الإثنين 2017/07/17

آخر تحديث: 19:10 (بيروت)

حملة لبنانية: مع الجيش أو مع الإرهاب!

الإثنين 2017/07/17
حملة لبنانية: مع الجيش أو مع الإرهاب!
هدفت الحملة المضادة إلى القضاء على أي صوت مؤيد للاجئين السوريين
increase حجم الخط decrease
بات يكفي أن يطرأ أي حدث ذي طبيعة إشكالية ليكشف هشاشة المجتمع اللبناني ومدى عمق واستفحال الانقسام العمودي في العقول والممارسات. إذ يبدو أنّ أي إشاعة مدسوسة، أو فبركة من نسج خيال أيّ جهاز استخباراتي، كافية بعد إلقائها في الإعلام أو تفقيسها في مواقع التواصل، بأن تقلب حال اللبنانيين وتشغل بالهم، بل وتهزّ كيانهم وتشحن نفوسهم دافعة بهم في أتون معمعمةٍ افتراضية وحربٍ كلامية، ليظهر بأن هناك من لا يتوانى عن محاولة تغذيتها وإذكاء نارها بهدف نقلها للواقع الحقيقي في ما لو وُجدت الفرصة والآلية المناسبة لذلك.


هذا الأمر الذي لا يُخفى عن جهات مغرضة بعينها تُتقن الدسّ وتحسن قطف واستغلال نتائجه، نرى أطرافاً وجهات يستغلون اللحظة الأمنية والسياسية الحرجة التي يمرّ بها لبنان الذي ضجت مواقع التواصل الاجتماعي فيه بخبرٍ مفاده أن ثمة تظاهرة تحضّرها المعارضة السورية في لبنان الثلاثاء المقبل، بهدف التضامن مع اللاجئين السوريين واستنكاراً لما يتعرضون له من ممارسات "عنصرية بشعة" في مخيمات اللجوء، كالتي شهدها مخيم عرسال مؤخراً ولم تطوَ فصولها بعد، فيما برزت في المقابل دعوة من قبل أهالي شهداء الجيش اللبناني تدعو للاحتشاد والنزول في تظاهرة مضادة للتظاهرة الاولى، التي اعتبرت انها تهدف وتصبّ إلى التحريض ضد الجيش، ما أدى الى اندلاع سجال ناري بين مؤيدي التظاهرتين في مواقع التواصل، خصوصاً بعد دخول صفحة "اتحاد الشعب السوري في لبنان" على خط الجدل، من خلال بثها ونشرها كل ما من شأنه أن يؤجج الخلاف ويسعّره بين السوريين واللبنانيين، عبر شعارات ومطالب لم يأت منظمو تظاهرة دعم اللاجئين والتضامن معهم على ذكرها، ما جعل الأحداث تتجه نحو مسار آخر، استدعى التراجع عن دعوة التظاهر وإلغاء الوقفة التضامنية، بعد توجّس منظميها والداعين إليها من إمكانية إشعال الخلاف وتحويله إلى فتنة بعد دخول "اتحاد الشعب السوري في لبنان" وضخّه للتحريض المسموم الذي ورد عبر صفحته، الأمر الذي لم يُعجب الجهة التي تقف وراء الصفحة الفتنة، التي اعتبرت أن دعوة التظاهر لا تزال قائمة وهي غير ملزمة بالتراجع عن التحشيد لها، وأن كل ما يقال خلاف ذلك لا يعدو كونه إشاعات حرب إعلامية تستهدف السوريين.

طبيعة العبارات ونوع المفردات والأسلوب الاستفزازي الواضح الذي عبّرت عنه صفحة "اتحاد الشعب السوري في لبنان" يحيلها إلى الشبهات لناحية هدف إنشائها لأغراضٍ تحريضية فتنوية مشبوهة محددة، أهمها جذب أعين المواطنين اللبنانيين إلى النبرة الاستفزازية التي بدأت تتجلى عبر تعليقات بعض اللاجئين السوريين، وذلك بهدف استجلاب ردود لبنانية أعلى صوتاً وأكثر تطرفاً، انعكست بدورها على أداء معظم وسائل الإعلام اللبنانية التي حادت عن ذكر أي مطالب محقة للسوريين المتواجدين في لبنان مختزلين الأمر بالقول إن هناك تظاهرة دعا إليها معارضون سوريون ضد الجيش اللبناني، وبنوا على هذا العنوان تقاريرهم وتحليلاتهم من دون التطرق إلى ذكر أي تفاصيلٍ عن أصل الحدث أو محاولة التحليل والنبش بخلفياته وتوقيته ومن يقف وراءه، لدرجة أنّ وسائل إعلام التيار الوطني الحر بدت وكأنها تنصب مشانق منظمي التظاهرة الأساسية، بعرضها صورهم وأسمائهم محرضة الشعب اللبناني عليهم كما لو أنهم مجرمين فارّين من وجه العدالة، ملمّحة أن هؤلاء الأشخاص لا بدّ أن يكونوا وراء الصفحة التي تعمل على التحريض ضد الجيش اللبناني. كما تظّهرت "المواجهة" عبر قناة "إن بي إن" من خلال إطلاقها هاشتاغ #الجيش_هيبة_الوطن، وطرحها أسئلة على شاكلة "إلى أين يريد بعض ممن تنتابهم بعض النوبات الأممية جرّ البلاد؟ وإلى أين يريد المتفلتون من الحسّ الوطني أن يأخذوا بلبنان بإثارة النعرات بين النازحين وغالبية اللبنانيين؟"، لتخلص بالقول: "من أراد الدفاع عن الارهاب فليتحق به في ساحة الميدان لا في ساحة الشهداء".

التمادي في الضجيج والإمعان في ابتكار الأساليب التي ضخّمت الحدث وصبّت الزيت فوق ناره، إن كان من خلال ما ورد في مواقع التواصل أو وسائل الإعلام تلقي شكوكاً قوية بأنّ ما حصل كان مفتعلاً ومحضّراً سلفاً وله أهداف ومآرب عديدة، وما دخول شخصيات مثل جميل السيّد ووئام وهاب وجوزيف أبو فاضل على المشهد لتقف في صدارته من ناحية رفع الصوت والتهديد بالويل والثبور وعظائم الأمور في حال عدم منع التظاهر ونعت المتظاهرين بـ"الإرهابيين" ووعيدهم بأن ساحة الشهداء ستكون مقبرتهم الجماعية في وضح النهار، ما هو إلا دليل على نوعية العقول التي فبركت لهذه الحملة وضخّمتها لصالح أجندة وعقلية طغت وألقت بظلالها لسنين طوال على المشهد السياسي اللبناني. إلا أن الفرق في هذه اللحظة جاء من كون أن هؤلاء الأشخاص الذين لطالما نادوا بالأخوة والوحدة السورية اللبنانية باتوا يتصدرون الدعوة لتفشي العنصرية والتمييز باعتبار أن هؤلاء السوريين لا ينتمون إلى سوريا التي يوالونها هم.

انشغال اللبنانيين بأخبار التظاهرة من خلال اختزال المطالب التي تمت الدعوة إليها من أجلها، باعتبارها تظاهرة ضد الجيش اللبناني تفيد بأن الاساليب والفبركات الاستخبارتية نجحت بإجهاض مطالب اللاجئين السوريين وحرمانهم من التعبير عن ما يرونه ممارسات مجحفة بحقهم، وذلك من خلال استغلال رمزية الجيش لدى اللبنانيين والذي تعتبر غالبيتهم انتقاده أو المسّ به "خطاً أحمر" وقضية حساسة جداً، في حين هدفت الحملة المضادة إلى القضاء على أي صوت مؤيد للاجئين السوريين وإلى طمس الانتقادت التي واكبت اقتحام مخيم عرسال وتستبق الآن معركة جروده لتكرّس معادلة وحيدة مفادها إما أن تكون مع الجيش أو مع الإرهاب. 

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها