الجمعة 2018/02/02

آخر تحديث: 18:50 (بيروت)

"لا للحجاب" في إيران.. وفي أميركا: نعم!

الجمعة 2018/02/02
"لا للحجاب" في إيران.. وفي أميركا: نعم!
increase حجم الخط decrease
في مطلع العام الجاري، وفي خضمّ اندلاع الاحتجاجات التي شهدتها عدة مدن إيرانية، وقفت إحدى المتظاهرات أمام جموع المحتجين وعدسات الكاميرا، خلعت حجابها، علقته بعصا وراحت تلوّح به في الهواء، رفضاً لسطوة الاملاءات التي تفرض على المرأة الإيرانية لباسها وأسلوب حياتها، وتعبيراً عن التوق للتحرر من أصفاد النظام التي تكبّل حريتها وحركتها وتسلب حقّها بالاختيار، ما جعلها تتحوّل بنظر كثيرين إلى "أيقونة الانتفاضة الجديدة" و"البطلة"، التي تحوّل مكان وقوفها عقب اعتقالها، إلى بقعة جغرافية رمزية صار اسمها "ساحة الثورة".


المتظاهرة الأيقونة ألهمت نساء إيرانيات يتطلّعن لتحقيق حُلم التحرر نفسه، والذي لم تستطع السلطات، بالرغم من كل القمع الذي مارسته وقتها بحق المحتجين فمنعت امتداد تحركاتهم، أن تطفئ شرارته التي أشعلت نيرانها مرة جديدة في وجه النظام وقوانينه المجحفة. فمنذ أيام تشهد طهران ومدن إيرانية أخرى حركة تمرد لنساء نزلن إلى الشوراع وقمن بخلع غطاء الرأس لبضع دقائق ومن ثم رفعه على عصا أمام الناس، تماهياً مع حركة تلك المتظاهرة "البطلة". فيما بدا لافتاً ما أظهرته صور عديدة في مواقع التواصل لنساء إيرانيات محجبات التحقن بهذه الحركة ونزلن الشوراع للتضامن مع حق المرأة باختيار الحجاب من عدمه، الأمر الذي أعطى الحملة بعداً ومعاني أوسع، أخرجتها من كونها محصورة بفئة يتهمها النظام بأنها "تُدار من الخارج" وتفعل ما تفعله بسبب "الجهل والتحريض والتأثيرات الأجنبية"، لتثبت بأن رفض القمع المنظّم ارتقى ليصير أولوية في المشهد الايراني المحلّي، وهو ما تؤكدّه تصريحات صادرة عن نشطاء إيرانيين من المحافظين، ممن أعربوا عن تأييدهم للنساء المحتجات، انطلاقاً من قناعتهم بأن القوانين والقواعد الدينية لا يجب أن تقمع الخيارات الشخصية.

وفي السياق نفسه، قالت، آزار منصوري، الناشطة المدافعة عن حقوق النساء من حزب "اتحاد الشعب الإيراني الإسلامي" الإصلاحي، إنّ المحاولات للتحكم بما ترتديه النساء أثبتت فشلها لعقود، مضيفة في سلسلة تغريدات أن "النساء الإيرانيات يظهرن معارضتهن لمقاربات قوية كتلك، بملابسهن وعدم تغطية شعرهن، وصولا إلى ارتداء الأحذية عالية الكعب والسراويل الضيقة"


النائب العام الإيراني، وفي سياق تبريره لاعتقال الشرطة هذا الأسبوع 29 امرأة شاركن في الحملة وخلعن حجابهن في الشوارع، اعتبر أنها "قضية تافهة ولا تستحق الاهتمام"، مهدداً بأن السلطة القضائية والشرطة وباقي الجهات المعنية بالأمر ستقوم بواجبها ضدّ هؤلاء النساء، إذ واصلن حملتهن ضد الحجاب القسري في إيران، في رد فعلٍ أتى ليكّرس حقيقة تحجّر النظام وسعيه بكافة الأساليب والطرق لوأد أي محاولة للتغيير وزعزعة الأساسات من تحته.


وفيما كانت الشرطة الإيرانية تُلاحق النساء المشاركات في حملة خلع الحجاب وتعتقلهن، لم يبرز في الإعلام العالمي الاهتمام والتغطية المناسبة حول ما تتعرض إليه هؤلاء النساء، والذي يستحق أكثر من مجرّد تقارير إخبارية أو قصص تضع هذه المستجدات في سياق بديهيات واقع الحياة في ظل سطوة نظام الملالي في إيران. فيما أتى الاهتمام اللافت، كما باتت العادة، من مواقع التواصل، حيث تحرّكت مجموعة واسعة من الناشطات حول العالم للتنديد بممارسات الشرطة الايرانية بحق المحتجات، مطلقين حملة جديدة حملت عنوان #NoHijabDay، كردٍ على صمت العالم تجاه قمع السلطات الإيرانية، وعدم اكتراث وسائل الإعلام بتحويلها لقضية نقاش عام، وهي التي انصبّ اهتمامها في اليومين الأخيرين على فعالية "اليوم العالمي للحجاب" الهادفة لـ"مكافحة التعصب والتمييز والتحيّز ضد النساء المسلمات"، الأمر الذي انتقدته الحملة انطلاقاً من اعتبار العديد من المشاركين فيها بأن "القوة تكمن في تحدّي القوانين والأعراف التي تفرض الحجاب، لا الدعوة لارتدائه كتعبير عن التضامن مع النساء اللواتي اخترن الحجاب بكامل إرادتهن".




ما تتعرض له المرأة في إيران يستحق بالطبع معالجة مختلفة على أكثر من صعيد، لكن ما يؤخذ على حملة #NoHijabDay هو وقوعها في الخلط بين الأهداف والمفاهيم المرتبطة بالحملتين. حيث إن التضامن مع النساء الايرانيات الرافضات لارتداء الحجاب هو في جوهره تضامن مع الحرية وحق الاختيار، في حين أن حملة  #WorldHijabDay، التي تلقى تفاعلاً واسعاً في مواقع التواصل، تأتي المشاركات فيها في سياق التضامن ضدّ التمييز الممارس على نطاق عالمي بحق النساء المسلمات، ما يُسقط وجه المقارنة بين قضية عالمية مرتبطة بالموجة المعادية للإسلام، مقابل قضية محلية تتعلق بالقوانين والتشريعات.

وتُلاقي فعالية "اليوم العالمي للحجاب" تفاعلاً عالمياً لافتاً للسنة الخامسة على التوالي، إذ تدعو الحملة، التي انطلقت العام 2013، جميع النساء من كل الأديان للبس الحجاب ليوم واحد في الأول من شباط من كل عام، تضامنًا مع المسلمات في جميع أنحاء العالم، اللواتي يتعرضن إلى مضايقات بسبب ارتدائهن الحجاب، وهو ما دعا النساء من مختلف العقائد والخلفيات في العالم إلى مساندتهن عن طريق لبس الحجاب وتصوير أنفسهن ونشر الصور ضمن الهاشتاغ المخصص للحملة.




وبدأ الاحتفال بهذه الفعالية في نيويورك في الولايات المتحدة، بدعوة من المواطنة، ناظمة خان، التي تعرضت لمضايقات جسدية وشفوية في مناسبات عديدة بسبب حجابها، ازدادت عقب أحداث 11 أيلول، ما دفعها لإطلاق هذه الفعالية التي يشارك فيها هذا العام 190 دولة وشخصيات سياسية وفنية من خلفيات دينية وثقافية عامة. الأمر الذي دفع مجلة "التايم"، في وقت سابق، لإدراجها في تقويمها العالمي، إلى جانب إعلان مجلس الشيوخ في نيويويك الأول من شباط يوم الحجاب في الولاية، كما دخلت رئيسة وزراء بريطانيا، تيريزا ماي، على خط التضامن، معلنة أمام مجلس العموم بأن الحملة تستحق الاهتمام، انطلاقاً من أنه يحق للمرأة أن ترتدي ما تشاء.  



increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها