الجمعة 2017/09/08

آخر تحديث: 16:12 (بيروت)

الصحافة البريطانية: المسيحية في خطر

الجمعة 2017/09/08
الصحافة البريطانية: المسيحية في خطر
لم تحتج القضية الكثير من الوقت حتى وصلت إلى ساحات المحاكم
increase حجم الخط decrease
"طفلة مسيحية تُودَع قسراً في رعاية أسرية بديلة مسلمة". تسبب التقرير الذي نشرته جريدة "تايمز" البريطانية، على صفحتها الأولى، تحت هذا العنوان، قبل أسبوعين، في حالة عنيفة من الجدل في وسائل الإعلام.
وفي اليوم التالي، افتتحت جريدة "ديلي ميل" صفحتها الأولي، هي الأخرى، بعنوان ينقل الأمر إلى مجلس العموم: "غضب نواب البرلمان بسبب إرغام طفلة مسيحية على رعاية أسرية بديلة مسلمة". إتهم التقرير الذي نشرته التايمز، الحكومة المحلية في حي "تاور هامليت"، في شرق لندن، بإيداع طفلة "مسيحية بيضاء"، تعاني والدتها من إدمان الكحول واحتمالية إدمان الهيروين، في رعاية أسرة بديلة، تدين بالإسلام.

وذهبت الجريدة إلى أن الطفلة ذات الأعوام الخمس، قد أرغمت على خلع صليب كانت ترتديه، وأنها حرمت من وجبتها المفضلة لأنها تحتوي على لحم الخنزير، وأنها كذلك قد دفعت إلى تعلم اللغة العربية من قبل الأسرة الراعية التي لا يتحدث أفرادها اللغة الإنجليزية. وألحقت الجريدتين تلك الاتهامات بصور لسيدة منقبة تمسك بيد طفلة بيضاء. 

لم تحتج القضية الكثير من الوقت حتى وصلت إلى ساحات المحاكم، وسرعان ما كشف تقرير قضائيّ عن هشاشة القصة التي روجتها الصحافة اليمينية. فالأسرة البديلة، مختلطة العرق، تتحدث الإنجليزية، بل وأن الطفلة ترجع أصولها إلى عائلة مسلمة، وإن كانت أمها غير مسلمة. أما صورة السيدة المنقبة التي نشرتها "الديلي ميل"، فكانت مقتطعة من إعلان تجاري عن الحياة في دبي، بينما كان صورة "التايمز" هي الأخرى، صورة تعبيرية، كما دافعت إدارة الجريدة عن نفسها لاحقاً. 

لكن وإن حسمت القضية إلى حين، بقبول المحكمة، طلب من الجدة المسلمة، بإيداع الطفلة لديها، بشكل مؤقت، والنظر في طلبها للعودة بها إلى بلدها الأصلي، لرعايتها هناك، فإن جدلاً حول تناول الصحافة البريطانية لمسألة الإسلام لم يتوقف. فغير التنميطات الجاهزة عن المسلمين، والتي قفزت إليها التقارير الصحافية، لوسم الأسرة البديلة، والتي ظهر افتقادها لأي أدلة لإثباتها، فإن اللغة المضللة التي تم استخدامها في عناوين الصحف وتقاريرها عن القضية كانت أكثر كشفاً. 

وبالإضافة لمصطلح "الإرغام"، والذي يصور الطفلة، كضحية لعميلة قسرية، ضد إرادتها، مكثفة صورة الإسلام كتهديد للمجتمع البريطاني، بربطها بضحايا من الأطفال، هم الأكثر هشاشة، فإن الإصرار على الإشارة للطفلة بوصفها "بيضاء" يضيف عنصراً أثنياً للقضية، والتي يبدو فيها الإسلام أكثر من مجرد تهديد لقيم ثقافية بعينها، بل نقيضاً عرقياً للأغلبية البيضاء. 

لا يتوقف الأمر هنا، فتناول القضية في الصحافة استدعى تقسيماً للخدمات العامة، على خطوط الدين والعرق. فمع أن إلزام القانون البريطاني لمؤسسات الخدمات الاجتماعية بأن تأخذ في الإعتبار حاجات الأطفال الثقافية والروحية والأثنية، مبرراً بالطبع، فإن الجدل حول القضية افترض أن إشباع تلك الحاجات مقترناً بالضرورة بالتفتيش في ضمائر وقناعات وعقائد العاملين بالخدمات العامة، ونسبهم العائلي وأصولهم العرقية وانتماءاتهم الدينية وألوانهم، وهو افتراض ينتهي بسلسلة من الأسئلة المستعصية.

ماذا لو كانت الأسرة البديلة مسيحية ولكن من طائفة أخرى، أو كانت غير متدينة؟ وهل يمكن للمدرسين المسلمين أو الهندوس أن يدرسوا في فصول لطلبة مسيحيين؟ وهل لإخصائية اجتماعية يهودية أن تتولي ملفات أطفال مسلمين مثلاً؟ 

لا يبدو افتراض تلك الأسئلة من باب المبالغة، فالتقارير الصحافية عن القصة، قد أشارت أكثر من مرة، إلى أن القاضية التي نظرت في قضية الطفلة، هي مسلمة أيضاً، في تلميح لا يخلو من تشكيك في حيادية المحكمة، فهل يمكن لقاضي مسلم النظر في شأن طفلة مسيحية حقا؟ وهل لجدة مسلمة أن تؤتمن على رعاية حفيدتها المسيحية؟ 

أضافت مجلة "النيوستاتمان" جانباً مهمًلا من القضية. فتقرير حكومي صدر في العام 2015، كشف أن من بين 3000 طفل من أسر مسلمة، يتم إيداعهم لدى أسر بديلة مؤقتة كل عام، فإن نصفهم يودع لدى أسر غير مسلمة، وهو الأمر الذي فسره التقرير بعجز في عدد الأسر البديلة من خلفيات مسلمة.

جاءت إشارة المجلة لذلك التقرير ليس للتدليل على عدم حيادية الصحافة اليمينية عندما يتعلق الأمر بالإسلام فقط، فقضية طفلة مسيحية واحدة تستدعي اهتماماً يبدو مفتقًدا حين يتعلق الأمر بأكثر من 1500 طفل مسلم كل عام، بل للتدليل أيضاً على أنه وعلى عكس الصورة التي رسمتها تلك الجرائد للتهديد الثقافي الذي تتعرض له المسيحية في بريطانيا، فإن الحقيقة هي أن هناك أزمة في إشباع الحاجات الروحية والثقافية لأطفال الأقليات. 

بعد عشرة أيام من اندلاع الأزمة، تمسكت "التايمز" بموقفها منها، فيما نشرت خبراً صغيراً، مع غيرها من الصحف، عن قيام الشرطة البريطانية، بالتحقيق مع 40 متهماً، من بينهم 4 من جنود الجيش البريطاني، بتهمة الانتماء إلى منظمة "نازية جديدة"، والتخطيط لهجمات إرهابية ضد مسلمين في أماكن متفرقة في بريطانيا. 

بالطبع لم يجتذب الخبر، سوى اهتمام متواضع، ولم تبذل "التايمز" أو "الديلي ميل" أي جهد، في تحليل أسباب تصاعد العداء ضد الإسلام والأقليات في بريطانيا، فربما إن فعلت، لكان عليها الإشارة بأصبع الاتهام إلى الصحافة اليمينية التي تجد في بروباغندا الكراهية والخوف طريقاً سهلاً للانتشار ورفع أرقام توزيعها.  
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها