الخميس 2023/08/24

آخر تحديث: 15:17 (بيروت)

في الإنطفاء العميم.. تُشعشع قصور

الخميس 2023/08/24
في الإنطفاء العميم.. تُشعشع قصور
"خارج" للفنانة الأرمنية اللبنانية دزوفيك أرنيليان
increase حجم الخط decrease
أُطفىء تلفزيون لبنان، ثم أُعيد إلى شاشته النور. أُطفئت محركات شركة كهرباء لبنان، بسبب الخلاف على دفع تكاليف الفيول بين أعضاء الحكومة، لكنها ستعود الى العمل.

أطفأ وزير الإعلام اللبناني زياد مكاري، المولدات، صباح 11 آب، ليستفيق اللبنانيون على خبر إطفاء شاشة اعتادوا غيابها، الشاشة التي أصبحت ملكًا للدولة اللبنانية العام 1996، اي خلال فترة استنهاض البلد اقتصاديا وإعادة تموضع المليشيات- الأحزاب، التي بدورها شرعت في تأسيس مؤسسات مذهبية، منها محطات تلفزيونية لتسويق الدويلات مكان الدولة.

كما في الوزارات التي فيها عمل نقابي مستقل لافت يدافع عن حقوق الموظفين في الإدارات العامة، واجه وزير الإعلام إضراب موظفي تلفزيون لبنان الذي استمر أسبوعاً، بإطفاء الشاشة، زاعمًا بأنه اطفاء مؤقت، بحسب تصريحات موظفين أكدوا أن ما قام به الوزير هو تهديد وترهيب لإرغامهم على العودة عن إضرابهم، وهم حتى اليوم لم يتقاضوا الزيادة على الرواتب التي أقرتها لهم الحكومة منذ 22 شهرًا. صرح أحد مقدمي البرامج، مثلاً، بأن راتبه اليوم هو 40  دولاراً لا غير.

أما الكهرباء، فقد تولت مؤسسة كهرباء لبنان نفسها إعلان خبر إيقاف معملَي دير عمار والزهراني بتاريخ 16 آب، بسبب عدم سداد جزء من مستحقاتها التي تبلغ 10 ملايين دولار!انطفاء استمر أكثر من 24 ساعة، نقيضاً لوعود وزير الطاقة جبران باسيل، ذات يوم، بتأمين الكهرباء 24 ساعة في اليوم، ومن قبله، ومن بعده وليد فياض، الذين ليس من بينهم خير سلف لخير خلف.

إطفاء يلي إطفاء، حتى بات وقع الخبر نفسه منطفئاً.
فإن لم يتلمس الشعب غياب شاشة الوطن، ورمى الدفاع عنها على عاتق موظفيها، فهل أنه لم يتلمس أيضاً غياب الكهرباء في البيوت والطرق؟
هل تفتقر شركة كهرباء لبنان لنقابة بديلة لمواجهة فشل وزارء تعاقبوا على إطفائها؟ أم أنها تحتاج شعباً بديلاً يواجه سردية إطفاء البيوت وإضاءة القصور والخزنات؟
هل أطفئت الشاشة فعلاً، أم أن سوادها هو صورة لبنان الحقيقية التي تظهّرت بقرار وزير الإعلام؟ هل توقفت محركات شركة كهرباء لبنان بسبب الفيول، أم بسبب الهدر والسرقة وسوء الإدارة لسنوات طويلة؟

لا حداد على مستوى الخبر، بل إن الحداد هو في شاشة طوت الفصول الأخيرة لعتمة وطن!

أُطفئ لبنان أو لفظ أنفاسه الأخيرة بعد صراع طويل مع الإنطفاء المالي-الإداري-السياسي-الطائفي في غدارته.

أُطفئت شاشة تلفزيون الوطن، وبقيت شاشات حكام الوطن. وهل لبلد منطفئ، شاشة منيرة؟
أُطفئت شركة كهرباء لبنان، وبقيت الموتورات الخاصة بحماية ورعاية حكام لبنان. وهل في بلد مفلس ينخره الفساد مؤسسات عامة تعمل؟
أُطفئت المدارس، الجامعات، المستشفيات. أُطفئت الطرق، المرفأ، المطار. أُطفئت كل مؤسسات الوطن وشعشعت مؤسسات الطوائف والأحزاب.
أُطفئت عيون شبان الانتفاضة، ولمعت عيون الشبيحة.
أُطفئت صورة الله العادل المحب القادر، وبرَقت صورة الله الناظر الصامت الظالم.
أُطفئ الفرح والنبض والسلام والرفض، واشتعل الحقد والتخلف والاستسلام.

لبنان يشبهنا ونحن نشبه لبنان. مر التسلط بنا. تسلل الى فرحنا، ثقافتنا، غنانا، فكرنا، حلمنا، أماننا. استوطن مفاصل الوطن كما استوطن العدو فلسطين يوماً.

استوطن المحتل الإسرائيلي فلسطين، فأطفأ شعباً وأرضاً ليقيم دولة مضيئة لشعبه. أما لبنان فمستوطنُه أطفأ شعباً وأضاء اللادولة الغارقة في العتمة.

الدولة العميقة؟ بل المافيا العميقة.
تقاتلوا، تصالحوا، تقاسموا، تعادلوا، تهازموا، تحاصصوا، تعاركوا.
لكن أكبر المعارك ليست تلك التي هدمت بيوتاً وجسوراً، ولا بيروت في 4 آب. فأكبرها على الإطلاق داخل كل مواطن آمن مسالم، لم يبقَ في روحه ملجأ يخفف وقع القذائف النفسية التي تصعق كيانه عند كل انطفاء.

انطفأت الدولة بكل مقوماتها، فهل يتعايش الشعب مع الصفر، أم أن معظمه مترقب لاستدراكه بأنه بات رهينة في قبضة المافيا العميقة؟!

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها