الأربعاء 2017/06/07

آخر تحديث: 18:56 (بيروت)

استهداف "الجزيرة".. من صواريخ بوش إلى أحقاد ترامب

الأربعاء 2017/06/07
استهداف "الجزيرة".. من صواريخ بوش إلى أحقاد ترامب
جاء في مقدمة الشروط السعودية لإعادة العلاقات مع قطر إغلاق قناة "الجزيرة"! (غيتي)
increase حجم الخط decrease
كشفت الساعات الأخيرة عن استهداف غير مسبوق تتعرض له قناة "الجزيرة"، وذلك بعد الكشف عن شروط سعودية لإعادة العلاقات مع قطر، وفي مقدمتها إغلاق قناة "الجزيرة" ووقف بثّها بشكل نهائي، حسبما ورد في لائحة المطالب التي تسلمّها أمير الكويت، الشيخ صباح أحمد جابر الصباح، في معرض وساطته لحلّ الأزمة بين قطر والدول الخليجية. فيما كانت آخر فصول تضييق الخناق على القناة، ما صدر عن السلطات الأردنية من قرار بسحب الترخيص الممنوح لـ"الجزيرة" وإغلاق مكتبها في عمّان، وذلك كأحد الإجراءات التصعيدية المشابهة التي انتهجتها مصر والإمارات والسعودية والبحرين، في معرض الصراع الذي افتعلته مع قطر وما تبعه من تصعيد في الإجراءات الدبلوماسية والحصار الجغرافي والإعلامي.

"الجزيرة" التي يرى كثيرون أنها واحدة من أهم معالم القوة التي تمتلكها قطر، لم تكن ومنذ إنطلاقتها، بمنأى عن سهام النقد والهجوم والاستهداف من قبل هذه الدول نفسها، ما يعكس عمق وقدم الصراع الذي عكسته الاجراءات الأخيرة باعتباره رغبة كامنة لإسكات القناة وإزاحتها عن الفضاء الإعلامي العالمي والعربي.

لكن وعلى الرغم من تجذّر الخلاف وعمقه وقوة النقد الذي لطالما تعرضت له "الجزيرة"، خصوصاً من مصر والمملكة السعودية والإمارات، إلا أن التهديد الأكثر خطورة وجديّة، الذي مرّ على القناة، كان من جهة الرئيس الأسبق، جورج بوش الإبن، إبّان تغطيتها لحربه على العراق، والذي يبدو أن دونالد ترامب وفي زيارته الأخيرة للمملكة العربية السعودية، أتى ليتمم الهدف الذي لم يستطع سلفه الجمهوري تنفيذه. إذ يشهد المسار التاريخي لـ"الجزيرة" على كثير من العداء ومحاولات الاستهداف الأميركية، خصوصاً من قبل القيادات في الحزب الجمهوري، ما قد يعكس أن الحرب الشرسة على القناة اليوم ليست حكراً على دول عربية إقليمية، بل هي أيضاً مطلب أميركي جمهوري قديم يرجع تاريخه إلى أيام حكم بوش، الذي كشفت وثيقة بريطانية سرية، تم نشرها في صحيفة "دايلي ميرور" البريطانية بعد تسريبها العام 2005، عن خطة وضعت قيد التنفيذ من قبل الجيش الأميركي تهدف لضرب مكاتب "الجزيرة" في الدوحة وخارجها بالصواريخ والمتفجرات، وكيف حاول بوش إقناع رئيس الوزراء البريطاني آنذاك، توني بلير، بالتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق ذلك، وذلك بعد فشل محاولات وزير الخارجية الأميركي الأسبق، كولين باول، بإقناع أمير قطر بإغلاق قناة "الجزيرة".

الغضب الأميركي تجاه "الجزيرة" تأجج عقب أحداث 11 أيلول، حين اعتبر مسؤولون أميركيون أن تغطية القناة متحيزة تماماً ضد الولايات المتحدة، وذلك بعد اكتساب الشبكة اهتماماً جماهيرياً واسعاً في القارة الأميركية ودول الغرب، عقب بثها مقاطع فيديو لأسامة بن لادن يدافع فيها عن الهجمات ويبررها، ما دفع الحكومة الأميركية إلى اتهام القناة بأنها شريك في الدعاية والترويج للإرهابيين، وهو ما ردّت عليه القناة حينها  بالقول إنها تقوم بما يستوجبه عملها الإعلامي المهني بالنقل، من دون تعليق أو توجيه، الأمر الذي لم يُعجب الأميركيين ولم يوقف هجومهم على القناة منذ ذلك الحين، خصوصاً من قبل وسائل إعلام مؤيدة للجمهوريين أو أخرى محسوبة عليهم، أبرزها قناة "فوكس نيوز" التي سبق أن قادت حملة ضد "الجزيرة" مروِّجة بأنها "قناة معادية للسامية ولأميركا". وكان لموقع "بريبارت نيوز"، (الذي أسسه اليميني المتطرف ستيف بانون، ولاحقاً اختاره ترامب ليكون في طاقم مستشاريه)، دور في الحملة ضد "الجزيرة" بوصفها "معادية للأميركيين البيض". فهي، وبحسب ما يقول الموقع، محبوبة من قبل الديموقراطيين، وعلى رأسهم وزيرة الخارجية السابقة، هيلاري كلينتون، التي لطالما مدحت أداء "الجزيرة" مشيدة بقوة تأثيرها وأسلوبها الذي جعلها تحظى بقاعدة جماهيرية واسعة.

ما تواجهه "الجزيرة" اليوم، لا ينفصل بطبيعة الحال عن ذلك المسار وما تضمنه من محاولات لأميركا ودول عربية معروفة شهدت لكتم صوتها وزعزعة موقعها، باعتبارها ركن قوّة أساسي في السياسة الخارجية القطرية، ما جعل المنزعجين من هذا الدور يسعون للترويج بأن قطر و"الجزيرة" تدعمان الإرهاب، وذلك بهدف ضرب سمعتها ومصداقيتها باتهامها بأنها "مروّجة للأكاذيب" وصولاً للإجراءات الأخيرة بحقها وما ترافق معها من حملة إعلامية هجومية ضدّ القناة والتحريض عليها. ولا يخفى أن لكل واحدة من الدول المتهجّمة ثأرها الخاص، خصوصاً سُلطة عبد الفتاح السيسي وداعمو الانقلاب في مصر، بعد الدور الذي لعبته "الجزيرة" خلال ثورة 25 يناير وفي أعقابها، والذي لم تجد سلطات الانقلاب وسيلة لقمعه أو استيعابه حتى الآن (إلا في مجزرة "رابعة" وغيرها). وهذا ما يفسّر استباق سلطة السيسي الجميع بالقيام بالخطوات التصعيدية لناحية حجب جميع مواقع القناة في مصر وذلك ضمن سلسلة خطوات اتخذتها ضد القناة في السنوات الأخيرة، أبرزها إغلاق مكتب "الجزيرة مباشر مصر" واعتقال طاقمها، وصولاً لاعتقال صحافي "الجزيرة"، محمود حسين، وذلك بحجة "نشر الأكاذيب" و"الترويج لجماعة الإخوان المسلمين" المصنفة "إرهابية" في مصر.

وعلى الرغم من كل ما تتعرض له القناة راهناً، يبدو واضحاً أنها آثرت الرد ضمن خطاب معتدل ومنهجي لا يعدو دفعها للتهم التي تتعرض لها، بعيداً من شنّ أي حملات مضادة، نائية بنفسها عن الانحدار لمستوى وسائل الإعلام التي تستهدفها من دول عديدة، والتي تكيل لها الشتائم والسباب، ما يعكس أيضاً التأني والتروّي في موقف السياسة الخارجية القطرية في التعامل مع الأزمة، والتي وُجهت لها الاتهامات من كل حدب وصوب بأنها من حلفاء إيران وداعمي تنظيم "داعش"ومثيلاته. وبينما يرى مراقبون أن ما تتعرض له قطر و"الجزيرة" ليس إلا استهدافاً ونيلاً من دورها بتغطية ثورات الربيع العربي ودعم حقوق ومقاومة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال وموقفها من الانقلاب على الرئيس المنتخب من الشعب في مصر وانتهاجها سياسة خارجية مستقلة، يأتي التصويب على "الجزيرة"، بحسب "نيويورك تايمز" باعتبارها "القناة المعبّرة عن مواقف السياسة الخارجية القطرية والمروّجة لها، وهذا ما يضعها في دائرة الاستهداف من قبل دول عديدة داخل المنطقة وخارجها".   

increase حجم الخط decrease

التعليقات

التعليقات المنشورة تعبر عن آراء أصحابها