السبت 2024/04/13

آخر تحديث: 11:54 (بيروت)

غزة والباربيكان: مقاومة الاستعمار بالاستلقاء على السرير

السبت 2024/04/13
غزة والباربيكان: مقاومة الاستعمار بالاستلقاء على السرير
من معرض الفنان المغربي للفنان المغربي سفيان أبابري
increase حجم الخط decrease
في قاعة "ذا كيرف"، يستضيف مركز "باربيكان" في لندن، المعرض الفردي الأول في المملكة المتحدة للفنان المغربي المقيم في باريس سفيان أبابري، وذلك من 13 آذار/مارس وحتى نهاية حزيران/يونيو 2024. المعرض المعنون "كانت أفواههم ممتلئة بالنحل، لكن أنا من تم تلقيحه"، يستكشف بين أشياء أخرى الطرائق التي يتم عبرها تشفير اللغة وتوظيفها بشكل عنيف. بالنسبة إلى أبابري، يوحي شكل قاعة العرض "ذا كيرف" بالحرف (ز) العربي، ويذكره بكلمة "زامل" المستخدمة في الدارجة المغربية للإشارة إلى المثلي بشكل مهين، ويكفي استخدام طنين الحرف الأول من الكلمة للتلميح بالإهانة من دون التصريح بها.

في استلهام لأحد أعمال يحيى بن محمود الواسطي، الخطاط والرسام من العصر العباسي، والتي تمثل رجلين يمسك أحدهما بيد الآخر في لحظة حميمة، يستوحي أبابري من المتن الفني الغربي والشرقي على السواء، تمثيلات للعلاقة الكويرية تتحدّى تنميطات الجنسانية الغيرية والتصورات السائدة حول الجنس والرغبة واللذة. وتقدّم اللوحات والتجهيزات المعروضة في معظمها مشاهد حميمة وشهوانية لرجال سمر البشرة، مُزيحة الجماليات الكويرية من الهامش المخفي إلى المركز.

بالعموم يركّز مسار أبابري الفني على الخبرة المثلية وخبرة الإقامة في المهجر، في محاولة لتحدي التمثلات الشهوانية الشرقية في الفنون الغربية. ففي مقابل الأجساد الشرقية العربية والمستلقية أمام العين الغربية في اللوحات الاستشراقية الكلاسيكية، يرسم أبابري أعماله وهو مستلقٍ على سريره، في قلب للأدوار، واستبدال الوضع الرأسي المنتصب للرسام الأكاديمي بالوضع الأفقي المسترخي. أيضاً ينتج أبابري أعماله مستخدماً ألوان الرصاص، وبرسوم ذات بُعدين أقرب للفن الفطري، في تخلٍّ عمدي عن القواعد الأكاديمية والوسائط والمواد الأكثر حرفية.

إلا أن سياسات العرض التي يتبعها مركز باربيكان، أحد أكبر المراكز الثقافية في العاصمة البريطانية، ليست بالضرورة ما بعد استعمارية على طول الخط. فبالتوازي مع معرض أبابري، يستضيف المركز معرضاً آخر بعنوان "فض الخيوط: السلطة وسياسات المنسوجات في الفن" حيث يشارك 50 فناناً من حول العالم. وعنوان المعرض ليس الأمر الوحيد المشحون سياسياً، فتسعة من الفنانين المشاركين فيه، سحبوا أعمالهم من باب الاحتجاج على إلغاء المركز محاضرة للكاتب والروائي الهندي، بانكاج ميشرا، بعنوان "المحرقة بعد غزة".

كان من المزمع أن يستضيف مركز باربيكان سلسلة من المحاضرات السنوية تنظمها مجلة "لندن ريفيو أوف بوكس"، حتى أُعلن عن عنوان محاضرة ميشرا، مع وصف لها يدين إسرائيل بجرم الإبادة العرقية.

وليست هذه الواقعة الأولى من نوعها. ففي حزيران/يونيو الماضي، دُعي إلياس أناستاس، أحد مؤسسي إذاعة "الحارة" الفلسطينية، لإلقاء محاضرة في المركز عبر البث من بعد، حول الإمكانات الجذرية للإذاعة. لكن وخلال فحص الصوت، تلقى أناستاس رسالة نصية من أحد موظفي باربيكان تقول: "في ما يتعلق بالمحتوى، تجنب الحديث عن "فلسطين حرة" بشكل مطول … فقط لمزيد من حماية الجمهور". وقبلها بلحظات، قام عضو آخر من فريق باربيكان الذي يدير الحدث بسحب مُحاوِرة أناستاس، نهال الأعصر جانباً، وسألها إذا كان بإمكانها هي وأناستاس "الابتعاد عن القضايا الشائكة" مثل "فلسطين حرة ... أو أي شيء من هذا القبيل". بعد ذلك ألغي الحدث بسبب صعوبات فنية، قيل إنها ضعف شبكة الواي فاي.

في المجمل، يبدو أن مركز باربيكان، مثله مثل الكثير من المؤسسات الثقافية الغربية، تكتفي أجندته التقدمية ولغتها المتخمة سياسياً بالرطانة ما بعد الاستعمارية، بالتركيز على المقاومات اللينة والرمزية، على مثال استبدال الألوان الزيتية بالأقلام الرصاص، والرسم من وضع الاستلقاء بدلاً من وضع الاسترخاء. وفي المقابل، وبشكل مخز تواجه أي مقاومة، ولو خطابية، ضد استعمار قائم أوجريمة إبادية جارية، بالمنع والإلغاء، وبالمثل يمكن بالطبع مناقشة "الإمكانات الجذرية" التي طالما عُقّمت من أي حديث عن تحرير مكان حقيقي.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها