الأحد 2018/04/01

آخر تحديث: 16:08 (بيروت)

اسرائيل تواجه "مسيرة العودة" بالقناصة.. والدعاية

الأحد 2018/04/01
اسرائيل تواجه "مسيرة العودة" بالقناصة.. والدعاية
قناصة على حدود غزة لمواجهة التدفق السلمي في مسيرة العودة
increase حجم الخط decrease
حينما نتحدث عن ندرة ونوعية الفكرة والنهج الخاصَّين بـ"مسيرة العودة" السلمية التي انطلقت شرارتها، على حدود غزة، الجمعة، في ذكرى "يوم الأرض"، بعد سنوات من تصدّر المشهد العسكري كحالة وحيدة للنضال الفلسطيني، وتحديداً في قطاع غزة، فإننا نعي حتماً، الدوافع والأسباب التي تقف خلف ضخامة الحملة الإعلامية الإسرائيلية غير المسبوقة، والتي بدأت قبل المسيرة بأيام، مُوجهة للفلسطينيين والمجتمع الدولي في آن.

اللافت أن وزراء ومسؤولين عسكريين وسياسيين في الدولة العبرية التحموا في هذه الدعاية، لدرجة أن بعضهم وجه رسائل باللغة العربية للغزيين للمرة الأولى، علّهم ينالون من المسيرة ويقتلونها في مهدها، وهي الغاية الإسرائيلية التي لم تتحقق حتى الآن.

 والحال، أن وسائل إعلام عبرية متعددة تقاطعت في حملتها الدعائية المحرّضة على مسيرة العودة مع خطاب المؤسسة الرسمية بشكل لافت، بدءاً من لحظة الإعلان عنها في خمس مناطق حدودية مروراً بتحولها الى واقع عملي. فقد ربطت بين المسيرة وحركة "حماس" مُنذُ الوهلة الأولى؛ لنزع صفة السلمية والشعبية عنها، بالتوازي مع تعظيم مخاوف ومزاعم إسرائيل الأمنية، مروراً بدق "إسفين" بين الفلسطينيين أنفسهم، عبر القول إن "حماس تريد أن تقتلكم يا سكان غزة، لتحقيق مصالحها وتفريغ ضغطكم عنها، ليتحول نحو إسرائيل"، وانتهاءً بترهيبهم من مغبة الإقتراب من "السياج الأمني".

 ورغم أن مستقلين ومثقفين كانوا مصدر البذرة الأولى لفكرة مسيرة العودة، والتي يُؤمل أن تستمر حتى منتصف مايو/ ايار المقبل، إلا أن الخطاب الرسمي والاعلامي الإسرائيلي حاول أن يُزوّر الحقيقة أمام الرأي العام الدولي من خلال زعمه أن حماس هي من تقف وراءها، رغم نفي القائمين عليها وتأكيدهم أن المسيرة تمثل جميع أطياف الشعب الفلسطيني سواء كانوا مُحزّبين أو مُستقلين.

 وتجلى ذلك في عناوين طغت على وسائل إعلام إسرائيلية؛ فبدت كما لو أنها موحدة في نشر الإرباك والتضليل بين الفلسطينيين وكذلك الحال بالنسبة للعالم، لا سيما تلك العناوين التي تصدرت أخبار الإذاعة الرسمية "مكان"، من قبيل "حماس تستعد لما تسمى بمسيرة العودة وسط انتقادات شديدة في القطاع"، ثم عنوان آخر يزعم أن "الحركة تهدر الأموال على المسيرات والتظاهرات بدلاً من استثمارها في رفاهية السكان"، وكذلك الحال بالنسبة لعنوان "حماس تريد صرف النظر عن تقاعسها في حل مشاكل القطاع".

وفي العناوين سالفة الذكر، محاولة إسرائيلية لإثارة الفرقة الفلسطينية وإظهار حالة من عدم الإجماع على "مسيرة العودة" من ناحية الفكرة والوسيلة؛ رغبةً في إفشالها والتأثير على زخم المشاركة فيها. فإسرائيل تخشى نهج المسيرات الشعبية السلمية لما تحمله من رسالة راقية مُجسّدة للوحدة الفلسطينية بالصوت والصورة، لكنها مُؤلمة لتل أبيب امام العالم، ناهيك عن فقدان قدرتها في مثل هذه الحالة السلمية على تبرير عدوانها، بعد أن استسهلت ذلك- غالباً- عندما سيطر المشهد العسكري على العمل الثوري الفلسطيني.

يمزج الإعلام الإسرائيلي بين مرحلة تزييف حقيقة المسيرة ووصفها بالفوضى لا العودة، والإرهابية لا السلمية، كما يدعي الناطق بلسان الجيش الإسرائيلي افيخاي ادرعي على صفحته الفايسبوكية، كذلك مرحلة تهديد وترهيب الفلسطينيين عبر نشر تصريحات لقادة عسكريين كبار في تل ابيب، حذروا فيها من خطورة المشاركة في مسيرات العودة، ولوّحوا بمئة قناص إسرائيلي على طول الحدود، بالترافق مع تعزيزات عسكرية ضخمة، وادوات نوعية لمواجهة اي سيناريو بإجتياز آلاف الغزيين لما يعرف بالسياج الأمني.

وفي السياق، وردت تغريدة لافتة لوزير الدفاع الإسرائيلي افيغدور ليبرمان على صفحته في "تويتر"، باعتبارها الأولى التي ينشرها باللغة العربية، إذ يتوعد فيها أهل غزة: "إلى سكان قطاع غزة: قيادة حماس تغامر في حياتكم. كل من يقترب من الجدار يعرض حياته للخطر. انصحكم مواصلة حياتكم العادية والطبيعية وعدم المشاركة في الإستفزاز".

بيدَ أن الحملة الإعلامية الإسرائيلية التي سبقت مسيرة العودة لم تفلح في افشالها ولا تقزيم حجم المشاركة فيها، بل كانت ضخمة ومؤثرة، وسقط في يومها الأول 16 شهيدا واكثر من 1200 جريح، جرّاء مبالغة قوات الاحتلال في قمع المتظاهرين السلميين، ما يعكس مدى استفزاز اسرائيل من مشهد المسيرة الشعبية الذي من شأنه أن يضر بدعايتها المزعومة التي تسوقها إقليمياً ودولياً، والقائلة "إن اسرائيل بريئة من حصار غزة وأن الفلسطينيين هم الذين يحاصرون بعضهم بعضاً".

وفي مقابل الموجة المفتوحة التي خصصتها الإذاعة الإسرائيلية العامة ومعها بقية وسائل الاعلام العبري المختلفة في اليوم الأول للمسيرة، لتغطية وقائعها، خرج الإعلام الفلسطيني هو الآخر بتغطيات مفتوحة للحدث غير المألوف.

وبالتوازي مع الميدان، تفاعل الفلسطينيون على مواقع التواصل الإجتماعي، على اختلاف مرجعياتهم الفكرية والمناطقية، مع مسيرة العودة السلمية والتي رُفع فيها العلم الفلسطيني، وغابت أعلام ولافتات الأحزاب وشعاراتها. 

ولم تكتف إسرائيل بالبروباغندا المضادة لمسيرات العودة والتحريض عليها ونزع شرعيتها، عبر إلزام إعلامها باتباع هذه اللهجة، فحسب، بل بعثت وزارة خارجيتها رسالة إلى كل ممثلياتها بالعالم، لالتزام النهج نفسه وأمرت بإيصالها للرأي العام والمسؤولين في كل دول العالم.

في المقابل، برزت أقلام إسرائيلية ناقدة لطريقة التعامل الإسرائيلي مع التظاهرات السلمية على تخوم غزة، لا سيما ما جاء في صحيفة "يديعوت احرونوت" التي رأت ان التعامل العسكري قد يحل الأمر مؤقتا، لكن لن يحله جذرياً؛ لأن الأسباب الموجبة لمسيرات العودة ستبقى قائمة، مالم يتم التوصل لحلول سلمية نهائية.

 ولعل الجولة التي قام بها جنرالات في الجيش الاسرائيلي على حدود غزة مع انطلاق مسيرة العودة في يومها الأول، لمتابعة سير التعامل مع التظاهرات، فإنها تفسر دوافع ومكامن خطاب إسرائيل المرتبك لمستوى غير مسبوق، ليس من منطلق أمني فقط، بل وأيضاً لِما تمثله المسيرة من خطورة على دعايتها التي تُروج لها طيلة سنوات الإنقسام الفلسطيني؛ ما يثبت بالنسبة للفلسطينيين أن هناك نهجاً سلمياً يؤكد بالصوت والصورة أن اسرائيل وحدها من تتحمل مسؤولية معاناة ومأساة غزة، وليس اي شيء اخر.

والواقع ان مُكابرة المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، تجعلها تختزل موقفها مما جرى الجمعة، بالقول: "في هذه المرحلة يسود الإعتقاد أن الجيش نجح في احتواء احداث مسيرة العودة في يومها الأول، ولكن حماس تمكنت من خلق واقع جديد على السياج سوف يستمر في الأسابيع القادمة".

وبعد "موقعة الجمعة"، يقول المحلل العسكري لصحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل في مقال تحليلي، الأحد، إن الجيش الإسرائيلي استخدم الأعيرة النارية ضد المتظاهرين بشكل كبير، وبطريقة غير اعتيادية، معتبراً أن حركة "حماس" وجدت طريقة مُجدية أكثر للاحتكاك المباشر مع القوات الإسرائيلية مقارنة مع وسيلة اطلاق القذائف الصاروخية وكذلك الأنفاق الهجومية في منطقة الحدود.
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها