السبت 2017/08/05

آخر تحديث: 12:41 (بيروت)

ما صحة "رسائل الودّ" بين عراقيين وإسرائيليين؟

السبت 2017/08/05
ما صحة "رسائل الودّ" بين عراقيين وإسرائيليين؟
increase حجم الخط decrease
تواظب صفحات إسرائيلية في "فايسبوك" مؤخراً على نشر مواد وفيديوهات تدّعي أن أطيافاً مدنية وثقافية عربية باتت تكفر بالفلسطينيين بصفتهم إرهابيين آذوا العرب، وأنها في المقابل مقتنعة بـ"عدالة" اسرائيل وأحقيتها بالأرض المقدسة، بحسب ما تدعيه هذه الصفحات التي تُدار من الحكومة الإسرائيلية، مثل صفحة "إسرائيل تتكلم بالعربية"، و"المنسق"، و"افيخاي ادرعي"، وغيرها.

"إسرائيل تتكلم بالعربية" تنشر يومياً مواد تتعلق بمبادرات وآراء ومواقف لمواطنين عاديين في دول عربية يُدلون بآرائهم الداعية إلى ضرورة فتح صفحة جديدة مع اسرائيل وتقبلها كأمر واقع في المنطقة، ثم تثير الجدل والشتم والسباب بين الذين يتفاعلون مع ما تنشره الصفحة المذكورة وآخرين يعارضونها. فيما يعتبر بعض رواد التواصل الاجتماعي أن هذه المواد لا صحة لها أصلاً، بل هي بمثابة "بروباغندا" كاذبة من اسرائيل، وأن الشعوب العربية بمجملها ما زالت مؤمنة بالقضية الفلسطينية.

ما رصدته "المدن" في صفحة "اسرائيل تتكلم بالعربية" خبرٌ بعنوان: "رسائل الودّ بين شعب العراق وشعب إسرائيل"، إذ يتحدث بطريقة ادعائية مزعومة بأن "شبكات التواصل الاجتماعي شهدت خلال أزمة الأقصى تعاطفاً مُدهشاً من ملايين العراقيين مع دولة إسرائيل". 
ويدّعي الخبر أن "الجدال الحاد بين مؤيدي التعاون مع إسرائيل ومعارضيه، يعتبر الظهور الجلي لتيار المؤيدين كسراً لتابو ساد عقوداً طويلة".
كما تنشر الصفحة "مبادرة ثورية من المجتمع المدني العراقي"، تدعو الى فتح صفحة جديدة مع إسرائيل، معنونة بـ"العراق مع إسرائيل".

وتردّ هذه الصفحة على المشككين في المبادرة، بفيديو نشر صباح الأحد الماضي، مُذيلاً بهاشتاغ #تضامن_العراقيين_مع_إسرائيل. ويتضمن الفيديو مشاهد تقول إن "أهل غزة ارهابيون يُناصرون ابو بكر البغدادي. لهذا يناصر العراقيون إسرائيل حمامة السلام ولم تعد تنطلي عليهم اكاذيب الأنظمة القومية والإسلامية العربية".

وفي تركيزها ايضاً على العراقيين، ضمن محاولات تعزيز الشرخ بين العرب وإثارة الفتن والنعرات، تنشر الصفحة فيديو آخر لشابة عراقية، بعنوان "رسالة جريئة من فتاة عراقية" توضح فيها بإيجاز سبب تضامن قطاع عريض من العراقيين مع "إسرائيل"، فيشكرها القائمون على هذه الصفحة بعبارة "خالص التحيات لها ولكل المتضامنين ضد الإرهاب بكل أشكاله".

لكن العراقية التي تقول في هذا الفيديو إن الفلسطينيين أرهبوا العراقيين جراء تنفيذهم لعمليات إنتحارية في العراق منذ العام 2003، نجدها تخلط وتحسب الذين يحملون الجنسية الأردنية على أساس أنهم فلسطينيون، فحتى المعلومة يشوبها اللغط، كما أن الفلسطينيين كما هو حال كل العرب تجد مَن تأثر منهم بالفكر السلفي أو الداعشي، بَيْدَ أن نسبتهم قليلة، ولا يُمكن توظيفها في سبيل التنميط والتعميم في هذا الحالة، لا سيما أن أساس الثورة الفلسطينية وبُعدها منذ انطلاقها هو وطني لا فكري. فشاركت فيها المرأة بشكل لافت مهما كانت مرجعيتها الدينية والفكرية، وحملت أفكاراً تقدمية، وتقبلت الفصائل الفلسطينية، من أقصى يمينها إلى أقصى يسارها، هذه الخصوصية.  

ورغم أن "اسرائيل تتكلم بالعربية" تركز على العراقيين لإستمالة أكبر عدد من العرب والتأثير في "وعيهم الجمعي"، فإنها تنشر بين الفينة والأخرى أيضاً مواد عن زيارة صحافيين وأكاديميين من المغرب العربي، أو من تصفهم بـ"معارضين سوريين" إلى اسرائيل، مروراً بتلك الصور التي تُظهر جنوداً في الجيش الإسرائيلي وهم يقومون بعلاج أطفال ونساء وشبان وشيوخ جُرحوا خلال المعارك الدائرة في الجهة السورية من الجولان، فيظهر عناصر الجيش الإسرائيلي "رقيقي القلب، وليس كما يصورهم الفلسطينيون ومن دار في فلكهم من العرب"، كما تقول الرسالة الضمنية.

يظهر من ردود الصفحة على تعليقات مَن يُشكك في روايتها في بعض المواد المنشورة، أن القائمين عليها مطلعون جداً، ولديهم الخبرة النفسية والإيديولوجية والإجتماعية والسياسية الواسعة، كما أنهم دارسون للحالة العربية؛ ولعلهم قادرون على مخاطبة الوعي واللاوعي للعرب، ثم نراهم يقربون المجهر على كل عربي لديه وجهة نظر محابية لإسرائيل وتُبرزه كما لو انه يُمثل الكل العربي.

يُجمع مراقبون ومتخصصون في الشأن الإسرائيلي على أن تل ابيب تُجيد أهم وسيلة دولياً، ألا وهي "القوة الناعمة"، عبر اختراق وعي الناس ونقاشهم وجِدالهم كما لو أن اسرائيل جزء من المنطقة، فهذا عامل قوة لإسرائيل بامتياز، ويظهر هذا جلياً في إجادتها اللعب على التناقضات العربية وخلق أخرى والتحالف مع بعض المُؤمنين بالدولة العبرية علّها تُضعف الموقف العربي وتُظهره مُنقسماً، فتحقق ذلك فعلاً.

الإعلامي محمد مصالحة المقيم داخل أراضي 48، يقول لـ"المدن" أن الحكومة الإسرائيلية "تخصص ملايين الدولارات لإعلامها المُوجه للشارع العربي والهادف إلى التاثير في مواقفه وترسيخ الرواية الإسرائيلية المضللة، بهدف دفع هذا العربي إلى التطبيع الإفتراضي كخطوة تستبق التطبيع على أرض الواقع".

ويضيف: "نضرب مثالاً لحجم الأموال الإسرائيلية التي خُصصت في العام 2014 وحده، من أجل تشويه صورة منظمة "المقاطعة العالمية لإسرائيل BDS" أمام العالم وللتصدي لروايتها وجهودها، إذ خصصت الخارجية الإسرائيلية نحو ستة ملايين دولار لذلك، لتُضاف إلى نحو 10 ملايين دولار تبرع بها رجل أعمال يهودي يقيم في الولايات المتحدة الأميركية".

رئيس قسم الإعلام في جامعة بيت لحم، الدكتور سعيد عياد، رأى أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية هي التي تقف خلف "اسرائيل تتكلم بالعربية" وغيرها، موضحاً أن ضعف الاعلام العربي وانقساماته وجهله وانخراط بعضه في سياق الرؤية الإسرائيلية، ساهم في صعود "نجم الرواية" التي تُروجها إسرائيل في أوساط الشعوب العربية عبر الضرب على وتر الطائفية والمناطقية والجراح التي ألمت بالوطن العربي في السنوات الأخيرة. وأضاف لـ"المدن" أن "المشكلة تكمن في مَن يصدق الرواية الإسرائيلية ويتماهى معها. نحن لا نطالبهم بأن يصدقونا. فليبحثوا فقط عن الحقيقة، وكفى".
ويتعدى التضليل الإسرائيلي منبر الصفحات الرسمية في "فايسبوك"، إلى صفحات الأكاديميين وخبراء الشأن العربي في اسرائيل. ولعل صفحة المحلل السياسى الإسرائيلى إيدى كوهين، خير مثال على ذلك، فهو لا يمل من تحويل صفحته لصفحة "تنظير وتزوير"، ونرى عرباً يشاركونه رأيه ويصدقونه. ومما كتب مؤخراً: "رئيس كتلة يش عتيد يايير لبيد Yair Lapid - يؤيد استقلال كردستان وهو ينضم الى مجموعة من السياسيين الذين يؤيدون بشدة إقامة دولة كردية حرة ومستقلة غصباً عن السفاح العثماني أردوغان". وفي منشور آخر، يرى كوهين أن الكرد يستحقون دولة "بينما لا يستحقها الفلسطينيون لإنهم سيحولونها مرتعاً للإرهاب".
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها