوض تجربة التمثيل للمرة الأولى.

والمسلسل، هو قفزة جديدة في صناعة الدراما الفلسطينية التي تكاد تكون غير موجودة؛ لأسباب متعددة، أبرزها وجود الاحتلال الإسرائيلي.. لكن مع ذلك، تبرز في السنوات الأخيرة جهود درامية فلسطينية خالصة، إنتاجاً وإخراجاً، وبإمكانات متواضعة، مهمتها معالجة القضية الفلسطينية ببعدها الوطني، والحدثي، وباتت تُبث في شاشات عربية، لا فلسطينية فقط.

وتبث شاشة التلفزيون "العربي 2" هذا المسلسل المكون من 30 حلقة طيلة شهر رمضان، وتدور أحداثه في بلدة "تل الصبر" بمحافظة نابلس.


أسرى فلسطينيون يهربون من سجن عوفر
تبدأ القصة من لحظة تمكن أربعة أسرى فلسطينيين من الهروب من سجن عوفر الإسرائيلي القريب من رام الله، إلى أن تم القبض على اثنين، والإعلان عن استشهاد آخرين إثر اشتباك دامٍ مع جنود الاحتلال.

الحال أن سيناريو المسلسل ارتأى أن يستلهم بداية الحبكة الدرامية من قصة واقعية لهروب ستة أسرى فلسطينيين من سجن جلبوع العام 2021، لكنه قصد هذه المحاكاة الجزئية لينطلق منها في بناء درامي قائم على وقائع المعاناة المعاشة يومياً في مناطق الضفة الغربية المحتلة، ومنها اقتحامات قوات الاحتلال والاعتقالات والاغتيالات على أيدي قوات الاحتلال "المستعربة"، وأساليب التحقيق الإسرائيلي القاهرة.

يسلط المسلسل الضوء على أسير يُدعى "بلال" عقب هروبه من السجن، ورحلة مطاردة احتلالية طويلة له، ونجاته من اعتقالات واغتيالات مُحكمة، كما يُبرز دور المرأة الفلسطينية في النضال الفلسطيني، ومعاناتها جراء الاحتلال، كالخالة "أم عسكر" التي تنقذ بلال من موت محقق. وتجلّت أيضاً أساليب الأسير بلال في الإفلات من ملاحقات الإحتلال له، ومنها أنه حوّل اسمه إلى عاصف، ثم تتوالى أحداث المسلسل التي تجسد يوميات فلسطينية حقيقية بالضفة المحتلة.

وقال مخرج "نزيف التراب" بشار النجار لـ"المدن" إنه شعر بسعادة كبيرة حينما رأى تعليقات فلسطينية في السوشال ميديا تمتدح العمل؛ لأنه كان "يخشى هجوماً مضاداً عليه"، معتبراً أن هذه التعليقات أكدت أن الجمهور الفلسطيني قادر على تمييز العمل الوطني الخالص من غيره. وتابع: "أتعامل مع الجمهور عندما نصنع المسلسل، وكأنني أعرفه كله، ويعرفني، والجمهور يتوسع عربياً". 


التراب ينزف.. كأصحابه
وقال النجار إنه استوحى اسم المسلسل "نزيف التراب" من مشهد لدمار هائل في غزة، التقطته طائرة مُسيّرة، حيث أراد التأكيد بهذا الاسم أن "التراب ينزف، كما ينزف صاحبه، بل أنهما نزيف واحد". كما تطرق إلى تسمية القرية "تل الصبر" التي تدور أحداث المسلسل فيها، إذ أشار إلى أنه "اسم افتراضي ببعد وطني مضموناً وجوهراً"، وبسبب رمزيتها الدالة إلى قدرة الفلسطيني على التحمل.


ووفق النجار، شاركت في العمل 48 شخصية موزعة على 3 مستويات، معتبراً أنها "بطولة جماعية". وقد صُوّر المسلسل في نحو 35 موقعاً موزعاً بين البلدة القديمة لنابلس، وقراها المجاورة. ولم ينس بشار النجار أن يتحدث عن التحديات الكبيرة التي واجهتهم في إنتاج المسلسل، لكنه أشار إلى أن "الأجهزة الأمنية الفلسطينية استجابت لتوفير بعض اللوجستيات اللازمة للمسلسل"، مثل مركبات الشرطة المصفحة، ومواقع تصوير مثل سجن جنيد حيث صوّرت فيه مشاهد تحاكي وجود أسرى في السجون الإسرائيلية، ولحظة هروب الأسرى الأربعة منه. ووفق النجار، فإن "اللوجستيات التي وفرها الأمن الفلسطيني اختصرت علينا أياماً من التصوير".


الرسالة.. للجمهور العربي
وبشأن الجمهور الأول المُستهدف، أشار مخرج العمل لـ"المدن" إلى أن الرسالة مُوجهة للوطن العربي أولاً، عبر تعريفه بتفصيلات حياتية في الضفة، لا يُمكن للمعالجات الإخبارية الحدثية أن تنقلها، وهو جهد يهدف أيضاً إلى مواجهة صور نمطية لدى المواطن العربي عن الضفة، وإفهامه للشكل النضالي الجاري فيها، والتعقيدات الحاصلة بفعل القيود الاحتلالية المفروضة، والحواجز المنتشرة بين قرية وأخرى، وليس فقط بين مدينة وأخرى.

كما يهدف المسلسل، وفق النجار، إلى خلق نوع من الانتصار النفسي لدى المشاهد الفلسطيني والعربي، وتأكيد الوعي الوطني، ليبقى متوارثاً من جيل إلى آخر، من خلال حبكة موضوعية وواقعية. وشدد النجار على أنه لم ينمط شيئاً في المسلسل، بل حرص على استعراض قصة فلسطينية مجردة من فنيات زائفة؛ لأنها "باختصار، تروي ما يجري يومياً في الضفة".

واللافت في "نزيف التراب" أيضاً أنه قصد أن يتطرق في طيات حلقاته إلى قضايا يمزج فيها ارتباط القضية الفلسطينية بالعرب، فمثلاً احتوت إحدى حلقات المسلسل على مشهد لطلاب مدرسة فلسطينية يزورون مقبرة شهداء الجيش العراقي في جنين، ومشهد آخر لهجوم مستوطنين على مدرسة فلسطينية بُنيت بتمويل عربي.

ومن باب تقريب روح الفكرة، يظهر في المسلسل حوار بين طفل وأبيه من جيل قديم حارب مع منظمة التحرير في جنوب لبنان، ثم عاد إلى الأرض المحتلة ليشغل موقع ضابط في الأمن الفلسطيني، قبل أن يتقاعد. فينتقد الأب ابنه لإدمانه على لعبة "البوب جي"، ثم يرد عليه طفله: "جيلكم لعبها على أرض الواقع في لبنان".. وهو حوار أراد المخرج أن يقول من خلاله إنه بالرغم من اختلاف الجيلين، إلا أن الجيل الفلسطيني الجديد واعٍ وطنياً، وغير مُتوقع بفعله النضالي وتأثيره.

الاقتحام الإسرائيلي.. تحدٍ للتصوير!
وعن تحديات لازمت التصوير، تحدثت الممثلة نغم كيلاني، التي أدت دور شقيقة الأسير بلال الهارب من السجن الإسرائيلي، إذ أوضحت لـ"المدن" أنه أثناء التصوير حصلت اقتحامات إسرائيلية حقيقية في المكان الذي كانوا يصورون فيه حلقات المسلسل. وبينت أن شباباً من طاقم المسلسل تولوا مهمة الإنذار المبكر لحصول اقتحام إسرائيلي؛ بغية حماية فريق العمل من اعتداء الاحتلال عليهم أو اعتقالهم، لكون الممثلين يرتدون الزي العسكري في سياق تأديتهم دور جنود إسرائيليين.

وأشارت نغم إلى أن "نزيف التراب" وما سبقه من مسلسلات فلسطينية وطنية من إخراج بشار النجار تأتي في خضم صعوبة الإنتاج الدارمي في فلسطين، ويسعى النجار إلى إنتاج مسلسل كل سنة رغم التحديات الإنتاجية وغيرها. ونوهت الممثلة نغم الى أن "نزيف التراب" يُعد مختلفاً عما سبقه، لأنه للمرة الأولى تتبنّى شركة إنتاج، العمل قبل أن يبدأ، وهو ما دفع نغم إلى القول "إننا عملنا شيئاً من لا شيء، رغم الصعوبات، وعدم وجود رعاة للدراما في فلسطين".

وأكدت أن نحو "خمسة أشخاص فقط تولوا مهمات الإنتاج والاكسسوارات، والصوت والإضاءة"، مبينة أن طاقم الإنتاج القليل أنجز الكثير. كما تطرقت الى تحد آخر تمثل باختيار الممثلين، خصوصاً أنه لا معهد للفنون المسرحية في الضفة، ما اضطر المخرج إلى البحث عن مراده في مسارح الجامعات، وأيضاً البحث عن محبّي للتمثيل، وهو ما فسر الشباب الممثلين للمرة الأولى.

رسالة مزدوجة؟
وفي حين، كُتب سيناريو المسلسل قبل 7 أكتوبر، فإن مراقبين اكدوا أن ما يجري في الضفة في الأشهر الأخيرة أكثر صعوبة وتعقيداً مما جاء في المسلسل، نظراً للتطورات المتسارعة.
وفي العموم، تُعدّ هذه الصناعة الدرامية الصادرة من قلب الضفة الغربية، والظروف الصعبة، شكلاً نضالياً فلسطينياً بحد ذاته، خصوصاً أنها تحاول جاهدة أن تؤدي دوراً مزدوجاً؛ فمن جهة تمثل معركة ضمن حرب الرواية مع الاحتلال، ومن جهة ثانية تواجه صوراً نمطية لدى المواطن العربي تجاه الضفة، عبر القول إنها تخوض حرباً شاملة، وأن تعايش ظروف مواجهة خطيرة لا يدركها إلا من يعيش فيها.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها