الخميس 2017/07/20

آخر تحديث: 16:27 (بيروت)

إسرائيل تبتزّ إعلام الـ48 بالإعلانات!

الخميس 2017/07/20
إسرائيل تبتزّ إعلام الـ48 بالإعلانات!
increase حجم الخط decrease
تخضع وسائل الاعلام العربية في اراضي 48 لقوانين الاعلام الاسرائيلية بشكل تام، الأمر الذي وضعها على مدار تسعة وستين عاماً من عمر الدولة العبرية في حالة نضال مستمر للحفاظ على الهوية الوطنية من ناحية، ومجاراة "الواقعية" و"الإستثنائية" التي تضمن لهذا الإعلام البقاء والديمومة من ناحية أخرى. 
داخل الخط الأخضر، توجد العشرات من وسائل الإعلام بمختلف أشكالها، غير أن معظمها يُعتبر في إطار ضيق محلي يخصّ هذه البلدة او تلك، مما يجعلنا نتحدث عن صحف وإذاعات ومحطات ومواقع إلكترونية رئيسة معدودة من حيث مدى وصولها الى الداخل الفلسطيني البالغ تعداده مليون والنصف مليون نسمة والذين كُتبت عليهم "الهوية الإسرائيلية" مُجبرين بفعل الجغرافيا. 

ونذكر من الوسائل الإعلامية البارزة على المستوى المرئي (فضائية مساواة، هلا، والعرب)، والمسموعة مثل اذاعة "الشمس"، بالإضافة إلى صحيفة ورقية وحيدة تصدر يومياً لعموم الجمهوري الفلسطيني في الداخل وهي "الإتحاد"، فيما توجد أربعة صحف اسبوعية هي "كل العرب" و"بانوراما" و"الصنارة" و"حديث الناس"، بالإضافة إلى مواقع اخبارية الكترونية على رأسها "عرب 48".

وبالنظر إلى مضامين الاعلام العربي داخل الخط الأخضر،  فإن ثمة اختلافات بين مضمون وآخر وبين وسيلة واخرى، فمثلا صحيفة "الإتحاد" اليومية التابعة للحزب الشيوعي (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة الآن) تنقل وجهة نظر الجبهة حيال القضايا الوطنية والإقليمية ومفاهيم التعايش في اسرائيل وغير ذلك، كما ويعكس موقع "عرب 48" الذي يمتاز بأن مضامينه سياسية وجدية ولا يوجد فيه إعلانات، موقف حزب التجمع الديموقراطي الذي ينتمي إليه ومبادئه، بينما نجد موقع "بانيت" المُصنف عالمياً بالمتقدم، قد طغى عليه الطابع الاعلاني والتسويقي والتجاري مع قليل من الاخبار المحلية والخدماتية غير السياسية والأمنية. ويرى البعض ان الموقع يتماهى إلى حد كبير مع سياسة السلطة الإسرائيلية للحفاظ على حصته من الإعلانات الحكومية، فلا ترى ذكراً لكلمة "شهيد" عندما يرتقي فلسطيني برصاص اسرائيلي، ولا يذكر كلمة "احتلال"، كما انه لا يتوانى عن نشر اعلانات خاصة بالتجنيد في الجيش الإسرائيلي.
عنصرية بحق الصحف الورقية
 ورغم أن قانون النشر الإسرائيلي الذي يحكم الاعلام العربي لفلسطينيي 48 هو نفسه التي تقع في سياقه تلك الوسائل الصادرة باللغة العبرية، إلّا أن هذا لم يمنع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من ممارسة العُنصرية بحقها. فمصادر المعلومات الإسرائيلية تكون حصرية للصحافة العبرية بشكل أكبر، الأمر الذي يجعل وسائل الاعلام الخاصة بالمجتمع الفلسطيني في الداخل غالباً ما تكون تنقل عن المواقع والصحف الإسرائيلية.

ولا ننسى "سطوة الرقيب العسكري" الذي يمنع النشر في قضية معينة إلا المعلومات التي يريدها والوقت الذي يقرره، وبخاصة تلك الاخبار ذات العلاقة بالتحقيقات الشرطية والهجمات التي يُقتل فيها جنود إسرائيليون. فعلى سبيل المثال لا الحصر، منعت الرقابة العسكرية الإسرائيلية لساعات، نشر خبر مقتل الشرطيين الإسرائيليين اللذين لقيا حتفهما اثر العملية المسلحة التي وقعت في باحات المسجد الاقصى الجمعة الماضية. مع العلم أنه في حال لم يلتزم الموقع الإعلامي بمنع النشر فإنه يلقى عقوبات اسرائيلية ويدفع ثمناً هو في غنى عنه.

إذاعة شمس 
يرى الكاتب من داخل الخط الأخضر، سهيل كيوان، ان إذاعة "الشمس" التي تعتبر الأولى استماعاً في صفوف فلسطينيي ٤٨، تميل أكثر إلى نقل وجهة نظر السلطة الإسرائيلية كما هو حال عدد من وسائل الاعلام الأخرى في الوسط العربي بإسرائيل بُغية الحفاظ على تمويلها من الاعلانات الحكومية والتي بدونها لا تستطيع ان تستمر.
وليس بعيداً عن المضامين ولكن فيما يخص الإعلانات، فإن قانون الاعلانات الحكومية الاسرائيلي هو الذي يحكم العلاقة مع وسائل الاعلام بمختلف اشكالها وبلغتيها العبرية والعربية. وينص القانون المذكور على "وجوب نشر الاعلانات باللغتين العربية والعبرية"، ولعلّ الحصة الكُبرى من هذه الإعلانات تأتي من مكتب رئيس الحكومة في اسرائيل فتدرّ مالا وفيراً على العديد من الصحف والإذاعات والمواقع الإلكترونية، ودون ذلك لن تستطيع أن تعمل.

 غير أن ما يصل الى إعلام 48، هو الحصة الأقل من اعلانات الحكومة (سواء اعلانات المناقصات، والظائف، والخدمة المدنية، بيع او شراء عقارات يهودية، مرافق صحية..الخ)  فيما يذهب الجزء الأكبر منها إلى الصحف الناطقة بالعبرية. فمثلاً صحيفة "يديعوت احرونوت" تنال نصيب الأسد من الإعلانات الحكومية، بحيث تصل ارباح صفحة واحدة في عددها اليومي أكثر من ثلاثين الف دولار،  وهي اشارة واضحة لحجم التمييز الحكومي الإسرائيلي الكبير بين يهودي وفلسطيني الذي يطال حتى هذا المجال.

 وتتعدد وسائل الاعلام والمواقع العربية التي تستفيد بدرجات متفاوتة من الاعلانات التجارية الحكومية في إسرائيل إلى جانب الاعلانات الأخرى، أولها صحيفة "بانوراما" ثم "الصنارة"- الأقل انتشاراً مقارنة بغيرها، وبعدها صحيفة "العرب" التي تُعتبر اخبارية ولكن محتواها اقل من السياسة والمقالات، فضلاً عن جريدة "الاتحاد" الشيوعية، علاوة على إذاعة "شمس" التي لها نصيب لا بأس به من هذه الإعلانات التي تشكل مصدراً مالياً مهمّاً لها.

ويقول الصحافي سعيد حسنين الذي يعمل في صحيفة "كل العرب" أنها الأكثر متابعة وانها وطنية تحافظ على الهوية الفلسطينية من خلال ذكر كلمة "احتلال" و"شهيد"، غير أنها في الوقت ذاته تحاول ألا تستفز المؤسسة الإسرائيلية إلى ابعد مدى كي تحافظ على حصتها من الاعلانات الحكومية كي تستمر ولا تضطر إلى الاغلاق. ويضيف حسنين في حديث لـ"المدن": "مع ذلك، نحو 90 بالمئة من مقالاته وتقاريره الي تتحدث عن الانتهاكات والعنصرية الاحتلالية لا يتم نشرها  في "كل العرب" لانها لو نُشرت فإن الاعلانات ستُمنع عنها وستضطر إلى اغلاق أبوابها". 

الابتزاز بالإعلانات الإسرائيلية 
في هذا السياق، ثمة مثال يُدلل على كيفية توظيف الحكومة الإسرائيلية مسألة الإعلانات كي تبتز الاعلام العربي. فذات مرة لجأت صحيفة "العرب" إلى المحكمة المركزية في اسرائيل عندما قررت حكومة رئيس الحكومة الأسبق ارييل شارون منع نشر اعلانات في هذه الصحيفة رداً على رفضها نشر اعلان للتجنيد في الجيش الإسرائيلي في خضم الانتفاضة الثانية، لكن الصحيفة ربحت القضية حينها وعادت حكومة تل ابيب لتعلن فيها، من باب أنه يحق للصحيفة أن ترفض.
ونتسنتج مما سبق أن معظم الإعلام التابع للمجتمع الفلسيطيني داخل اسرائيل إما أنه يولي الاعتبار لنواحي تجارية بحتة للحفاظ على حصته من الاعلانات الإسرائيلية الرسمية حتى لو على حساب "الهوية الوطنية" وبنسب متفاوتة، وإما أنه مُحزب يمثل احدى الاتجاهات السياسية والفكرية لهذا التيار أو ذاك، الأمر الذي دفع العديد من فلسطينيي الداخل وخاصة ما يُعرف بـ"القارئ العابر" إلى النأي عنها واللجوء إلى الإعلام الإسرائيلي مباشرة ليطلع على آخر المستجدات. فهل بات مُستقبل إعلام هذه الشريحة الفلسطينية- التي وجدت نفسها في ذروة الجدليات مُكرهةً- على المحك؟
increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها