الإثنين 2018/02/26

آخر تحديث: 18:57 (بيروت)

"دق الجرس".. وتفوّق سعد

الإثنين 2018/02/26
"دق الجرس".. وتفوّق سعد
نجح الحريري في امتحان الطلاب بدرجة امتياز
increase حجم الخط decrease
انطلاقة الحلقة الأولى لبرنامج "دق الجرس" عبر شاشة "إم تي في" فاقت التوقعات وبدت ناجحة بكل المقاييس، بعدما أطلّ رئيس الحكومة سعد الحريري من أحد صفوف المدرسة، حيث حلّ ضيفاً على محاوريه الأطفال الجالسين على مقاعد الدراسة، ما شكّل مشهداً استثنائياً كسر المألوف الذي تعوّد عليه المشاهد والجمهور اللبناني، والذي أثبت فيه الحريري من خلال أجوبته أهليته للظهور ليس كرجل دولة فحسب، بل كشخصٍ مفعمٍ بالإنسانية والتلقائية والبساطة، حيث ملأ الشاشة حيوية وعفوية متناهية، رغم الرهبة غير المحسوسة للموقف في مواجهة جرأة ظاهرة من الأطفال الذين بدت أسئلتهم مباشرة وصادمة، ومليئة بالثقة والاصرار، الناتجة عن تحضيرهم وحضورهم المذهل المحبوك والمنتقى بعناية.  


البرنامج الفرنسي الأصل، والذي قررت قناة "إم تي في" إطلاق نسخة لبنانية منه، والذي تقوم فكرته على أن يعود بالضيف السياسي إلى حقبة الدراسة للإجابة على أسئلة التلاميذ وحوارهم، مع مستلزمات ما يلزم من عزيمة وحنكة وطول أناة وسعة قلب وعقل لمواجهة فضولهم وذكائهم الفطري وردود أفعالهم غير المتوقعة وأحكامهم المسبقة، ومناقشتهم من خلال إظهار القدرة على الارتجال والردّ بأجوبة بسيطة وواضحة وشفافة، كشفت عن وجه آخر من شخصية الحريري، الذي عبّر لهم عن المبادىء التي يؤمن بها وعن الانجازات والمشاريع التي تحققت وتلك التي في طور التنفيذ. كل ذلك في زهاء ساعة ونصف، مدة البرنامج، في مواجهة صف مؤلف من مجموعة تلاميذ، تمّ اختيارهم ليمثلوا التركيبة اللبنانية الطائفية والمناطقية على اختلافاتها وتبايناتها الدينية والاجتماعية والثقافية.

نجح الحريري في امتحان الطلاب بدرجة امتياز، من خلال إثبات قدرته على الالتزام بروحية البرنامج وتحقيق الانسجام مع الأطفال، مبدياً شفافية قلّ نظيرها عند أقرانه من السياسيين، إذ بدت قيم التواضع والإنسانية والاحترام سمات أساسية متأصلة في شخصه، وذلك دونما مجهود منه، حيث اكتفى بأن يمارس ذاته، بعيداً من الاستعراض، مظهراً طاقة خلاّقة تحيطها هالة من الحب والتفهّم والقدرة على تمثيل أصالة الشخصية اللبنانية، التي نطمح أن نرجع إليها، ما جعلنا من خلال استماعنا إليه ننحاز إلى ذاتنا وإلى هوية لبنان الرسالة والحوار، لا الصدام والعجرفة والانغلاق.

لم يتهرّب الحريري من أي من الأسئلة التي أمطره بها الأطفال رغم حراجتها، حيث جنح إلى التجاوب والتفاعل بتلقائية ومصداقية منقطعة النظير، كان أبعد ما يكون فيها عن اللجوء إلى الشعارات والعناوين الرنانة المكرورة والمتوقعة، ما أظهر سعد الحريري بأنه فعلاً ابن أبيه، وريث التسامح والتواضع والمحبة والعقل المنفتح. تكلّم عن ألمه وخياباته وعن تجربته في الحكم، مبرزاً عن موهبة فطرية تشدّ حب الناس له من خلال حبه للناس، حيث ساهمت طبيعة البرنامج بالكشف عن النواحي السيكولوجية الشخصية لتركيبة الحريري.

الحلقة التي استهلها التلامذة بأسئلة شخصية لم توفّر أدق التفاصيل عن علاقة الحريري بأسرته وأصدقائه والاستفسار عن معلومات بالغة الدقة والخصوصية، بدا مسارها متنوعاً ومتأرجح، من خلال تنقّل الأسئلة من السياسة إلى الاقتصاد والدين العام إلى القناعات والهوايات والمسابقات، فيما بدا لافتاً هو أن تلك الأسئلة أتت في معظمها بعيدة من الروتين والتكرار، إذ كانت تحمل في طياتها استفسارات تخطر في رؤوسنا جميعاً، ونتحمس لمعرفة أجوبتها والتباساتها. ورغم وضوح كون أن الأسئلة كانت تحمل قدراً من التبطين والسهل الممتنع للاستدراج، ما يشي بكفاءة واحترافية من حضّرها سلفاً، إلا أنّ تفاعل الحريري وأسلوب إجاباته ولّدت الإحساس لدى المشاهد بانه متابع في مجلس حميم وخاص، وليس من خلال شاشة وكاميرا واستديو وفريق عمل، وذلك يرجع إلى التعاطي العفوي والسلس لأداء الحريري، خصوصاً طريقة إجاباته وحديثه عن أخيه الراحل حسام، الذي لم يجد حرجاً بأن يعترف أنه كان أذكى منه في الدراسة، وعن تعليقاته خفيفة الظل عندما لم يوفّق بالجواب على معظم الأسئلة المتعلقة بلعبة كرة القدم، رغم أنه من هواتها ومتابعيها، لكنه لم يجد غضاضة بالاعتراف للتلاميذ من خلال القول لهم "طلعت فاشل مش هيك".

الحريري الذي تابع إدهاشنا من خلال عدم محاولته للتهرب من أي سؤال طرحه عليه الأطفال، لم يُجرّب صّدهم أو إسكاتهم أو التذاكي عليهم، بل شجّعهم على التكلّم بأريحية كاملة، وكان تعاطيه معهم ينّم عن احترامه لشخصياتهم وعقولهم وذكاءهم، ما عكس جانباً خفياً من شخصيته لم نكن نعرفه، تمثّل بامتلاكه مهارات التعامل مع الأطفال وكيفية حوارهم وتجاذب أطراف الحديث معهم، بل إنه في أكثر من مكان كان يستفسر منهم عن أمور لم يكن يعرفها.

إذن، بدا البرنامج في حلقته الأولى قادراً على إخراج السياسي والزعيم من إطار القداسة، متخطياً النمطيات من حيث إخراج ضيفه من هالة المثاليات والتعاطي الحذر، وهذا ما يُحسب للبرنامج الذي استسطاع استنساخ التجربة الغربية بحرفيتها وشفافيتها وإتقانها على أكثر من مستوى، خصوصاً لجهة تحضير الأطفال الذي بانوا على سجيتهم و مرتاحين أمام الكاميرا من خلال التعاطي مع شخصية سياسية مثل سعد الحريري، الأمر الذي يمكن قطعاً القول إنه لا يحصل إلا في لبنان فقط من بين كل الدول العربية والمشرقية.

توقيت انطلاقة البرنامج يساعد على استقطاب سياسين من الصف الأول، كونه يأتي في مرحلة احتدام الحملات الانتخابية، التي بدأت تتوضح معالمها وتحالفاتها ومعاركها، وهو ما يغري أي مرشح أو رئيس لائحة أو حزب لمحاولة اكتساب القلوب وحصد الأصوات من خلال ظهوره في البرنامج، وهو ما تحقق قطعاً للضيف الأول سعد الحريري، ما قد يُكسبه شعبية فوق شعبيته، وما يُساعده في التعويض عن سلسلة الانتكاسات وتراجع التأييد في الحقبة السابقة التي مرت عليه، خصوصاً وأن الحلقة كانت غنية بإجابات عن أمور مبهمة كان الناس محتارين في حقيقتها وكيفية حصولها، إذ أوضح علاقته مع أخيه بهاء ومع اللواء أشرف ريفي، وعن ترشيحه للنائب سليمان فرنجية ومن ثم التخلي عنه لمصلحة العماد ميشال عون، وعن أسباب استقالته التي أتت من المملكة العربية السعودية، وعما إذا كان قيد الاحتجاز أو الإقامة الجبرية، وعن علاقته بالرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعن علاقته الحالية بالسعودية، وعن أزمته المالية وإفلاسه ومصير شركة "سعودي أوجيه"، وعن أسباب تأخر الدفع لموظفي تلفزيون "المستقبل".

الحريري لم يكتف بالجواب على كل هذه الأسئلة بذكاء لافت وأسلوب مبهر، بل أضاف بأنّه حين دخل لمعترك السياسة بعد استشهاد والده لم يكن يعلم شيئاً عنها، وأن كل قراراته السياسية كانت بناءً على آراء وتوجيهات أصدقاء والده ومستشاريه السابقين، في حين أن قرار سعد الحريري اليوم هو خارج أي تأثير، ولا ينبع إلا من قناعاته وخبرته الشخصية التي تكونت لديه منذ العام 2005، معتبراً أن الناس الذين صوتوا له في الانتخابات السابقة، كانوا يصوتون لإسم وروح رفيق الحريري، بينما في الانتخابات المقبلة، فالتصويت سيكون لشخص سعد الحريري وليس لوالده.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها