الإثنين 2024/02/12

آخر تحديث: 15:29 (بيروت)

ذكرى الثورة الإيرانية: كرنفال لحى ملونة ونساء بلا حجاب!

الإثنين 2024/02/12
ذكرى الثورة الإيرانية: كرنفال لحى ملونة ونساء بلا حجاب!
increase حجم الخط decrease
نساء محجبات ونساء بلا حجاب وفتيات يلتقتطن صور السيلفي وشابات يرسمن أعلاماً صغيرة على وجوههن وأخريات يقدن حشوداً ضخمة... هي الصور التي صدّرها النظام الإيراني في احتفالاته بالذكرى الخامسة والأربعين للثورة الإسلامية في البلاد، في وقت كانت فيه النساء تحديداً هن من يقدن الاحتجاجات ضد السيستم الديني القاسي الحاكم إثر مقتل الشابة مهسا أميني العام 2022 على يد شرطة الأخلاق في البلاد بتهمة ارتداء الحجاب بشكل فضفاض للغاية.

وكان واضحاً في عشرات الصور الملتقطة من طهران ومدى أخرى، وتم توزيعها في الإعلام المحلي وعبر وكالات الأنباء الكبرى، وجود رغبة رسمية في تصدير صورة تقول فيها السلطة أنها ليست مضطهدة للنساء، بزعم أن النساء اللواتي يتحدث عنهن الإعلام الغربي ومنظمات حقوق الإنسان والسياسييون الأوروبيون، يقدن الاحتفاء بذكرى ولادة النظام الحاكم ويتبعهن له ولا يردن اقتلاعه من جذوره، ما يعني ضمناً اعتبار أي احتجاجات سابقة أو لاحقة ضد السلطة، مؤامرة خارجية لا تعكس وجود التفاف شعبي حول النظام.



ولم يصل صدى تلك الدعاية إلى الإعلام العالمي الذي ركز على ربط الاحتفالات بالصراع المتأجج في الشرق الأوسط، عبر الصور واللافتات الخاصة بالتضامن مع الفلسطينيين. وربما يعود ذلك إلى أن الحدث الأشمل المتمثل بالحرب في غزة، وعلاقة إيران المتزعمة لمحور الممانعة بإسرائيل، أكثر أهمية لإعلام بعيد يغطي أحداثاً خارجية لجمهور يبحث عن معنى أوسع للعالم من منطلق الجغرافيا السياسية، أو ببساطة لأن ذلك الإعلام يدرك أن الصور المصدرة دعائية ولا تمثل بطبيعة الحال واقع الحريات وحقوق النساء تحديداً في البلاد.

على أن التعاطي مع الاحتفالات الإيراني عبر ربطها بالملف الفلسطيني فقط، يبقى قاصراً، لأن ربط وجود الدولة الإسلامية في إيران بإزالة إسرائيل من الوجود، يحضر في الخطاب الإيراني الرسمي بشكل ثابت منذ 45 عاماً، عبر حرق الأعلام الإسرائيلية والدمى التي تمثل رموز "الشر الأكبر" في الولايات المتحدة على سبيل المثال، ولا علاقة له بوجود حرب عسكرية فعلية بين إسرائيل والحركات الفلسطينية، حتى لو كان المظليون الإيرانيون يرفعون العلم الفلسطيني وهم يطيرون في الجو، خلال احتفالات يوم الأحد.

يضع ذلك بالتالي الاحتفالات في إطار محلي، بشكل صورة مضادة لما يفترض أنه صورة مصنعة في الخارج من أعداء يحاولون خلق شرخ في مجتمع متماسك. وتصبح النساء اللواتي قدن الاحتجاجات منذ مقتل أميني (22 عاماً) وحركن المطالب بشأن الحريات العامة وخصوصاً ما يتعلق بالحجاب الإجباري، ملتفات حول النظام ولا يردن إسقاطه، لأنهن وفق الصورة التي يتم تصنيعها في الشوارع، يقدن الاحتفاء به والفرح بوجوده، وكأنه ضامن لحرياتهن في خلع الحجاب والتقاط السيلفي!



هذه الصورة الخادعة تأتي من منطلق قوة يشعر بها النظام الذي سيطر على الاحتجاجات التي انبثقت ضده مرات عديدة خلال العقد الماضي، وكانت كلها تتحرك وتصب في موضوع الحجاب الإجباري وحريات النساء إلى جانب قضايا أخرى، وتأخذ شكل اعتصامات مدنية وإضرابات عن العمل ومواجهات مع الشرطة ومظاهرات حاشدة في الشوارع وتحدياً لرجال الدين. ومع عدم اهتزاز السلطة في وجه ذلك كله، ربما لا يشعر رجال الدين بأنهم يواجهون مستقبلاً غامضاً حتى مع تقدم المرشد الإيراني الأعلى، علي خامنئي، في السن أو اغتيال قادة مؤثرين مثل الجنرال قاسم سليماني، بل على العكس ترعى إيران اليوم محوراً أوسع في الشرق الأوسط بسيطرتها على أربع عواصم عربية هي بغداد وصنعاء ودمشق وبيروت، بحسب الوصف الشائع في وسائل الإعلام، من دون أن تعاني وجودياً رغم كل البؤس الاقتصادي والاجتماعي الذي يعاني منه سكان تلك الدول.

لكن من ناحية استراتيجية، يصعب تصور سيناريو تستمر فيه الدكتاتورية الفاسدة في تكميم أفواه الفقراء الغاضبين في المستقبل المنظور، حيث تتنوع مصادر الغضب الشعبي الإيراني، ابتداء من نقص المياه، مروراً بالانهيار الاقتصادي، وصولاً إلى الإحباط من القيود الاجتماعية الصارمة. وهنالك أدلة دامغة على أن الاحتجاجات أصبحت سمة مميزة في المشهد السائد في طهران، ستواصل إبعاد النظام عن شرعيته شيئاً فشيئاً، ربما حتى الانهيار، وتظهر تلك الاحتجاجات مع وجود حدث محرك لها، مثل مقتل أميني، فيما باتت السلطة أكثر حساسية في التعامل مع الحوادث المشابهة، مثلما جرى في حادثة مقتل "فتاة مترو طهران" أواخر العام الماضي، لمنع تلك الاحتمالية من التحقق.



إلى ذلك، تواءمت صورة النساء الإيرانيات الملتفات حول النظام والمحتفلات به، مع محاولة تقديم صورة النزعة الوطنية لا الدينية، وهو مشهد لا يتواجد في إيران فقط بل بات يحضر في دول الشرق الأوسط وفي دول العالم التي تشهد انبثاق تيارات شعبوية تحيي النزعة الوطنية المتشددة. وظهر الرجال بلحى تلونت بألوان العلم الإيراني فيما كان المظلات والملابس والألعاب المنصوبة في كل مكان والدمى، تحمل شعارات وطنية، ليبدو المشهد ككل وكأنه كرنفال سعيد يرقص فيه الجميع ويسمعون فيه الموسيقى، التي ما زالت من المحرمات طبعاً في البلاد.

والتفت النساء الإيرانيات بالتالي حول الصواريخ التي حملت الأقمار الصناعية الإيرانية إلى الفضاء، كرمز جديد للحضارة الإيرانية، وحول صور قاسم سليماني الذي تحول إلى رمز وطني يجمع الأجيال الإيرانية، بعيداً من الصورة التقليدية لرجال الدين، منذ مقتله في غارة نفذتها طائرة مسيرة أميركية العام 2020. حيث عملت الدعاية الإيرانية طوال السنوات الخمس الماضية على تصنيع صورة القائد العسكري السابق على أنه رجل من خلفية متواضعة رفعته الثورة ليصبح شخصية عسكرية مهمة، مع القول أنه لم يكن فاسداً، وأن إصلاح النظام يكمن في الالتفاف حوله والعمل عليه من الداخل، وليس بإطاحته أو محاولة تحديه.



ويتشابه ذلك إلى حد كبير مع صور النساء السعوديات اللواتي تصدّرن مشهد الاحتفالات بالعيد الوطني في البلاد منذ العام 2017، والذي لم يكن مناسبة يتم الاحتفال بها في البلاد كونها  غير دينية، حيث كانت المملكة أيضاً تتحول في محاولة لتنويع اقتصادها بعيداً من النفط مع شد العصب الوطني والنزعة القومية بقيادة ولي العهد محمد بن سلمان. ويعطي ذلك مثالاً على كيفية تشابه عمل الأنظمة المختلفة في الشرق الأوسط على تصدير صور لا تعكس واقعاً فعلياً للحياة.

ففي إيران يتم اعتقال النساء اللواتي يتحدين قوانين الحجاب واللباس الصارمة، وإخضاعهن لدورات تأهيل نفسي ومنعهن من العمل والسفر، كما تتواجد عشرات الناشطات والحقوقيات في السجون سيئة السمعة بما في ذلك الصحافيات اللواتي غطين قصة مقتل أميني، إلى جانب انتهاكات أخرى لحقوق الإنسان مثل الإعدام والجَلد والمحاكم الصورية لمعتقلي الرأي وغيرها. وفي السعودية تتحدث منظمات حقوق الإنسان أيضاً عن انتهاكات للسلطة وعن حقوق النساء التي تحسنت من دون أن تبلغ المستوى المطلوب، فضلاً عن وجود انقسام في المجتمع السعودي نفسه بسبب وجود فئة من المتدينين والمحافظين الذين لا يرضون عن حركة الإصلاح.

وإن كانت السعودية سبقت إيران في تصدير صورة النساء بهذا الشكل واستخدام الرموز الوطنية، فإن إيران لا تتخلى عن نزعتها الدينية بالكامل، لكن الشد والجذب بين الطرفين في السياسة كما هو في الإعلام وفي صناعة البروباغندا، يعطي لمحة عن ديناميكية مازالت تؤثر في كامل الشرق الأوسط منذ عقود، لأن الثورة الإيرانية نفسها كانت حدثاً تاريخياً بتبنيه فكرة ولاية الفقيه كأيديولوجيا تتخطى الحدود القومية والجغرافية، ما أدى لتصاعد مضاد في الحركات الإسلامية السنية في عموم المنطقة، خصوصاً لدى الوهابية السعودية، وأفضى لصراع أوسع حول مفهوم الهوية والانتماء، بشكل كان حاضراً بعد الربيع العربي، خصوصاً في دول تفككت وعانت الحروب مثل سوريا واليمن.

يتوازى ذلك بالطبع مع أزمة هوية يعانيها النظام الإيراني والمجتمع الإيراني على حد سواء، بسبب انقسام في الرؤى حول طبيعة البلاد، بين شعب يرى معظمه أنه وريث للحضارة الفارسية العريقة وكان حليفاً للغرب بعد الحرب العالمية الثانية، وبين دولة دينية إسلامية شيعية تسعى لنشر ولاية الفقيه في عموم الشرق الأوسط، كما ظهر في تصريحات لمسؤولين مثل أمين المجلس الأعلى للثورة الثقافية الإيرانية، عبدالحسين خسروبناه الذي قال: "إذا لم يكن الإمام الخميني قام بالثورة العام 1979 وتم تأجيلها لمدة عامين، لكانت ديانة إيران قد أصبحت بهائية، ولكانت البلاد تتجه نحو التفكك".

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها