الإثنين 2017/08/28

آخر تحديث: 18:25 (بيروت)

"فجر الجرود".. هزيمة المنتصر وانتصار المهزوم!

الإثنين 2017/08/28
"فجر الجرود".. هزيمة المنتصر وانتصار المهزوم!
ضمن هاشتاغ #شهداء_مؤامرة_الحزب عبّر كثيرون عن صدمتهم وذهولهم مما وصفوه بالخاتمة المفجعة (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كثير من الأسئلة طرحها مغردون تستنكر النهاية التي آلت إليها معركة جرود رأس بعلبك والقاع، بعدما تم الإعلان من قبل الجهات الرسمية عن استشهاد العسكريين المختطفين، خصوصاً أن إسدال الستار على مصير قاتليهم انتهى بتهريبهم في حافلات مكيّفة إلى المنطقة الشرقية في سوريا، فيما سيتم تأمين عبورهم بسلام وأمان، يحرسهم عناصر من حزب الله وتواكبهم قوات النظام السوري، كما لو أنهم كانوا في مهمة تم تكليفهم بها، وحان الوقت بعد فراغهم منها لإرجاعهم من حيث أتوا.

القراءة هذه أتت تعبيراً عن الهاشتاغ المتداول في "تويتر" باسم "شهداء_مؤامرة_الحزب"، عبّر من خلاله كثيرون عن صدمتهم وذهولهم مما وصفوه بالخاتمة المفجعة، التي اعتبروها تفريطاً بدماء كلّ لبناني مدني وعسكري سقط على أيدي الإرهابيين وبسببهم، متوجهين بسؤال إلى كلّ مسؤول له علاقة بهذا الملف، "ألا يجرؤ أحد منكم على محاسبة من كان السبب في استشهاد أبطالنا؟"، و... "ألم يكفكم في المرة الأولى تهريب مقاتلي جبهة النصرة لكي تقوموا بتهريب مقاتلي داعش بعدها؟"... "هل كل من يقتل لبنانياً، عسكرياً كان أم مدنياً، من الآن فصاعداً، عليه أن ينتظر العفو منكم؟"... "طالما أن العسكريين استشهدوا وتبيّن أن مصيرهم قد كُشف عنه منذ عامين، فلماذا التفاوض أصلاً مع داعش؟". فيما ذهب آخرون لمقارنة ما حصل من تهريب للإرهابيين بما جرى في أحداث مخيّم نهر البارد، حين تم تهريب شاكر العبسي وقيادات "فتح الإسلام" من المخيم تحت أنظار ورقابة الجميع.

هذا الكلام الصريح يدّل على أن المشهد بات واضحاً لكثير من المواطنين اللبنانيين، من خلال استشعارهم بالخديعة بعد النهاية المشبوهة للدواعش، خصوصاً أن لها ما يدعمها على أرض الواقع، حيث أنّه ومنذ ظهور "داعش" في سوريا، كانت المعادلة واضحة للغاية، ففي أي مكان فيه "داعش" والنظام السوري، كانت هناك صفقة وانسحابات متبادلة، بل ما يشبه التسلّم والتسليم للمواقع والحواجز والمدن والقرى، لدرجة أن هناك من شكك علناً: "عن أي حرب وأي نصر تتحدثون؟"، فقد كُشف المستور وبانت المعركة بأنها صُوَرية، تصلح كفيلمٍ دعائي مركّب يُبث عبر الإعلام وشاشات التلفزة. وما الاختلاف الكبير بين الضخّ الدعائي والوقائع إلا أكبر دليل على هذا الكلام.

هذا الرأي بالذات، عبّر عنه حسين يوسف، والد العسكري الشهيد محمد حسين يوسف، من خلال إشارته إلى وجود قطبة مخفية في رواية السلطات اللبنانية لما حدث من حيث التعامل مع ملف العسكريين ومصيرهم. كما عبّرت عنه جهات سياسية من خلال اعتبارها أن فك القيود عن "داعش" يُثبت أن وجودهم في الجرود كان ضمن وظيفة محددة رسمها لهم محور الممانعة، الذي عمد إلى تهريبهم قبل أن ينقضّ الجيش عليهم ويُخضعهم لمساءلة تفضح كثيراً من الأسرار حول العلاقة بينهم وبين هذا المحور.

المشهد نفسه حمل تناقضات عديدة، تجلّت في تغطية الإعلام اللبناني للحدث ومستجداته الأخيرة. فالصدمة التي أصابت اللبنانيين بعد الكشف عن مصير العسكريين والفاجعة التي مُني بها أهاليهم بعد 3 سنوات من الانتظار، عبرت عن تجلياتها قناة "إم تي في" بأسلوب واضحٍ ومباشر، مطلقة أسئلتها كالسهام في وجوه المسؤولين، مطالبة إياهم بالإجابة عن ماهية دور الدولة اللبنانية في ما حصل، وكيف بدأ وكيف انتهى دور "حزب الله". واستطردت: "أليس من الواجب أن نتساءل كيف يسمح للإرهابيين الدواعش بالخروج من الجرود بعد قتلهم جنوداً ينتمون إلى المؤسسة العسكرية؟ ألن يبقى هذا الأمر وصمة عار على جبين الدولة اللبنانية التي استهترت بحياة جنودها، وتساهلت في موضوع لا يحتمل التساهل فيه، الكرامة الوطنية؟". وهو السؤال نفسه الذي طرحته قناة "المستقبل"، التي عبّرت عن استنكارها للخاتمة المخجلة، بعد إشارتها إلى كون الجيش اللبناني حسم المعركة في جرود رأس بعلبك والقاع من دون أي شريك له. أما المفاوضات فهي غير واردة في قاموس الجيش، لكن الحزب تولاها بالتنسيق مع نظام الأسد... والمحزن أن الإرهابيين عادوا من حيث أتوا سالمين".

كثير من الغموض والأسئلة التي تحتاج إلى أجوبة تشفي غليل اللبنانيين وتطرد الشك من رؤوسهم، خصوصاً أنها المرة الأولى التي يعقد فيها التنظيم الأكثر وحشية في العالم صفقة تنتهي باستسلامه وانتقاله من منطقة إلى أخرى تحت غطاء وحراسة "حزب الله" والجيش السوري. كما أن التساؤلات عن مصلحة الجيش اللبناني في الإفراج عن المعتقلين من "داعش"، ممن كشفوا عن مكان دفن العسكريين اللبنانيين، والذي يُشير المنطق إلى أنهم قد يكونون هم من قتلوهم، يوضح مدى التخبّط والحاجة إلى التوضيح لكل ما شاب الرواية الرسمية من ملابسات.

التساؤلات هذه غابت تماماً عن إعلام محور المقاومة والممانعة، فالأولوية مثلاً لقناة "المنار" و"الميادين" عبّرت عنها مقدمات نشرات الأخبار، من خلال الخوض في شرح المعارك الدونكيوشوتية والانتصارات المجلجلة، التي تروّج بأن الإرهاب قد اندحر نهائياً بلا عودة، وأن تحرير الحدود اللبنانية السورية تمّ من خلال اتفاقٍ ببنودٍ ثلاثة. وهذا كلّه مع تجاهل كون الإرهابيين الدواعش لا ذمة لهم ولا عهد ولا شرف ولا دين. فتحت أي مسمّيات يأتي الكلام عن اتفاقيات محترمة، ومن أين تأتي كل هذه الثقة بأن "لا عودة للإرهاب"، إلا في حال كان لهم العلم عن من يديره ويبدأه وينهيه!

لكن جمهور المقاومة لا تهمه هذه التفاصيل "التافهة" بالتأكيد، إذ أن انشغاله بأعراس النصر والشهادة، تجعله يتكامل ويتحدّ مع كل الساحات اللبنانية، بحسب وصف "المنار". في حين تستمر "الميادين" في تغطيتها المباشرة من رأس بعلبك لليوم الثاني على التوالي، والتي حملت عنوان "انتصار الجرود"، حيث تحتفي من هناك بثلاثية الانتصار "الجيشين اللبناني والسوري والمقاومة"، وما يتأتّى منه من معادلات ذهبية وماسية.

هذا القدر من البروباغندا بدا ثقيل الوطأة بالنسبة إلى قناة "أو تي في"، التي لم تقدر على التهرّب من إبراز التململ الذي أصاب فئة واسعة من اللبنانيين، ممن عبّر البعض منهم من خلال اتصالات للبرنامج الصباحي "يوم جديد"، عن عدم رضاهم واعتراضهم الواضح والصريح واستنكارهم للمسار الذي آلت إليه المعركة في جرود رأس بعلبك والقاع، خصوصاً لناحية "اتفاق العار" الذي سمح بتهريب المجرمين الدواعش.

إلا أن القناة عادت وآثرت استثمار الوضع سياسياً وانتخابياً، من خلال تبريرها بداية لخروج الإرهابيين سالمين بقولها إنهم "خرجوا مستسلمين رافعين الرايات البيض"، معتبرة بأن "المزايدات والتنظيرات على الجيش اللبناني اليوم، والتي تطالبه بالاقتصاص من داعش، وعدم السماح له بالخروج من لبنان سالماً، كان يجب ان توجه للقابضين على القرار منذ ثلاث سنوات بعدم السماح للارهاب بأخذ الجيش رهينة وجعل "هيئة العلماء المسلمين" هي الجهة المفاوضة، واكتفاء بعض من كان في موقع المسؤولية يومها بهز رأسه وزم شفتيه ورفع يديه إلى السماء وكأنه يقول: لا حول ولا دولة". لتعود "أو تي في" وتتماهى مع إعلام محور الممانعة من خلال بثّها لتقريرٍ بعنوان "ما بعد المعركة والنصر، العين على الانماء"، في محاولة لطيّ ملف الاعتراض والتساؤل والتشكيك وتحويل الأنظار باتجاه المطالب الإنمائية، الأمر الذي بدا مستهجناً، بل مشيناً. إلا أنّ "أو تي في" بررت قفزتها تلك بالقول "قريباً ستطوى صفحة المعارك في الجرود، ينكسر الارهاب نهائياً وتعود قرى الحدود آمنة. هنا حيث صمود الأهالي كان عنوان البطولة طيلة الأيام الفائتة التي شهدت خضّات أمنية وتفجيرات إرهابية وأعباء النازحين. ستفتح صفحة الإنماء الذي تحتاجه هذه البلدات ليبقى فيها أبناؤها".

الاهتمام المزعوم الذي تبديه "أو تي في" بأبناء تلك المناطق، بموازة احتفالات النصر التي تهلل لها قنوات إعلام الممانعة في تلك المناطق والقرى الحدودية، يُغفل بالتأكيد حق أهلها في معرفة حقيقة ما حصل وحقيقة الإعلان عن النصر، الذي اعتبره كثيرون بمثابة إعلان عن الهزيمة والعار، كونه تُوّج بتهريب الدواعش وإفلاتهم من بين أصابع الجيش اللبناني.

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها